خسائر مصانع سديروت- 15 مليون دولار!

أعلن مدير عام اتحاد الصناعيين في إسرائيل، يهودا سيغف، الأسبوع الماضي، أن خسائر المصانع في بلدة سديروت ومنطقتها، بلغت في السنوات الأخيرة قرابة 60 مليون شيكل، بما قيمته حاليا 15 مليون دولار، وهذا نتيجة إطلاق القذائف الفلسطينية على تلك المنطقة، وما تخلفه من حالة عدم استقرار هناك.

وقال سيغف، خلال جولة له في منطقة سديروت، إن وضع الصناعة في سديروت "خطير جدا"، وإن الخسائر في السنوات الثلاث الأخيرة بلغت 15 مليون دولار. وهذا يشمل الضربات المادية لتلك المصانع، وغياب الزبائن، وخسارة طلبيات، وشل خطوط الإنتاج في فترات مختلفة، إلى جانب خسائر غير مباشرة.

وتبين من إحصائيات اتحاد الصناعيين، في الآونة الأخيرة، أن 150 عاملا تركوا أماكن عملهم، في حين أن 25% من المصانع نقلت أعمالها إلى مناطق أكثر أمانا، كذلك فإن 85% من المصانع تعاني من غياب العاملين بوتائر متفاوتة، وهناك عدد من المصانع أعلن أن نسبة الغياب اليومية تصل إلى 5%، في حين أن 45% من المصانع أعلنت أن نسبة الغياب اليومية تتراوح ما بين 6% إلى 10%، و45% من المصانع أعلنت عن غياب بمعدل أكثر من 11% يوميا من القوى العاملة، وأعلنت 92% من المصانع أنها تستصعب إيجاد عاملين بدل العاملين الذين يتغيبون عن العمل.

ويقول سيغف إن 92% من المصانع في منطقة سديروت أعلنت عن تراجع كبير في عدد الزبائن في السنة الأخيرة، وأعلنت 23% عن تراجع طلبيات السوق المحلي لإنتاجهم، مقابل تراجع بنسبة 54% لطلبيات من خارج البلاد، فيما أعلنت 69% من المصانع أن هناك صعوبة في وصول مزودي المواد الخام لهذه المصانع.

وهاجم سيغف الحكومة الإسرائيلية متهما إياها بأنها لم تف بوعودها لتقديم الدعم للقطاع الصناعي في سديروت، بما قيمته 10 ملايين دولار، كما طالب بالاستمرار في تقديم التسهيلات الضريبية، بنسبة 50%.

وبحسب سيغف فإن تكلفة حماية هذه المصانع من خلال وسائل وقائية من القذائف التي تطلق على البلدة تصل إلى 50 مليون دولار فقط، وأن هذه الميزانية كفيلة ليس فقط بحماية المصانع، وإنما أيضا بحماية 5 آلاف عامل في حوالي 40 مصنعا.

وحسب تقارير اقتصادية مختلفة، فإن الوضع الناشئ في بلدة سديروت ومنطقتها خلق حالة من البلبلة في وتيرة العمل في كافة المؤسسات والقطاع الاقتصادي، ما حدا بوزير الصناعة والتجارة والتشغيل، إلى استصدار أوامر بالحضور الإلزامي في أماكن العمل، بموجب قوانين الطوارئ، وهذا في المؤسسات والمرافق الإنتاجية الحيوية.

وحسب الأوامر الصادرة، فإنها تسري على مؤسسات الكهرباء والمياه والإطفائية والإنقاذ والمصانع الغذائية وشبكات التسويق الغذائية والجهاز الصحي على مختلف مستوياته ومكاتب الرفاه الاجتماعي. كما تسمح هذه الأوامر بتجنيد عاملين في هذه المرافق وفق الحاجة، وأيضا بموجب أنظمة الطوارئ، التي تستخدم عادة في فترات الحرب.

وعلى الرغم مما ينشر فهناك أصحاب مصانع يعلنون عكس هذا المشهد. فقد أعلن يحزقيل بارون، مدير عام مصنع إنتاج الكوابل الكهربائية، وهو أحد أهم المصانع في تلك المنطقة، عن أن العمل لديه يسير تقريبا كالمعتاد، مع تسجيل غياب معين، ولكن هذا ليس ضمانا للمستقبل، وقد طالب هو أيضا الحكومة بالعمل بسرعة على وقاية المصانع.

ويقول صاحب أحد مصانع البلاستيك إنه على ضوء عجز الحكومة عن تمويل وقاية البيوت والمصانع والمؤسسات من القذائف الفلسطينية، فقد تمت إقامة جمعية لجمع التبرعات لهذا الغرض.

