خبير قضائي إسرائيلي لـ"المشهد الإسرائيلي":"لجنة فينوغراد" تعمل على إخفاء حقائق عن الجمهور

كتب بلال ضاهر:

أعلنت "لجنة فينوغراد" التي تحقق في أداء القيادتين السياسية والعسكرية الإسرائيلية أثناء حرب لبنان الثانية عن رفضها نشر محاضر جلساتها التي تتضمن إفادات رئيس الحكومة الإسرائيلي، ايهود أولمرت ووزير الدفاع، عمير بيرتس ورئيس هيئة أركان الجيش المستقيل، دان حالوتس، رغم أنها كانت قد تعهدت أمام المحكمة العليا الإسرائيلية بأنها ستنشر هذه الإفادات. وشددت اللجنة على أنها ستنشر إفادات المسؤولين الثلاثة بعد شهر، أي بعد أسبوعين من نشر تقريرها الأولي. وجاء إعلان "لجنة فينوغراد" أمام المحكمة العليا بتركيبة مؤلفة من خمسة قضاة ردا على التماس قدمته عضو الكنيست زهافا غالئون، من حزب ميرتس، والتي طالبت بنشر الإفادات فورا.

وأوضحت غالئون أمس الاثنين (16/4/2007) أن نشر الإفادات قبل نشر التقرير الأولي للجنة فينوغراد في نهاية شهر نيسان الحالي "سيتيح للجمهور فحص استنتاجات اللجنة وقبول هذه الاستنتاجات من خلال الوثوق بنزاهة اعتبارات اللجنة ودوافعها وبذلك يمكن ضمان ثقة الجمهور بعمل لجنة فينوغراد". وحذرت غالئون من أنه "إذا حصل الجمهور على تقرير نهائي يتضمن استنتاجات فحسب ومن دون أن تكون بحوزته معطيات يتمكن بواسطتها من تقييم الاستنتاجات فإن التقرير سيفقد أهميته الأخلاقية".

ويجري في إسرائيل نقاش، خصوصا من على صفحات الجرائد، بأن "لجنة فينوغراد" لن تكشف عن حقيقة ما جرى أثناء الحرب ودور القيادة السياسية خصوصا في اتخاذ القرارات. وهذا النقاش لا يجري بمعزل عن المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق رسمية في أداء القيادة الإسرائيلية.

من ناحيته شكك الخبير والمحلل القضائي الإسرائيلي البارز موشيه نغبي، في مقابلة خاصة مع "المشهد الإسرائيلي"، في قدرة "لجنة فينوغراد" على التوصل إلى الحقيقة وألمح متهما اللجنة بأنها تعمل على إخفاء حقائق عن الجمهور في وقت تتصاعد فيه أزمة الثقة بين اللجنة والمحكمة العليا.

من جهة أخرى تطرّق نغبي إلى قضية النائب العربي في الكنيست عزمي بشارة وفرض أمر منع نشر حول تفاصيلها. وكانت محكمة الصلح في مدينة بيتح تكفا قد سمحت أول من أمس الأحد فقط بنشر أن بشارة خضع للتحقيق في وحدة التحقيقات بالجرائم الدولية في الشرطة الإسرائيلية وبوجود أمر منع نشر على تفاصيل القضية. ومن جانبه أشار بشارة إلى أن سلطات الأمن الإسرائيلية توجه له "تهما ذات طابع أمني وخطير" من دون إعطاء تفاصيل أخرى ملتزما بذلك بأمر منع النشر.

(*) "المشهد الإسرائيلي": تتصاعد في هذه الأثناء أزمة ثقة بين المحكمة العليا الإسرائيلية و"لجنة فينوغراد" على خلفية معارضة اللجنة لنشر محاضر جلساتها التي تتضمن إفادات أولمرت وبيرتس وحالوتس. هل تشير هذه الأزمة إلى طبيعة اللجنة وربما عدم نيتها المس بالمسؤولين الإسرائيليين، وخصوصا أولمرت، الذي عينها؟

- نغبي: "لا أعرف، لكن ما أفهمه هو أن تصرف اللجنة يضرّ بمصداقيتها، ويضر بظهور الحقيقة لأن هناك شعورًا معينًا بأن اللجنة لا تريد أن يعرف الجمهور، عندما يطلع على التقرير الأولي، ما هي الإفادات التي استند إليها التقرير. وهذا الأمر يثير مشاعر صعبة جدا وهي أن اللجنة تخاف من عدم وجود تناسق بين التقرير الذي ستصدره والإفادات التي قيلت أمامها. ولذلك فإن اللجنة تعارض نشر الإفادات. من جهة أخرى، فإن نشر الإفادات كان سيدفع من يعتقد بأن قسما من أقوال المسؤولين في إفاداتهم ليس صحيحا للتوجه إلى اللجنة والقول إن لديهم شهادات تناقض إفادات رئيس الحكومة أو رئيس هيئة الأركان أو أي مسؤول آخر. وعندما تمنع اللجنة التوجه إليها قبل نشر التقرير فإن ذلك يثير شعورا بأن لديها رأيا لا تريد ملاءمته للواقع. وكل هذه الأمور تكرّس مشاعر عدم ارتياح كبير للغاية".

