النساء العربيّات في سوق العمل الإسرائيلي

حظيَ موضوع مشاركة النساء العربيّات في سوق العمل في إسرائيل بعدد كبير من الأبحاث التي عالجت معظم العوامل المؤثرة على مستوى المشاركة مثل أنماط السلوك التقليديّة، وتأثير العصرنة، والدين، والجغرافيّا، والعرض (متغيّرات اقتصاديّة) والطلب (متغيّرات اجتماعيّة). وتبيّن أنّ جميع هذه العوامل تؤثّر على مستوى المشاركة في قوّة العمل.

حظيَ موضوع مشاركة النساء العربيّات في سوق العمل في إسرائيل بعدد كبير من الأبحاث التي عالجت معظم العوامل المؤثرة على مستوى المشاركة مثل أنماط السلوك التقليديّة، وتأثير العصرنة، والدين، والجغرافيّا، والعرض (متغيّرات اقتصاديّة) والطلب (متغيّرات اجتماعيّة). وتبيّن أنّ جميع هذه العوامل تؤثّر على مستوى المشاركة في قوّة العمل.

وننطلق في معالجة هذا الموضوع من فرضيّة وجود سوق عمل مجزّأة، بحيث تؤثّر سوق العمل الهامشيّة والمحلّيّة على سلوك النساء العربيّات في سوق العمالة. وفي هذه الحالة كذلك، حصلت تحوّلات إيجابيّة في مطلع التسعينيّات، أعقبها ارتفاع في مشاركة النساء العربيّات في سوق العمل، وتقليص في حجم البطالة، ولكن بمرور عدّة أعوام حصل انعطاف حادّ، الأمر الذي ولّد صعوبات جديدة أمام مشاركة النساء العربيّات في سوق العمل، وأدّى إلى ارتفاع نسبة البطالة في صفوفهنّ.

بالرغم عن ارتفاع مستوى مشاركة النساء العربيّات في سوق العمل، فإنه لا يزال متدنّيًا (مقارنة بمستوى مشاركة النساء اليهوديّات). السببان الرئيسيّان لذلك: قدرة سوق العمل المحلّيّة المحدودة على توفير أماكن العمل للنساء؛ والتقليص في حجم النشاط الزراعيّ في الاقتصاد العربيّ- وهو ما أثّر سلبيًّا على نسبة مشاركتهنّ .

لم يكن التوزيع في تركيبة النساء العربيّات العاملات في سوق العمل وليد الصدفة؛ فالنساء العربيّات يفضّلن العمل في مكان سكناهنّ وعدمَ الخروج من قراهنّ أو مدنهنّ لمحاولة الاندماج في سوق العمل المركزيّ. وانحسار رغبة النساء العربيّات في الانخراط في العمل، من ناحية، ورغبتهنّ في المحافظة على دورهنّ التقليديّ كأمّهات وزوجات، من ناحية أخرى، يقلّصان من إمكانيّاتهنّ في الاختيار، ويؤدّي الأمر إلى حصرهنّ في فروع محدّدة في "ملجأ العمل" الذي توفّره سوق العمل المحلّيّة- الإثنيّة. من هنا تتأثّر النساء أكثر بما يحصل في هذه السوق، التي تتأثّر بدورها بسوق العمل القطريّة. وفي الكثير من الأحيان، ينعكس الأمر في مردود ماليّ غير ملائم. في المقابل، تحظى النساء في السوق المحلّيّة بمكانة تشغيليّة أكثر احترامًا من تلك القائمة في السوق المركزيّة- الأولية، التي يعانين فيها من التمييز كنساء وكعربيّات.

تَشْغل اليوم شريحة من النساء المتعلّمات العديدَ من الوظائف، في القطاع العامّ المحلّيّ وفي قطاع الخدمات الجماهيريّة، وتتزايد مشاركتهنّ في المهن الأكاديميّة والحرّة والخدمات الشخصيّة. في المقابل، فإنّ نسبة ضئيلة من النساء التحقت بالعمل في المصانع التي أقيمت في القرى العربيّة (مصانع النسيج والغذاء والأحذية وغيرها) كي يحظى مقيموها بأيدٍ عاملة رخيصة وغير ماهرة. وممّا سهّل التحاق النساء بهذه الأعمال: قربُ هذه المصانع من مكان السكنى؛ توفير السفر المنظّم؛ العمل بمجموعات كبيرة من نفس المنطقة أو الفئة.

