الأزمة تستفحل: آلاف مستخدمي المجالس البلدية والقروية لا يتقاضون رواتبهم

كاد إضراب عام في المرافق العامة وكبرى الشركات أن يشل الحركة الاقتصادية في إسرائيل مؤخرًا، لولا تراجع الاتحاد العام للنقابات، الهستدروت، في اللحظة الأخيرة، بعد جلسة مفاوضات بين رئيس الهستدروت، عوفر عيني، ورئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، وعد فيها الأخير بطرح أزمة عدم دفع الرواتب في المجالس البلدية والقروية على الحكومة، والبحث عن حل لها.

وكان من المفترض أن يكون ذلك إضرابا خارجا عن المألوف، إذ تتضامن فيه كبرى النقابات وأقواها مع آلاف الموظفين والعاملين الذين هم بغالبيتهم الساحقة من العرب. وقبل ثلاثة أشهر تم تنفيذ إضراب ليوم واحد في جميع الموانئ البحرية احتجاجا على عدم تحويل الأموال لبلدية الناصرة العربية، الأمر الذي جعلها عاجزة عن دفع رواتب العاملين لديها.

إن أزمة عدم دفع الرواتب في المجالس البلدية والقروية تمتد على سنوات طوال، ولكنها لم تكن في أي مرّة بالحجم التي هي عليه في هذه المرحلة. ووفق إحصائيات الأسبوع الماضي، فإن 33 مجلسا بلديا وقرويا لم تدفع الرواتب من شهرين وحتى 25 شهرا، هذا عدا عن أن 61 مجلسا من أصل 252 مجلسا، لا تسدّد مستحقات العاملين لصناديق التقاعد والتوفيرات على اختلاف أنواعها، من شهرين وحتى أربع سنوات في عدد من الحالات.

ويتضح من السجل الأخير أنه من أصل 33 مجلسا هناك 31 مجلسا عربيا ومجلسان يهوديان، ولكن تأخير الرواتب فيهما لا يتعدى شهرين، في حين لدى العرب فإن غالبية المجالس تبلغ المتأخرات لديها أكثر من ثلاثة أشهر، وأكثرها في بلدية الطيبة في منطقة المثلث حيث لم يتقاض العاملون رواتبهم من 16 شهرا وحتى 25 شهرا، بمعنى أن هناك تفاوتا بين العاملين. وفي "المرتبة الثانية" يحل المجلس القروي عرابة في منطقة البطوف (شمالا) حيث لم يتقاض العاملون رواتبهم منذ 10 أشهر.

ويجري الحديث هنا عن آلاف المستخدمين، وعن ديون مباشرة لهم تقدر بملايين الدولارات، وبين الحين والآخر تنشر وسائل الإعلام المختلفة تقارير عما تفرزه هذه الظاهرة من مآس اجتماعية.

وبطبيعة الحال فإن كل واحد من هذه المجالس يعاني من عجز مالي ضخم، يصل إلى ملايين الدولارات، وفي بعض الحالات يصل إلى عشرات ملايين الدولارات، وهناك مجالس على حافة الإفلاس إن لم تكن واقعة فيه.

وتعاني المجالس البلدية والقروية العربية منذ قرابة 59 عاما من سياسة تمييز عنصري في كل ما يتعلق بتوزيع الميزانيات، إذ أن ما تصرفه الحكومة على الفرد العربي في هذه المجالس هو 50% مما تصرفه على المواطن اليهودي، وهذا كأفضل حال، علما أنه قد نجد في بعض المناطق أن الفجوة أكبر بكثير.

وهذه الفجوة تتزايد بطبيعة الحال عندما يجري الاحتساب الكلي لمداخيل المجالس البلدية، ففي حين أن معظم المجالس البلدية اليهودية تنعم من مداخيل ضريبية من المناطق الصناعية والمرافق الاقتصادية المختلفة، فإن مثل هذه المناطق معدومة في البلدات العربية.

وهذه سياسة مستمرة حتى يومنا هذا. ففي ميزانية العام الجاري 2007 رصدت الحكومة ميزانية 86ر2 مليار دولار للمشاريع التطويرية في البلدات المختلفة، وعلى الرغم من أن نسبة الفلسطينيين في إسرائيل هي 17%، إلا أن حصتهم من هذه الميزانية هي 4% فقط (115 مليون دولار)، كذلك هناك ما يسمى بهبات الموازنة، وحصة المجالس البلدية العربية تتراوح ما بين 33% إلى 45% مما تحصل عليه المجالس اليهودية.

فمثلا مدينة الناصرة هي كبرى المدن الفلسطينية في إسرائيل وتعتبر مدينة سياحية من الدرجة الأولى، ويبلغ عدد سكانها 73 ألفا، في حين يبلغ عد سكان مدينة نتسيرت عيليت المجاورة 45 ألف نسمة، ورغم ذلك فإن هبات الموازنة للناصرة هي حوالي 6 ملايين دولار، وفي نتسيرت عيليت قرابة 7 ملايين دولار.

ولا تفلت من هذا التمييز حتى القرى العربية الدرزية التي تفرض على أبنائها الخدمة الإجبارية في الجيش الإسرائيلي. فمثلا قرية يانوح- جت يبلغ عدد سكانها 5500 نسمة، وهو عدد مماثل للبلدة اليهودية المجاورة- شلومي، ومع ذلك فإن هبة الموازنة لبلدة شلومي هي 6ر3 مليون دولار، بينما لقرية يانوح- جت هي 66ر1 مليون دولار.

وتحاول السلطات الرسمية التذرع بقضية جباية الضرائب البلدية من المواطنين، حيث أن أدنى مستوياتها لدى العرب، ولكن لهذا الأمر هناك أسباب موضوعية، فكما تدل كافة التقارير الرسمية فإن العرب يقفون على رأس سلم البطالة والفقر، وفي حين أن نسبة البطالة في العام الماضي كانت 4ر8%، فإنها في البلدات العربية تتجاوز في الكثير من الحالات نسبة 15%.

وكذا الأمر بالنسبة للفقر، ففي حين أن نسبة الفقر العامة في إسرائيل هي 6ر20%، فإنها بين العرب تصل إلى 53%، وبين الأطفال العرب تصل إلى 60%، وهذا يخلق ظروفا معيشية صعبة تقف عثرة أمام قدرة الناس على تسديد الضرائب البلدية الباهظة.

أضف إلى هذا أن دراسة قامت بإعدادها لجنة رؤساء السلطات المحلية العربية (المجالس البلدية) سبق أن بينت أن نسبة الجباية في البلدات العربية من البيوت والمساكن ليست بعيدة عن نسبة الجباية في البلدات اليهودية، إلا أن ما يرفع نسبة الجباية في البلدات اليهودية هو وجود المرافق الاقتصادية والمناطق الصناعية، الغائبة عن البلدات العربية.

حتى الآن لا يلوح في الأفق أي حل جذري لهذه الظاهرة. وقبل سنوات فرضت الحكومة على مجمل الحكم المحلي في إسرائيل خططا تقشفية أدت إلى فصل آلاف المستخدمين، إلا أن هذه الخطط التقشفية التي فرضت بموجب السياسة الاقتصادية الهدامة التي اتبعها وزير المالية الأسبق بنيامين نتنياهو، لم تأت بأية نتيجة، لا بل إنها عمقت الأزمة في الحكم المحلي، التي تعد أحد أسباب استفحال ظاهرة عدم دفع الرواتب للموظفين.