أربعون عامًا على حرب حزيران- ذكرى باهتة

كتب أسعد تلحمي:

لا تحتفل إسرائيل هذه الأيام بمرور أربعين عاماً على انتصارها العسكري الكبير في حرب الخامس من حزيران (يونيو) عام 1967، وذلك ربما بفعل ارتفاع نسبة الإسرائيليين الذين باتوا على قناعة بأن احتلال الأراضي العربية عام 1967 لا يحقق الأمن المنشود، وربما بفعل قناعة اليمين الإسرائيلي بأن حلم "أرض إسرائيل الكبرى" لم يعد قابلاً للتنفيذ. لكن الأمر الأكيد هو أن الأجواء المتكدرة في سماء إسرائيل منذ فشل الحرب الثانية على لبنان صيف العام الماضي في تحقيق أهدافها العسكرية، تحول دون الاحتفالات الرسمية بمرور أربعة عقود على هزيمة ثلاثة من أكبر الجيوش العربية.

وجاء لافتاً ان الصحف العبرية التي اعتادت في الماضي غير البعيد إصدار ملاحق خاصة في هذه المناسبة، لم تفعل هذه السنة، واكتفت بتذكير الجيل الشاب من الإسرائيليين بالرواية الإسرائيلية عن أسباب الحرب ومجرياتها، مكررة بعض ما نشرته من تقارير وأخبار «ترفع المعنويات» خلال تلك الحرب وبعدها. كما فتحت صفحاتها أمام مقالات الرأي التي انقسمت بين من يلعن ذلك الانتصار وانعكاساته السلبية على جوانب الحياة المختلفة وبين من يدعي ان الحرب، وبالتالي الاستيطان في المناطق الفلسطينية والسورية المحتلة، وفرت الأمن والأمان للإسرائيليين. وفي الوسط من يؤيد الانسحاب من الأراضي المحتلة تحت شروط تبدو إلى الآن موضع إجماع صهيوني، في مقدمها رفض حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، والإبقاء على القدس «موحدة»، وضم الكتل الاستيطانية الكبرى غرب الضفة الغربية وفي محيط القدس تحت السيطرة الإسرائيلية، وسط بعض الأصوات الداعمة لمقايضة الأراضي المقامة عليها هذه المستوطنات بأراض إسرائيلية، من أراضي العام 1948.

وبات معظم «الوسطيين واليساريين» يقر أيضاً بأن القدرة على حل الصراع العربي -الإسرائيلي بالقوة ليست سوى وَهْم، فيما العسكريون المحسوبون على هذا التيار يدركون أنه في عصر يشهد سباق تسلح منفلتاً في المنطقة وفي عصر الصواريخ البالستية لم تعد مساحة الدولة تشكل بُعداً مهماً كما كان عندما تم تبرير الحرب قبل 40 عاماً.

واللافت خلال السنوات الاخيرة ان ما كتبه المفكر الإسرائيلي البروفيسور يشعياهو ليبوفيتش غداة الاحتلال حين غرد خارج السرب وتحدى اليسار الصهيوني الذي شارك اليمين احتفالاته بالانتصار العسكري، وحذر من تحول إسرائيل إلى "دولة مخابرات" والجيش إلى "جيش احتلال"، بات مقبولاً لدى شريحة واسعة من الإسرائيليين اعتبرت في حينه أقوال ليبوفيتش «هاذية» وهي على يقين اليوم بصدق توقعات من وصفوه بـ «نبي الغضب» وتأكيداته حتى آخر يوم من عمره أن الاحتلال مفسد "لكل ما هو طيب في المجتمع".

كما يستذكر الإسرائيليون الآن أقوالاً أخرى مماثلة كتبها بعد شهرين من الحرب الكاتب الإسرائيلي الأبرز عاموس عوز الذي قال: "حتى المحتلون الذين تمادوا في طرق القمع جلسوا في معظم الأماكن فوق أشواك وعقارب إلى أن تم اقتلاعهم، ناهيك عن التدمير الأخلاقي المطلق الذي يسببه الاحتلال لدولة الاحتلال... حتى الاحتلال القسري هو احتلال مفسد".

وبرأي المعلق السياسي اليساري المخضرم عكيبا إلدار فإن «الرابع من حزيران 1967 كان اليوم الأخير الذي تمتع به المواطنون في إسرائيل بحقيقة كونهم شعباً حراً». وأضاف في مقال في صحيفة «هآرتس» ان «الانتصار في ميدان المعارك الذي كان مفروضاً أن يمنحنا حياة أفضل وأكثر أمناً» غدا يعكّر حياتنا وحياة آخرين. ورداً على المدعين بأن احتلال الأراضي الفلسطينية (الضفة الغربية وقطاع غزة) وسّع الهوامش الأمنية لإسرائيل الصغيرة، يكتب الدار ان «قلائل يذكرون انه في منتصف ستينات القرن الماضي، وقبل أشهر من الحرب، اعتقدت الحكومة الإسرائيلية ان الوضع الأمني لإسرائيل يسمح لها بتقصير فترة التجنيد الإجباري من 30 إلى 26 شهراً فيما التحديات الأمنية التي نجمت عن الاحتلال اضطرت الحكومة إلى تمديد الخدمة إلى 36 شهراً». وختم الكاتب مشيراً إلى ان الفرصة مهيأة الآن أمام إسرائيل لجعل الانتصار العسكري عام 1967 «الإنجاز الأكبر منذ إقامتها» في حال قبلت بالمبادرة العربية التي تعتمد حدود 1967 أساساً لاتفاق سلام.

لكن كتاب الأعمدة المحسوبين على اليمين الإسرائيلي يرون الصورة غير ذلك. وبرأي الكاتب يعقوب حسداي فإن القول إن «الاحتلال مفسد للأخلاق» يحتاج إلى برهان، عازياً التهور الأخلاقي المتمثل في ممارسات الجيش اليومية في المناطق المحتلة إلى عدم قبول الفلسطينيين والعرب بحقيقة وجود إسرائيل. وعزا العنف في المدارس وفي الشوارع إلى بذخ الحياة في العالم الغربي، ملخصاً مقاله باستنتاجه أن إسرائيل حاولت في السنوات الأخيرة التخلص من الاحتلال عبر اتفاقات اوسلو والانسحاب الأحادي من لبنان وقطاع غزة "لكن أعداءنا لا يكتفون بالأراضي وبالاستقلال إنما يريدون استقلالهم عبر هلاكنا... وكل ذلك يقود إلى احتمال أن نبقى محتلين رغماً عنا".