وعلى رغم هذا، فإن توزيعة العمل في صفوف النساء تعرّضهن إلى أضرار التحوّلات الاقتصاديّة، وتزيد من تبعيتهنّ لما يحصل في السوق المركزيّة. في مطلع التسعينيّات، تحسن وضع النساء، وذلك نتيجة للتطور الذي شهده المجتمع العربيّ بشكل عام، لكن وضعهنّ عاد ليتدهور ابتداء من العام 1996 فصاعدًا. حتّى التسعينيّات، كانت نسبة النساء العربيّات العاملات ضئيلة وهامشيّة، إذ بلغت 12% فقط من مجموع النساء في سنّ العمل (بلغت النسبة في صفوف النساء اليهوديّات نحو 40%)، وكانت نسبة البطالة في الوسطين متشابهة، إذ بلغت نحو 11%. في العام 1995، بلغت نسبة مشاركة النساء العربيّات أوجها، إذ قاربت الـ 19%. نذكّر هنا أنّ نسبة البطالة القطريّة في العام 1995 كانت الأكثر تدنّيًا على مدار العقد (6%)، وهنالك من يدّعي أنّها كانت بطالة احتكاكية فقط. منذ ذلك العام حصل تحوّل في الاتّجاه، وفي العام 2000 استقرّت المشاركة على نسبة 17.6%. في المقابل، تواصل النسبة في الارتفاع في أوساط النساء اليهوديّات وتقترب من 55%.

تأثّرت هذه التوجّهات بالتحوّلات التي طرأت على تركيبة المستخدَمات العربيّات، وبالتقسيم حسب المهن والفروع الاقتصاديّة، وعكست حالةَ الإشباع السائدة في السوق المحلّيّة وشُحَّ عرض أماكن عمل للنساء. على هذا النحو، وُظّف نحو 60% من النساء العربيّات، في العام 2001، في فروع الإدارة العامّة، وفي المهن الأكاديميّة والحرّة، مقابل 40% في العام 1990. وفي نفس العام وَظّفت المشاغل الصغيرة والتقليديّة التي أقيمت في القرى العربيّة 33% من النساء العربيّات العاملات، وَ17% في العام 1995، وَ12% فقط في العام 2001. وتعرّض تشغيل النساء في هذه الفروع لعمليّة تصفية متواصلة، واضطُرّت النساء العربيّات إلى التنافس مع العاملات في الأردنّ والصين وسائر الدول التي تُستغل لمصلحة رأس المال العالميّ.

رافق العمليّات المذكورةَ ارتفاع ملموس في المستوى العلميّ للنساء العربيّات العاملات. أدّى ذلك إلى ارتفاع مكانتهنّ، وارتقائهن عن أسفل سلّم المهن والمكانة التشغيليّة. وتشير التوزيعة في تركيبة المستخدَمات إلى تحسّن ملحوظ وارتفاع في تبوّؤ المهن الأكاديميّة: من 3,7% في سنة 1990 إلى 11% في سنة 2001؛ ارتفاع من 27% إلى 28% في المهن الحرّة؛ وارتفاع من 11% إلى 16% في الوظائف المكتبيّة والمبيعات والخدمات. في المقابل، عمل 32% من النساء في العام 1990 في الأعمال المهنيّة والأشغال البدنيّة غير المهنيّة، وانخفضت نسبتهنّ إلى 16% في العام 2001. المعطى الأخير لا يُعتبَر إيجابيًّا بالضرورة، فالنساء اللاتي عملن سابقًا في فروع الاقتصاد التقليديّة والأعمال البدنيّة لم يتحولن، كما يبدو، إلى المهن الأكاديميّة أو الحرّة، بل اضطُرِرن إلى الانسحاب من سوق العمل، بسبب إغلاق مكان العمل، أو بسبب وجود بديل لهن. يُعزى الارتفاع في المهن "الجيّدة" في توزيع النساء العربيّات العاملات إلى دخول نساء متعلّمات إلى سوق العمل، وخروج نساء غير متعلّمات منه. أدّت هذه الاتّجاهات المتناقضة إلى تراجع طفيف في عمل النساء العربيّات، الأمر الذي ينعكس في معطيات البطالة.

