ارتياح إسرائيلي لإفراغ "خطة جديدة" للسلام

من أسعد تلحمي:

أعربت أوساط في الحكومة الاسرائيلية عن ارتياح أركانها لنجاحهم في إفراغ خطة جديدة للسلام حاولت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس تسويقها في الأيام الأخيرة، من أي مضمون جدي بعد أن اصطدمت بمعارضة قوية من رئيس الحكومة ايهود اولمرت ووزيرة خارجيته تسيبي ليفني اللذين رفضا قطعاً الشروع في بحث صيغ جديدة تتيح البدء في مفاوضات التسوية الدائمة وفي محادثات حول «القضايا الجوهرية» الثلاث المفترض أن تتناولها مفاوضات هذه التسوية: الحدود، القدس، عودة اللاجئين.

وأعلنت رايس ان الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الاسرائيلي اولمرت وافقا على عقد اجتماعات منتظمة كل أسبوعين تبدأ في مناقشة خطوات يمكن ان تؤدي الى قيام دولة فلسطينية. وقالت في مؤتمر صحافي في القدس بعد يومين قامت خلالهما باتصالات مكوكية بين الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني: «الرئيس عباس ورئيس الوزراء اولمرت اتفقا على التخطيط للاجتماع معا كل اسبوعين». وذكرت ان المحادثات بين عباس واولمرت ستركز على القضايا الأمنية لكن أيضاً سيبدأ الطرفان بحث تطوير أفق سياسي يتماشى مع قيام دولة فلسطينية بموجب خريطة الطريق.

وناشدت رايس الدول العربية ان تمد يدها للدولة اليهودية بعد يوم واحد من موافقة الدول العربية على اعادة طرح مبادرة السلام العربية التي تعرض على اسرائيل تطبيع العلاقات مقابل انسحابها من كل الاراضي العربية التي احتلتها عام 1967. وأضافت: لم نصل بعد الى مفاوضات الوضع النهائي. هذه مناقشات أولية لبناء الثقة بين الطرفين.

وصرح اولمرت للصحافيين بأنه سيحافظ على اتصالات مستمرة مع عباس لكنه لم يحدد جدولاً زمنياً لذلك. وكان قد اعلن بعد تشكيل حكومة الوحدة الفلسطينية انه سيقصر المحادثات على القضايا الانسانية فقط.

ويبدو ان موافقة اولمرت على لقاء عباس كل اسبوعين هي لفتة لواشنطن التي تريد ان تثبت للدول العربية وحلفائها الاوروبيين انها تبذل جهدا لانهاء الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني.

وقالت رايس: «علينا ان ندرك ان تحقيق اهدافنا في صراع مستمر منذ عقود ساده انعدام الثقة وشهد الكثير من العنف والكثير من القتلى سيستغرق بعض الوقت». وذكرت ان دور الولايات المتحدة هو مساعدة عباس واولمرت على تخطي العقبات «وتطوير أفكار جديدة» لكنها لم تقدم أي تفاصيل. وقالت: «لقد فتحوا الابواب... ولم يغلقوها». وصرحت بأنها ستجتمع كل فترة مع اولمرت وعباس احيانا كل على حدة واحيانا معا بأي شكل يكون أكثر فعالية لتسريع التقدم.

وتحاول رايس اقناع الحكومات العربية باحياء خطة السلام التي صدق عليها العرب عام 2002 بإضافة ما وصفته بـ «الدبلوماسية النشطة»، وهو ما يفسر على انه اتصالات مبكرة مع اسرائيل. وقالت رايس: على الدول العربية ان تبدأ في مد يدها لاسرائيل حتى تطمئن اسرائيل ان مكانها في المنطقة سيكون أكثر أمناً لا أقل (أمن) بانهاء الاحتلال واقامة دولة فلسطينية.

وأشارت اوساط حكومية اسرائيلية إلى ارتياحها مما ورد في تصريحات رايس في مؤتمرها الصحافي وانكماش خطتها وحصرها في «خطوات لبناء الثقة» ولقاءات ثنائية دورية بين اولمرت وعباس، مضيفة إلى ذلك دعوة إلى الدول العربية، التي يبدأ قادتها مؤتمر قمتهم في الرياض، إلى «انفتاح حيال اسرائيل... لتظهر لإسرائيل بأنها قبلت بمكانها في الشرق الاوسط». كما أشارت بارتياح إلى قبول رايس بالموقف الإسرائيلي الرافض الخوض في الوقت الراهن في مفاوضات الحل النهائي للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.

وكانت رايس أرجأت المؤتمر الصحافي الذي خططت لعقده في أعقاب احتدام الجدل بينها وبين اولمرت في اجتماعهما الثاني الذي وصفته وسائل الإعلام العبرية «بالحاد والثاقب» أصر فيه رئيس الحكومة الإسرائيلية على رفضه الشروع في خطة سياسية جديدة تقفز عن «خريطة الطريق» الدولية التي أكد تمسكه بها، خصوصاً مرحلتها الأولى القاضية بقيام السلطة الفلسطينية بتفكيك الفصائل المسلحة ومحاربة الإرهاب والعنف، متجاهلاً الاستحقاقات الإسرائيلية الواردة في المرحلة ذاتها من وقف النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة وتفكيك عشرات البؤر الاستيطانية العشوائية التي أقيمت بعد آذار (مارس) 2001.

