تحديد صلاحيات المحكمة العليا ينذر بإضفاء شرعية على قوانين عنصرية ضد الفلسطينيين

كتب أسعد تلحمي:

شرع وزير العدل الإسرائيلي الجديد، البروفيسور دانيئيل فريدمان، في تنفيذ مشروعه لقصقصة جناح المحكمة العليا والحدّ من دورها في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في إسرائيل بعد أن غدت، خصوصا في عهد رئيسها السابق أهارون باراك، ملاذ كل مواطن اشتكى غبن المؤسسة. كما لجأ اليها الفلسطينيون على جانبي الخط الأخضر بحثا عن العدالة سواء لمواجهة القوانين العنصرية (عرب الداخل) أو لوضع حد لممارسات الاحتلال (فلسطينيي 1967). ولقيت التماسات الفلسطينيين آذانا صاغية لدى القضاة لكن فقط في قضايا غير مرتبطة مباشرة بـ "الأمن الإسرائيلي" الذي شكل وما زال المعيار الأهم الذي أخضع له القضاة قراراتهم حتى على حساب حقوق الإنسان والقوانين والمواثيق الدولية.

وأعلن فريدمان تعيين طاقم خاص لتشريع قانون جديد يحدّد صلاحيات المحكمة العليا في إلغائها قوانين ترى أنها ليست شرعية أو تتعارض وحقوق الفرد أو القوانين الدولية. وسيمنح القانون الجديد الكنيست حق إعادة التصديق على أي قانون تلغيه المحكمة العليا، أي أن تكون كلمة الفصل للسلطة التشريعية لا القضائية.

كما يعتزم الوزير الجديد تحديد ولاية رئيس المحكمة العليا لسبع سنوات فقط وهي محاولة منه، وفقا للمعلقين في الشؤون القضائية، للانتقاص من مكانة رئيسة المحكمة الحالية، دوريت بينيش، التي سبق أن تعرضت لهجوم شديد من فريدمان قبل تعيينه وزيرا على خلفية عدم تعيينها زميلة له قاضية في المحكمة.

وتلقى الخطوات التي يزمع فريدمان اتخاذها، تجاوبا في أوساط الوسط واليمين في إسرائيل التي لا يروق لها ما تعتبره تدخل المحكمة العليا في شؤون سياسية مثل التجاوب بين الفترة والأخرى مع التماسات فلسطينيين، رغم أن أبواق الدعاية في إسرائيل عرفت كيف تستغل هذا التجاوب، على الساحة الدولية لإثبات "العدالة" في الدولة العبرية.

وقال المحامي مروان دلال، من مركز "عدالة" القانوني، إن اقتراح وزير العدل تقويض صلاحية المحكمة العليا في إبطال قوانين الكنيست يندرج ضمن صراع النخب في إسرائيل حول مكانة السياسي مقابل وزن القضائي.

وأضاف أنه رغم مواظبة المحكمة العليا على إضفاء شرعية قانونية محلية على ممارسات الاحتلال الإسرائيلي، نافية القانون الدولي كما هي الحال في مسألة الجدار الفاصل أو سياسة الاغتيالات، إلا أنها ما زالت تُعتبر عائقاً أمام الرغبات السياسية الحكومية، التي تفضل عدم وجود أي نوع من الرقابة على مسائل التعيينات الحكومية أو التساهل في قضايا الفساد.

ويشير دلال إلى أن الاقتراح الحالي لوزير العدل الجديد يتميّز بأنه يصدر عن ممثل النخب التي دعمت تقليديا دوراً معينًا للمحكمة العليا في النظام الدستوري الإسرائيلي. ويضيف: "في حال أغفلنا الخلاف الشخصي بين الوزير ورئيسة المحكمة، يمكن أن نفهم هذا الاقتراح على أنه استمرار في انحدار البروفيل الديمقراطي العلني لإسرائيل، وإن كان المستوى الديمقراطي لإسرائيل هو مستوى منخفض تعريفاً ويمارَس دعائيا في الخارج أكثر منه في الداخل، وهو ينضم الآن إلى الهجوم على المؤسسة التي تعتبر إسرائيليا الأهم في صون الديمقراطية من قبل نخب ترى ذاتها ليبرالية وحريصة على سلطة القانون، إلاّ أنه حتى هذه النخب لا توفر الأرضية الفكرية لرغبتها في تقويض صلاحية المحكمة العليا، وتكتفي بإعلان رغبتها في أن ترفع من مستوى شعبية المحكمة عند عامة الشعب".

ويختم دلال مؤكدا ان هذا التسويغ لتقويض صلاحية المحكمة، المحصورة أصلا قانونا وممارسة، ينذر بإضفاء شرعية من هذه النخب لقوانين عنصرية ستسن في الكنيست شبيهة بتلك التي تمنع لم شمل العائلات الفلسطينية من جانبي الخط الأخضر، الذي صادقت عليه المحكمة العليا، وقانون منع التعويضات عن مصابي الانتفاضة الذي أسقطته المحكمة ذاتها.