نتائج مسح جديد: الكنيست السادس عشر الأكثر عنصرية تجاه الأقلية الفلسطينية

قام مركز "مدى الكرمل" (حيفا) بمسح لعمل الكنيست الـ 16 (2005-2003) من حيث تعامله مع الأقلية الفلسطينية في إسرائيل، وخاصة عملية التشريع التي تحمل في طياتها مسًّا مباشرًا، أو غير مباشر، بحقوق المواطنين العرب، وتساهم في قضم الحقوق السياسيّة والمدنيّة لهؤلاء المواطنين من جهة، ومتابعة عمل الأحزاب العربية في الكنيست من جهة أخرى.

ومن أبرز النتائج التي توصل إليها المسح ما يلي:

1- تزايد عملية التشريع العنصرية التي تمس بالأقلية العربية بشكل مباشر، كما ومضمونا.

2- شحة إمكانيات تأثير الأحزاب العربية على عملية التشريع. ضآلة إمكانية التشريع لدى الأحزاب العربية، وتنامي عدم شرعية عمل الأحزاب العربية في الكنيست.

3- تدخل الأجهزة الأمنية في صناعة وإقرار السياسات تجاه الأقلية العربية.

4- الكنيست الـ 16 كان الأكثر مساسا بالأقلية الفلسطينية منذ انتهاء الحكم العسكري.

وأظهر المسح أنّ نسبة ضئيلة، 2% فقط، من مشاريع القوانين التي قدّمتها الأحزاب العربيّة إلى طاولة الكنيست نَجَحَت في اجتياز كافة مراحل التشريع وتحوّلت إلى قوانين. الغالبيّة المطلقة لمشاريع القوانين لم تنجح في التحوّل إلى قوانين. وتمتاز غالبيّة تلك المشاريع بكونها تقع في:

1. مجال "المطالب" لتحسين جودة الحياة اليوميّة، وضمان تمثيل الشريحة العربيّة في مؤسسات الدولة، ولا تهدف لتحدّي نظام الحكم القائم.

2. مشاريع قوانين تأتي لتوفير حلول لمشاكل ملحّة وطارئة في أجندة الأقلية العربيّة في الدولة، والتي نتجت بالأساس عقب سياسات الحكومة.

3. جزء كبير من مشاريع القوانين لا يهدف لخدمة أو الاستجابة لاحتياجات الأقلية العربيّة في إسرائيل فقط. أهداف القوانين عامة وشاملة، وتساعد في حال المصادقة عليها شرائح سكانيّة غير عربيّة أيضًا.

أمّا الصعوبات التي واجهت أعضاء الكنيست العرب فلم تقتصر على الحدّ من إمكانيات ممارسة واجبهم بشكل كامل، ووضع العراقيل أمام المحاولات لتحصيل مطالب السكان العرب، بل طالت كذلك حقهم في التعبير عن موقف سياسي. ففي حال مشاركتهم في تصويت حول قرارات وخطط سياسيّة، ينظر العديد من أعضاء البرلمان اليهود إلى هذه الخطوة على أنّها غير شرعيّة. ويوضّح التصويت على خطة الانفصال عن غزّة هذا الوضع. وقد روفِقَت خطة الانفصال الإسرائيليّة عن غزّة بنداءات تطالب بعدم المصادقة على الخطة بفضل أصوات أعضاء كنيست عرب. في حال حصول ذلك، تعبِّرُ الغالبيّة اليهوديّة في الكنيست عن نقدها اللاذع وعدم رضاها.

في مقابل ذلك أقر الكنيست الـ 16 عددا من القوانين التي تمس بشكل مباشر بالمكانة القانونية والسياسية للمواطنين العرب (بالإضافة إلى عدد كبير من اقتراحات القوانين)، أبرزها:

1- قانون الجنسيّة والدّخول إلى إسرائيل (أمر مؤقّت، تعديل)، 2003، الذي يمنع لم شمل عائلات أحد الزوجين فيها هو من سكان المناطق المحتلة.

2- قانون المكوث غير القانونيّ (حظر المساعدة) (أمر مؤقّت) (تعديل رقم 8)، 2005.

3- قانون الأراضي العامة (طرد الغزاة) (تعديل)، 2005.

4- قانون تخليد ذكرى رحبعام زئيفي، 2005.

5- تعديل رقم 146 لقانون ضريبة الدخل، 2005.