منذ أوائل التسعينيّات حتّى سنة 1995-1996، كانت نسبة البطالة الرسميّة بين أوساط النساء العربيّات أدنى ممّا بين النساء اليهوديّات. ويعود ذلك، في الدرجة الأولى، إلى مستوى المشاركة المتدنّي. وفي تلك السنة فاقت نسبة النساء العربيّات العاطلات عن العمل نسبةَ اليهوديّات، واتّسعت هذه الفجوة لتصل إلى أوجها في العام 2000، حيث بلغت نسبة النساء العربيّات العاطلات عن العمل 11.7%، ونسبة اليهوديّات 9%.

في العام 2001-2002، هبط مستوى البطالة واستقرّ حول 10.65%. ويفسَّر هذا الاستقرار، في غالبيّته، بهبوط نسبة مشاركة النساء العربيّات في سوق العمل، وبظاهرة "اليائسين" الذين لا تشملهم إحصائيّات البطالة الرسميّة. لا تشير المعطيات إلى ارتفاع في نسبة العاملات، بل إلى هبوط في نسبة غير المستخدَمات في الأعوام 2000 - 2002. من هنا لا يسير الارتفاع في نسبة مشاركة النساء العربيّات في خطّ مستقيم، ولا يحلّ التحسّن الملحوظ في التعليم جميعَ مشاكلهنّ. النساء العربيّات لا يعشن في منأى عمّا يحصل في الدولة، حيث استنفدت التحوّلات الاقتصاديّة طاقتها الإيجابية الكامنة، ولم يعد في مقدور السوق المحلّيّة توفير أماكن عمل لأبناء الأقلّيّة العربيّة، وبخاصّة النساء منهم. كذلك، بسبب تزايد الصعوبات التي يواجهها الرجال العرب في الاندماج في سوق العمل المركزيّة، ازدادت المنافسة على أماكن العمل في السوق المحلّيّة، وأدّى تقليص الميزانيّات والعجز الماليّ في السلطات المحلّيّة إلى تقليص في أماكن العمل المعروضة.

ونتيجةً للركود الاقتصاديّ والتحوّل في المفاهيم الاقتصاديّة في الدولة، طرأت تغييرات بنيويّة في الجهاز الاقتصاديّ، وطُرِحت العديد من الخطط الاقتصاديّة، وحصل ارتفاع حادّ في فصل الموظّفين من جهاز الإدارة العامّة القطريّ، بما في ذلك مجالات التربية والصّحة والرفاه الاجتماعيّ. هذه العوامل أثّرت سلبًا على فرص تشغيل النساء العربيّات؛ ومن المتوقع أن يزيد تأثيرها في المستقبل. مرّة أخرى، يُظهر لنا هذا التدهور أنّ الأقلّيّة العربيّة تتضرر بسرعة أكبر وبشكل أعمق من الأغلبيّة اليهوديّة، على صعيدَي البطالة ومستوى المشاركة. ارتفعت نسبة البطالة بين النساء اليهوديّات منذ العام 1996 بشكل تدريجيّ وبطيء، وشهد العام 2000 هبوطًا ضئيلاً في هذه النسبة، مقارنة بالعام الذي سبقه. في المقابل، حصل في ذلك العام ارتفاع كبير في نسبة البطالة بين النساء العربيّات.

هذا العقد الذي افتُتِح بآمال معقولة وواقعيّة، في كل ما يتعلّق بعمل النساء العربيّات وموقعهن في التحوّلات الاقتصاديّة والاجتماعيّة التي كان بمقدورها أن تحقق تغيّرًا إيجابيًّا، سرعان ما تحوّل إلى خيبة أمل وفشل ذريع. هذا الفشل وهذه الخيبة يعكسان بشكل دقيق وضع الأقلّيّة العربيّة أسيرة السوق الإثنيّة- المحلّيّة المكتفية والمحدودة من حيث فرص العمل، وأسيرة ما يحدث في السوق المركزيّة المغلقة في وجهها إلى حدّ بعيد.

(*) الكاتب باحث اقتصادي- حيفا