(*) هل تعتقد أن اللجنة تخشى من شيء ما؟ فقد أعلنت الشهر الماضي أنها ستنشر إفادات المسؤولين الثلاثة قبل الفصح اليهودي، أي كان يفترض نشر الإفادات قبل أسبوعين.

- نغبي: "لقد أعلنت اللجنة في شباط الماضي أنها ستفتح موقعا إلكترونيا على شبكة الانترنت لتنشر إفادات فيه. وبعد ذلك، في آذار الماضي، نشرت اللجنة ثلاث إفادات إحداها لبيريس (النائب الأول لرئيس الوزراء شمعون بيريس) وأعلنت عن عزمها نشر إفادات أولمرت وبيرتس وحالوتس قبل الفصح اليهودي. لكن الآن ليس واضحا ما الذي جرى فجأة. فاللجنة لم تدّع أمام المحكمة بأنها تريد المزيد من الوقت ولا أي شيء آخر. والأمر الوحيد الظاهر هو أن بيريس لم يكن راضيا من نشر إفادته. والآن لم يعد مهما ما إذا كانت اللجنة تريد إخفاء شيء أم لا، لأن الانطباع الحاصل الآن سيء للغاية ويتعلق بأمرين، الأول أن لديها ما تخفيه والأمر الثاني هو أنها تتعاون بشكل أو آخر مع رئيس الحكومة الذي يتوجب التحقيق ضده...".

(*) هذا ينطوي على تناقض مصالح.

- نغبي: "تماما. لأن كلا الأمرين يشير إلى أن الحقيقة لن تظهر ويؤكد على أنه كان من الواجب تشكيل لجنة تحقيق رسمية وليس لجنة فحص حكومية مثل لجنة فينوغراد".

(*) اعتقد البعض أن "لجنة فينوغراد" سوف تصدر تقريرا يكشف الحقائق ويشير إلى مسؤولية الحكومة عن شن حرب فاشلة على لبنان على غرار التقرير الذي أصدرته "لجنة زايلر"، وهي لجنة فحص حكومية أيضا، وأدى إلى حدوث عاصفة في سلك الشرطة واستقالة المفتش العام للشرطة. لماذا يوجد فرق بين اللجنتين؟

- نغبي: "أحد أهم الفروق بين لجنة فينوغراد ولجنة زايلر هو أن جلسات اللجنة الأخيرة كانت مفتوحة أمام الجمهور وتم نشر كل محاضر جلساتها وكان الصحافيون يحضرون هذه الجلسات وجرى نقاش في الصحف حول الإفادات أمامها، فيما جلسات لجنة فينوغراد كانت مغلقة أمام الجمهور".

(*) لماذا تمثل النيابة العامة لجنة فحص حكومية مثل "لجنة فينوغراد"؟

- نغبي: "أعتقد أن هذا أمر ينطوي على إشكالية كبيرة جدا. وأرى أنه في هذه الناحية يوجد أيضا تعارض مصالح، لأنه ليس معقولا أن تمثل النيابة العامة المحقق ومن يجري التحقيق معه في الوقت ذاته. وأمر آخر ليس معقولا في هذه المسألة هو أن تواصل النيابة العامة الدفاع عن لجنة فينوغراد بعد تصرفها بهذا الشكل ولا تلتزم بتعهدها أمام المحكمة وتحقيرها للمحكمة".

(*) من جهة أخرى فإن أداء الجهاز القضائي في إسرائيل يجري بشكل يثير الاستغراب في قضيتين. فمن جهة يريد الجهاز القضائي الكشف عن معلومات أمام الجمهور في قضية لجنة فينوغراد ومن جهة ثانية يصادق الجهاز القضائي على إخفاء معلومات عن الجمهور في "قضية النائب عزمي بشارة" من خلال رفض طلب إزالة أمر منع نشر معلومات حول تهم موجهة لبشارة.

- نغبي: "أولا أتفق معك على أن ثمة تناقضًا في هذه الناحية. لكن علينا أن نأخذ بالحسبان أننا لا نعرف تماما ماذا يوجد في قضية بشارة. وأنا عموما أعتقد أن هناك عددا من أوامر منع النشر أكثر مما يجب وغالبيتها ليس مبررا. ويمكن الاعتقاد بأن هذا ينسحب أيضا على قضية بشارة".

(*) هل التعامل في قضية بشارة ورفض إزالة أمر منع النشر سببه أن القضية تتعلق بنواح أمنية وبشخصية عربية ولهذا فإن الجهاز السلطوي يعمل بشكل مختلف، خصوصا أنه رافقت ذلك تصريحات لمسؤولي جهاز الشاباك بأن العرب يشكلون "تهديدا إستراتيجيا" على إسرائيل؟

- نغبي: "آمل أن يكون هذا التعامل ليس نابعا من كون القضية تتعلق بعربي، لكن من الجائز جدا أن يكون ما تقوله صحيحا. والمشكلة في أوامر منع النشر لا تتعلق بالعرب فحسب وإنما هي مشكلة تخص القضايا الأمنية عمومًا حتى لو كانت ترتبط بيهود، مثلما حصل في قضية طالي فحيمه وقضايا كثيرة أخرى. إنّ هذه الأوامر تميّز القضايا ذات الطابع الأمني. وبشأن تصريحات الشاباك بأن العرب يشكلون خطرا إستراتيجيا على إسرائيل فإني أراها تصريحات غير ديمقراطية".