وقال مسؤول في مكتب اولمرت إن المفاوضات الملموسة بشأن اقامة دولة لن تكون في جدول الاعمال الآن. وأوضح المسؤول: «القضايا (التي ستشملها المحادثات) ستكون أمنية وانسانية والافق السياسي». وأضاف: «الافق السياسي لا يتعلق بأشياء محددة»، مستبعداً في ما يبدو أي مناقشات قريبة حول القضايا النهائية الرئيسية.

ولخص معلقون إسرائيليون نافذون زيارة رايس بالقول إن الجبل تمخض فولد فأراً مضيفين ان «الخطة السياسية الثورية» التي حملتها رايس في جعبتها مع وصولها «انكمشت جداً بفعل الموقف الموحد الذي أبداه اولمرت وليفني» خصوصاً بعد ان عوّلت رايس على تأييد من نظيرتها الإسرائيلية التي سبق أن لمحّت إلى موافقتها على تجاوز المرحلة الأولى من خريطة الطريق.

وكانت رايس اقترحت، وفقاً لمصادر إسرائيلية، أن تباشر واشنطن اتصالات منفردة مع كل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية حول إقامة الدولة الفلسطينية، إلا أن اولمرت رفض تدخل طرف ثالث في هذه الاتصالات كما رفض الخوض في «القضايا الثلاث» التي تحظى بإجماع صهيوني واسع، وهي رفض الانسحاب إلى حدود العام 1967 ورفض الانسحاب من القدس المحتلة ورفض عودة اللاجئين الفلسطينيين.

وأفادت «هآرتس» ان اولمرت سوغ رفضه الشروع في مفاوضات الحل الدائم بوجود حكومة فلسطينية ترفض الشروط الدولية للاعتراف بها وإلى ان الرئيس عباس «غير قادر على توفير البضاعة، بل هو ليس قادرا على إعادة دراجة هوائية سرقت من القدس إلى رام الله». ومرة أخرى تذرع اولمرت بأن قدرات الرئيس عباس على الايفاء بالتزاماته محدودة مثل إطلاق الجندي غلعاد شليط أو وقف قصف جنوب إسرائيل بقذائف القسام ووقف تهريب السلاح إلى قطاع غزة. وأبدى أولمرت استعداداً لمناقشة أمور «أقل حساسية»، مثل الترتيبات الأمنية للدولة الفلسطينية المستقبلية كما وردت في خريطة الطريق. كما ادعى ان البدء في مناقشة قضايا الحل الدائم من شأنه أن يفجر الأوضاع في المنطقة.

ولقيت مواقف اولمرت هذه التأييد من سائر أركان حكومته. وقال النائب الأول لرئيس الحكومة شمعون بيريس إن من حق الدول العربية المبادأة في طرح مبادرات سياسية لكن يجب أن تطرح هذه المبادرات على أنها مواقف أولية لا إملاءات. وأضاف ان إسرائيل مرتاحة للتطور في الموقف السعودي، لكننا ننتظر مزيدا من مثل هذا التطور. وكرر رفض إسرائيل عودة اللاجئين لأن ذلك معناه إقامة دولة فلسطينية فقط، عبر القضاء (ديموغرافياً) على الدولة العبرية.

ورحب بمواقف اولمرت أقطاب اليمين المتشدد وعلى رأسهم زعيم «ليكود» بنيامين نتنياهو. وأعلن هذا ان المبادرة العربية للسلام لا يمكن أن تقبلها إسرائيل لأن مناقشة ما يسمى حق العودة معناها مناقشة حق إسرائيل في الوجود وهذه المسألة ليست خاضعة للنقاش. وأضاف ان إسرائيل لن تسمح بعودة حتى لاجئ واحد وهذه الحقيقة يجب أن يدركها العالم العربي «وكل من يريد السلام معنا عليه أن يشطب موضوع اللاجئين». ورحب نواب اليمين بفشل رايس في الترويج لخطتها السياسية وقال النائب يوفال شتاينتس إنه يحق لإسرائيل أن تقول «لا» حتى لصديقتها الكبرى الولايات المتحدة في حال رأت أن الأمر لا يناسبها. من جهته اعتبر زعيم حزب «ميرتس» اليساري يوسي بيلين تصريحات رايس في المؤتمر الصافي فارغة نتيجة الموقف الرافض الذي تبناه اولمرت.

وخفف مراسل صحيفة «هآرتس» في واشنطن من وطأة الخلافات بين اولمرت ورايس. وقال إن هذه الخلافات تخدم تماماً الهدف الذي جاءت رايس من أجله إلى المنطقة وهو أن تثبت للعالم العربي ان واشنطن تبذل جهودا حقيقية لمعالجة القضية الفلسطينية. وأضاف ان العرب سيقتنعون بادعاء رايس وهم «يرون ويسمعون عن الخلافات العلنية في وجهات النظر بينها وبين اولمرت». وتابع ان ما يوصف بـ «خلافات» لا يخدم رايس فحسب إنما أيضاً اولمرت إذ يتيح له ذلك كبح هجوم يميني متوقع عليه في حال تبنى مواقف لا تنال إعجاب أقطابه.