بعد 40 عامًا: لا مفرّ من الإقرار بفشل توحيد القدس

خصصت صحيفة "هآرتس" افتتاحية عددها الصادر اليوم (الأربعاء 16/5/2007) لمناسبة احتفال إسرائيل بمرور 40 عاماً على ما تسميه "توحيد القدس"، فتحت عنوان [أربعون عاماً على "الوحدة"] - وقد وردت الكلمة الأخيرة (الوحدة) في الأصل بين هلالين في إشارة أو دلالة مقصودة من جانب هيئة تحرير الصحيفة التي تنشر مقالاتها الافتتاحية بتوقيعها- كتبت الصحيفة:

خسارة أنه لا يمكن تحويل الضريبة الكلامية التي تدفعها الشخصيات العامة منذ 40 عاماً ثمناً لشعار "وحدة القدس" إلى شواقل. فسيل الكلام الذي صُبَّ على "المدينة الموحدة" كان باستطاعته أن يملاً الهوّة السحيقة القائمة بين شرق القدس وغربها.

وتابعت الصحيفة في مقالها قائلة إن: بهجة "يوم القدس" (الذي تحتفل به إسرائيل اليوم الأربعاء) ستقفز عن قسم كبير من سكان المدينة. وأضافت: لم يبق من ضم الأحياء الفلسطينية إلى الشطر الإسرائيلي- الغربي للقدس سوى قانون جاف صادر عن الكنيست وقرارات حكومية فارغة من المضمون و "بطاقات هوية زرقاء". واستطردت موضحة أن "يوم القدس" يذكر ثلث سكان "القدس الموحدة"- في إشارة للسكان الفلسطينيين البالغ عددهم نحو 240 ألف نسمة من أصل 730 ألف يقطنون في شطري المدينة بحدودها الموسعة- بأنهم ليسوا، في أحسن الأحوال، سوى "سكان من الدرجة الثانية" (تعمدت الصحيفة كما يبدو أن لا تقول عنهم "مواطنون") وفي أسوأ الأحوال "مشكلة ديمغرافية" .. مضيفة: إن إسرائيل فَصَلَتْهُم- أي السكان الفلسطينيين- عن أخوتهم في الضفة الغربية ولم تقم بأي جهد لمنحهم الشعور بأنهم مرغوبون تحت سقفها.

ومضت "هآرتس" في تعليقها الافتتاحي مسهبة في وصف الفجوة الهائلة بين شطري المدينة، والتمييز السافر الذي تمارسه مختلف السلطات الإسرائيلية ضد المقدسيين العرب. وفي هذا السياق "نصحت" الصحيفة الإسرائيليين المحتفلين بالمناسبة باجتياز الخط (خط التماس) الذي كان يرمز لحدود المدينة (الشطر الغربي) لغاية حرب حزيران 1967، لأنهم "سيكتشفون على بُعد بضعة مئات من الأمتار من غرب المدينة ذي المظهر الغربي، أحياء مهملة، بُنى تحتية مهلهلة، فقر واكتظاظ وبطالة ويأس" مؤكدة أن "هذه المشاهد إنما هي نتاج 40 عاماً من التمييز المقصود" وفسرت بالأرقام: "ثلث سكان القدس (أي السكان الفلسطينيين) لا يحظون عملياً سوى بـ 10% من ميزانية المدينة". وزادت بقولها: في الأحياء الجديدة التي تقام لصالح السكان اليهود في شرق "القدس الموحدة" لا يوجد ولد واحد يضطر للبقاء في البيت بسبب نقص في الغرف الدراسية، بينما هناك قرابة 15 ألف ولد من سكان القدس الشرقية غير موجودين في سجلات سلطات التعليم في المدينة نتيجة لنقص يزيد عن 1300 صف دراسي .. كذلك يعيش في القدس في الشرقية 75,8% من مجموع الأطفال الفقراء في المدينة بشطريها، كما تعيش في الشطر الشرقي (العربي) 62% من العائلات تحت خط الفقر.

