"قرارات الرياض مبادرة صحيحة لكن في الوقت الخطأ"!

قال المعلق السياسي الإسرائيلي البارز عكيفا إلدار ("هآرتس"، الاثنين 2/4/2007) إن قرارات القمة العربية في الرياض تنطوي على مبادرة سياسية صحيحة، لكن في وقت وظروف غير صحيحة من ناحية معطيات الحكم القائم في إسرائيل.

ومما كتبه إلدار في هذا الشأن: أثار وعد بلفور في العام 1917 بشأن إقامة بيت قومي للشعب اليهودي الحركة القومية العربية ودفعها إلى شنّ الكفاح "على السيطرة في أرض إسرائيل"، ووعد (إعلان) الرياض يمنح دولة إسرائيل اعتراف العالم العربي ويقترح وضع حدّ لهذا الكفاح. وقد قال إيهود أولمرت لصحيفة "هآرتس" إن "قمة الرياض تثبت أن هناك تغييرًا".

وتساءل: لكن ما هو التغيير البارز في سياسة رئيس الحكومة في أعقاب إقرار المبادرة العربية في القمة؟ أولمرت متمسك بسياسة مقاطعة السلطة الفلسطينية وكل من يجري اتصالات معها. وماذا بشأن تفكيك البؤر الاستيطانية غير الشرعية؟ في البداية على محمود عباس (أبو مازن) أن يفكك حكومة إسماعيل هنية الإرهابية. وماذا بشأن سورية؟ أولمرت "يرغب في الوصول إلى إمكانية سلام"، لكن بشار الأسد والجامعة العربية كافة سيضطران للانتظار إلى أن يؤمن رئيس الحكومة "بنشوء ظروف" لمحادثات مع دمشق.

وفي رأي هذا المعلق فإن مطالبة العرب بالتنازل مسبقًا عن مواقفهم- مثل مطالبتهم بالتنازل عن الانسحاب إلى حدود 1967 أو التنازل عن ذكر قرار رقم 194 في بند اللاجئين- تتناقض مع سياسة إسرائيل التقليدية التي ترفض شروطًا مسبقة للمفاوضات. وماذا كنا نقول لو أن العرب وضعوا شرطًا للمفاوضات أن تلغي إسرائيل قانون أساس القدس عاصمة إسرائيل، الذي يحتاج إلغاؤه إلى تأييد 61 عضو كنيست على الأقل؟.

وخلص إلى القول إنّ إعلان الرياض هو مبادرة صحيحة، لكن في وقت وظروف خطأ. فحتى لو تبناه أولمرت، فمن سيذهب في أعقابه؟ إن حكومة أولمرت- (عمير) بيرتس لا تمثل اليمين ولا تمثل اليسار، كما أنها لا تمثل الحريديم (المتدينين المتشددين) ولا الصهيونية الدينية. كذلك فإن هذه الحكومة لم تعد تمثل التيار المركزي، الذي أيد بغالبيته الانسحاب من غالبية المناطق (المحتلة) وطهارة اليدين. وقد دل "مؤشر السلام" الأخير على أن الجمهور العريض في إسرائيل لا يريد تفويت فرصة المبادرة العربية لكنه يعتقد أن هذه الحكومة غير قادرة على مواجهة التحدي. عندما ترتسم في الأفق فرصة تاريخية نادرة فإن ذلك يتطلب وجود قيادة ذات آفاق أخرى. وقد سبق لنا أن ذهبنا إلى انتخابات مبكرّة حتى بسبب قضايا أقل أهمية من هذه.

وكان أولمرت قد أعرب، خلال مقابلات أدلى بها عشية عيد الفصح العبري (بدأ يوم الثلاثاء 3/4/2007) وخصوصًا خلال المقابلة مع صحيفة "هآرتس" (نشرت يوم الجمعة 30/3/2007) التي ألمح إليها إلدار، عن موافقته على المشاركة في قمة إقليمية تدعم محادثات سلام مباشرة مع الفلسطينيين.

وقال أولمرت إنه سيكون مسرورا بالمشاركة في قمة كهذه ودعا إلى بدء محادثات مع السعودية ودول عربية "معتدلة" أخرى في أعقاب قرار القمة العربية في الرياض ومصادقتها مجددا على مبادرة السلام العربية، وامتدح ملك السعودية عبد الله.

كذلك امتدح أولمرت مبادرة السلام السعودية التي تم طرحها في العام 2002 على القمة العربية في بيروت لكنه تحفظ عليها بادعاء أنها أصبحت تتضمن بندا حول حق العودة للاجئين الفلسطينيين وذكرها لقرار الأمم المتحدة 194 بهذا الخصوص بعد تعديل المبادرة السعودية.