بالإضافة إلى ذلك، كان هناك تغيير جوهري، ولعله الأخطر في السنوات الأخيرة، في تعامل الدولة مع الأقلية وإقرار السياسات تجاههم، وهو التدخل الفاضح والصريح للأجهزة الأمنية. فوظيفة مجلس الأمن القومي وجهاز الشاباك آخذة في الازدياد في تصميم السياسة تجاه الأقلية الفلسطينية في إسرائيل، بالإضافة إلى إحياء اللجنة الوزارية للشؤون العربية برئاسة رئيس الحكومة. ويتضح ذلك في عملية تدخل الشاباك في جهاز تعليم الأقلية الفلسطينية، وفي تصميم السياسة تجاه السكان البدو في النقب، واعتقال قيادات الحركة الإسلامية، وجهود مجلس الأمن القومي والشاباك فيما يتعلق بالمسألة الديمغرافية، وتعديل قانون الجنسية والدخول لإسرائيل.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، عندما صادقت الحكومة بتاريخ 15-5-2005 على التعديلات المُقترَحة في قانون الجنسية والدخول لإسرائيل، ارتكزت على تقرير أعدّه "مجلس الأمن القوميّ" بهذا الصدد وتمّ استعراضه في الجلسة. وقد كان مجلس الأمن القومي والشاباك من أبرز الهيئات التي دفعت إلى تغييرات التشريع في هذا المجال. وقد أعلن هذا المجلس عن الحاجة إلى الحفاظ على طابع إسرائيل كـ"دولة يُحقِّقُ فيها الشعب اليهوديّ حق تقرير المصير". كما أقرّ المجلس أنّه يجب التمييز بين منح الحقوق الفرديّة المتساوية للمواطنين، ومنح الحقوق القوميّة للأقليّات. وقال غيورا آيلاند (رئيس مجلس الأمن القوميّ) إن "قانون الجنسية هو الطريق للتغلّب على الخطر الديمغرافيّ".

وعندما أشغل إفرايم هليفي منصب رئيس مجلس الأمن القومي في العام 2003 (وكان شغل قبل ذلك منصب رئيس جهاز الموساد) اعترف في إحدى جلسات لجنة الخارجية والأمن في الكنيست (تموز 2003) بأن الحكومة أقامت لجنة وزارية خاصة برئاسة رئيس الحكومة أريئيل شارون، يشكل مجلس الأمن القومي طاقمها التنفيذي. وستقوم هذه اللجنة بمناقشة قضايا تتعلق بالوسط العربي في إسرائيل. وأشار هليفي إلى أن "السنتين القادمتين ستنطويان على أهمية كبرى بالنسبة للعرب في إسرائيل، حيث سيكون في الإمكان خلال هذه الفترة دراسة كيفية تعاملهم مع هويتهم".

وأكد مركز "مدى الكرمل"، تعقيبًا على نتائج هذا المسح، أنه من متابعة العمل البرلماني في إسرائيل (بالإضافة إلى السياسات والحكومات الإسرائيلية ومواقف المجتمع الإسرائيلي) يمكن القول إن إقصاء الأقليّة الفلسطينيّة عن عمليّة بلورة الأجندة والمصلحة العامتين في الدولة، والتعامل مع الأقلية على أنها تهديد للنظام القائم في الدولة كان وما زال أمرًا مقبولاً لدى غالبيّة السكان اليهود، ومغروساً في صميم الوعي الجماعيّ، ويدل على وجود منظومة ثقافيّة بنيويّة، ذات جذور متأصّلة وانعكاسات بعيدة المدى ترى في الأقلية العربية تهديدًا على الطابع اليهودي للدولة يتحتم عليها التعامل معه عاجلا أو آجلا، مما يشكل خطرا حقيقيا على مكانة ومستقبل الأقلية الفلسطينية.

كما يمكن الاستخلاص بأن محاولة الأقلية العربية توجيه مطالب إلى المؤسسات وتوفير احتياجاتها الأساسية مقيّدة ومشروطة بعدم المساس بصيغة النظام الحالي، وتقتصر في أفضل الأحوال على احتياجات معيشيّة ومطالب عينيّة. بعبارة أخرى، هناك دائمًا سقف محدّد لمطالب الأقلية الفلسطينية يفرضه النظام القائم ومجموعة الأغلبية، وليس بمقدور مجموعة الأقلية الفلسطينيّة تحقيق مصالحها.