وخلصت "هآرتس" في مقالتها الافتتاحية إلى استنتاج يصب في اتجاهات التفكير الآخذة بالتبلور أكثر فأكثر لدى أوساط مركز الطبقة السياسية الإسرائيلية، وهي اتجاهات لا تخرج بالطبع عن محددات ما يوصف بـ "الإجماع القومي" خاصة في ما يتصل بـ "موضوع القدس"، إذ أكدت الصحيفة ضمناً بأنه لا مفر في نهاية المطاف من "إعادة تقسيم القدس" ولو من باب تفادي "الخطر الديمغرافي" المحدق بمستقبل الأغلبية اليهودية في المدينة، مشيرة في هذا السياق، إلى أن إيهود باراك (المرشح القوي مجدداً في السباق القريب على زعامة حزب "العمل") كان أول رئيس حكومة إسرائيلي يقترح "تقسيم المدينة" استناداً لمبدأ: "ما لليهود لليهود، وما للعرب للعرب" .. ودعمت الصحيفة هذا الطرح في خاتمة تعليقها بالتذكير أن: خطة كلينتون و"تفاهمات جنيف" ومبادرة السلام العربية تقترح أيضاً أساساً مشابهاً لتقسيم المدينة، وأنهت قائلة: "من الحري بإيهود أولمرت، الذي كان، كرئيس لبلدية المدينة (لسنوات طويلة)، شريكاً في الفشل (فشل شعارات "الضم والتوحيد") أن يستبدل شعار الوحدة بسياسة تقسيم منطقية ومنصفة".

دعوة لإعادة النظر في قرار الضم

وفي مقال له تحت عنوان "آه يا قدس!" نُشر اليوم أيضاً في صحيفة "هآرتس" دعا الكاتب المعروف عوزي بنزيمان إلى ضرورة محاولة استخلاص العبر من القرار الذي اتخذته الحكومة الإسرائيلية بشأن ضم القدس الشرقية قبل 40 عاماً وقال: مما لا شك فيه أنه توفرت للزعامة الإسرائيلية عندما قررت "توحيد القدس" أسباب وجيهة للاعتقاد بأنها تقدم على خطوة صحيحة. فالظروف السياسية والأمنية والأجواء النفسية التي سادت في إسرائيل (بعد هزيمة الدول العربية في الحرب)، والوضع السياسي (الإجماع الواسع في إسرائيل) وفرت الأرضية الملائمة. كذلك لا ريب في أن الدولة استثمرت جُلَّ مواردها وحنكتها في سبيل إنجاح هذه الخطوة: حيث رسمت من جديد خريطة المدينة بغية تكريس سيطرتها عليها وصادرت مساحات واسعة من الأراضي بهدف تعزيز التواجد اليهودي داخلها، ووضعت القدس على رأس اهتماماتها.

ولكن، أضاف بنزيمان، وعلى الرغم من ذلك فإن النتيجة تعبر عن نفسها بوضوح .. فالقدس سنة 2007 مدينةٌ الهِجرةُ (اليهودية) إليها سلبية، وعدد العرب الذين يعيشون داخل حدودها يزداد بشكل دائم ويؤدي إلى تغيير الميزان الديمغرافي لصالح هؤلاء السكان (العرب)، مدينةٌ القسم الأعظم من دول العالم لا يعترف بسيادة إسرائيل عليها. إجراءات الضم لم تؤد إلى وحدة حقيقية للمدينة .. فاليهود يخشون من زيارة شطرها الشرقي وينحصر احتكاكهم بها بزيارات خاطفة إلى "حائط المبكى" والحي اليهودي.

وخَلُصَ بنزيمان في نهاية مقاله إلى القول "الاستنتاج بسيط: الواقع أقوى من خلجات القلب. والمسوّغ الذي توفر لدولة إسرائيل لضم القدس الشرقية في العام 1967 لا يمكن له أن يتغلب على عزم وتصميم عرب المدينة على مواصلة الالتصاق بمدينتهم. هذا فضلاً عن أن تمسك اليهود بالقدس الموحدة لم يُفلح في فسخ ارتباط العالم الإسلامي بالمدينة. في عالم
2007 لا مفر من الإقرار بذلك".