وقال أولمرت "لقد تعاطيت بشكل ايجابي مع المبادرة السعودية وهذا أمر لم يكن رؤساء وزراء قبلي مستعدين لقوله. ليس كل شيء (في المبادرة) مقبول فأنا لا أوافق على المبادرة ولست مستعدا للتوقيع على اتفاق غدا، (ومع ذلك) فهي تتضمن أفكارا مثيرة للاهتمام وأنا مستعد للجلوس مع السعوديين والاستماع إلى موقفهم وقول موقفنا".

واشترط إخلاء بؤر استيطانية عشوائية من الضفة الغربية فقط بعد أن يبدأ الفلسطينيون بمحاربة "الإرهاب" وذلك من دون الحديث عن إخلاء مستوطنات حتى تلك التي أقيمت في عمق الضفة.

وقال أولمرت في أعقاب اختتام أعمال القمة العربية إن "قمة الرياض هي أمر جدي ونحن لا نوهم أنفسنا، فمضمونها هام لكن ثمة أهمية أيضا للتعامل مع الأجواء ووضع التوجه ولدينا هنا عملية حددتها الحرب في لبنان ودفعت دولا عربية هامة في العالم العربي إلى البدء في فهم أن بين كافة مآسي الشرق الأوسط فإن إسرائيل ليست (المأساة) الأكبر".

وقال "أعتقد أنه في السنوات الخمس المقبلة يمكن التوصل إلى اتفاق سلام شامل مع الدول العربية والفلسطينيين فهذا هو الهدف والرؤيا ونبذل جهدا للتوصل إليهما".

واعتبر أنه يمكن التوصل إلى هذا السلام الشامل من خلال "الصبر والحكمة، فالفلسطينيون يقفون على مفترق طرق حسم تاريخي بين ما إذا أرادوا البقاء عالقين في ركن الأصولية المتطرفة الذي يعزلهم عن العالم كله وبين ما إذا كانوا مستعدين لتنفيذ الخطوات المطلوبة منهم، ومهمتي هي المساعدة في بناء هذه العملية".

وحول المبادرة السياسية الأميركية، التي كانت ستعرضها وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس والقاضية بإجراء مفاوضات منفردة مع إسرائيل والفلسطينيين حول قضايا الحل الدائم والتي رفضها أولمرت، ادعى هذا الأخير أنه "لم يكن هناك نقاش حقيقي بيننا وبين الأميركيين".

وأضاف "جرت مناقشات هامة جدا ومثمرة وفي المجمل قلنا إنه لا حاجة لتنفيذ تجاوز ويجب إرغام الفلسطينيين على تنفيذ التزاماتهم"، في إشارة إلى رفضه مفاوضات حول الحل الدائم والتمسك بخطة خريطة الطريق التي تنص مرحلتها الأولى على وجوب محاربة الفلسطينيين "للإرهاب" وهو ما يطالب به أولمرت الآن.

الجدير بالذكر أن المرحلة الأولى من خريطة الطريق تطالب إسرائيل، بالمقابل، بوقف التوسع الاستيطاني، لكن إسرائيل لا تلتزم بتعهدها بهذا الخصوص وتواصل توسيع المستوطنات وفقا لتقارير منظمات حقوقية وسلامية إسرائيلية.

وقال أولمرت إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس "التزم بعدم تشكيل الحكومة (الفلسطينية الجديدة) إذا لم يتم إطلاق سراح (الجندي الإسرائيلي الأسير في قطاع غزة) غلعاد شليط. وقد قال هذا لي ولكوندي رايس بحضوري ولأنجيلا ميركل (المستشارة الألمانية).. لا يمكن العمل هكذا في كل ما يتعلق بما يلتزمون به (الفلسطينيون) من وقف للإرهاب ومحاربته وكل هذه الأمور... كيف تصدقهم عندما لا يطبقون أي شيء".

وحذر أولمرت الفلسطينيين من "أنهم إذا لم ينقلبوا ويحاربوا الإرهاب وإذا لم ينفذوا التزاماتهم الأخرى فإنهم سيستمرون في العيش في فوضى لا متناهية".

وفي رده على سؤال حول عدم التقدم في المفاوضات على إطلاق سراح شليط ادعى أولمرت أن السبب هو أنه "اتضح أن أبو مازن (عباس) لا يمكنه الالتزام بتعهداته والشروط التي تعرضها حماس تنشئ فجوة لا يمكن جسرها في هذه المرحلة".

وقال إن التقارير التي تصدر عن الجانب العربي حول قرب إطلاق شليط "غايتها ممارسة ضغوط علينا وهي غير دقيقة للغاية".

من جهة أخرى قال أولمرت إنه لا يتوجب توقع إطلاق سراح القيادي الفلسطيني مروان البرغوثي في عملية تبادل أسرى مقابل شليط. كما قال إنه لا يعتقد بوجوب تنفيذ عملية عسكرية في قطاع غزة في الوقت الحالي كما يدعو الجيش الإسرائيلي.