يذكر هنا، أن الملياردير الروسي اليهودي (يحمل الجنسية الإسرائيلي أيضا)، أركادي غايداماك، المتورط في قضايا جنائية مالية دولية، أعلن أنه يريد دفع 50 مليون دولار لوقاية البيوت في بلدة سديروت والمنطقة، الأمر الذي أثار غضب الحكومة، التي سارعت إلى الإعلان عن ميزانية لهذا الغرض، كما أعلن رئيس بلدية سديروت عن رفضه لهذا العرض.

وقد وصل الأمر بين غايداماك والحكومة إلى أشبه بلعبة القط والفأر والتحدي الواضح، فرغم الاعتراضات في الرأي العام الإسرائيلي، أقام غايداماك "مدينة خيام" في تل أبيب لاستيعاب السكان "النازحين" من بلدة سديروت ومنطقتها، ويراهن غايداماك على اجتذاب الآلاف من السكان إلى تل أبيب في ظل الظروف القائمة.

يذكر أيضا أن غايداماك هذا يعد العدة لاقتحام الحلبة السياسية من خلال حزب سيكون جمهور مصوتيه الأساسي من المهاجرين الجدد، ولكنه يسعى للظهور في مشاريع اجتماعية كمساعدة الشرائح الفقيرة، البلدات المنكوبة بأوضاع أمنية، كما جرى خلال الحرب على لبنان.

وحسب معطيات وزارة الصناعة والتجارة الإسرائيلية، فإنها تلقت في الأشهر الأخيرة 25 طلبا من مصانع ومؤسسات اقتصادية، للتعويض بتكلفة إجمالية تبلغ 212 مليون شيكل، أي ما يعادل 53 مليون دولار، وهي بعيدة كل البعد عن تقييمات اتحاد الصناعيين (15 مليون دولار).

وللمقارنة، فإنه خلال الحرب على لبنان، بلغ حجم الطلبات الواردة من بلدة كريات شمونة، الشمالية، التي تلقت أكبر عدد من القذائف، 12 طلبا، بقيمة إجمالية تصل إلى 135 مليون شيكل، أي ما يعادل، 33 مليون دولار.

وجاء في تقرير لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، أنه كما جرت العادة فإن الوزارة لن تصادق على كافة هذه الطلبات، ولا على القيمة التي تطالب بها، وهذا ما يجعل المصانع لا تبحث عن عاملين جدد، مما يزيد من حجم خسائرها. وتطالب الأوساط الاقتصادية بأن تكون ليّنة أكثر تجاه هذه المصانع، لكي لا تغلق أبوابها كليا، ويفقد آلاف العاملين أماكن عملهم على المستوى البعيد.

ولا تتوقف الخسائر عند أصحاب العمل فقط، بل إن العاملين أنفسهم، خاصة أولئك الذين غادروا بلدة سديروت، وفي أحيان كثير بتشجيع الحكومة، يخسرون أماكن عملهم دون أي تعويض مالي لهم.

وتقول المحامية هيلا بورات، التي تمثل عددا من الأهالي، إن كتاب القوانين الإسرائيلي لا يشمل قانونا يعوض العاملين الذين يضطرون للغياب عن أماكن عملهم في ظروف حرب وتصعيد عسكري وأمني، فصاحب العمل ليس ملزما بأن يدفع للعامل عن فترة تغيبه عن العمل، وهناك شك في ما إذا لديه القدرة على ذلك بوجود قانون كهذا، لأن المصانع وأماكن العمل نفسها تسجل خسائر نتيجة الوضع القائم.

وأشارت بورات إلى أنه حسب القانون القائم فإن الغياب عن العمل لظروف أمنية ليس ظاهرا في القانون، وعليه فإن محاكم العمل ليس باستطاعتها الحكم بتعويض العاملين. وقالت إن الحل المطلوب هو سن قانون بمبادرة الحكومة، لضمان تشريعه بسرعة، يضمن تعويض العاملين في "مناطق خطرة" على المستوى الأمني، وأن يكون الأمر منظما بقانون واضح، وليس مرتبطا بقرارات مؤقتة لهذه الحكومة أو تلك.

يشار هنا إلى أنه خلال فترة الحرب على لبنان شملت التعويضات التي دفعتها الحكومة الإسرائيلية أيضا تعويضا للأجيرين الذين اضطروا للتغيب عن أماكن عملهم، خاصة في البلدات الشمالية والحدودية.