الحرب على غزة مسألة وقت

حقق البيان، الذي أصدرته لجنة التحقيق في مجريات الحرب على لبنان (لجنة فينوغراد) حول نيتها تضمين تقريرها المرحلي الذي ستصدره بعد شهر، استنتاجات شخصية بشأن مسؤولية الذين قرروا شن الحرب على لبنان، رئيس الحكومة ايهود اولمرت ووزير الدفاع عمير بيرتس ورئيس هيئة أركان الجيش المستقيل الجنرال دان حالوتس، عكس ما أراد أعضاء اللجنة، وهو وضع حد لأنباء صحافية عن عدم نية اللجنة التطرق إلى استنتاجات شخصية. وتسبب البيان في دخول الساحة الحزبية العامة في دوامة مقترنة بسيل جارف من التقولات والتكهنات والتنبؤات أشبه بالتكهن بأرقام اليانصيب.

وتباينت التحليلات والاجتهادات لما سيتضمنه التقرير المرحلي، مثل هل التطرق إلى استنتاجات شخصية يعني بالضرورة تحميل اولمرت وبيرتس مسؤولية الفشل أو دعوتهما الصريحة إلى مغادرة موقعيهما. وإذا كان في نية اللجنة التوصل إلى استنتاجات كهذه، فما معنى إعلانها أنها لن تبعث برسائل تحذير إلى الثلاثة، وهي رسائل تمنح عناوينها حق طلب الاطلاع على الاستنتاجات قبل نشرها للتمكن من الرد عليها قانونيا؟

ويقر قادة الأحزاب والمعلقون، إزاء سيل من الأسئلة وعلامات الاستفهام، بأن من السابق لأوانه توقع ما سيحمله "اليوم التالي" لصدور التقرير، أو هل سيشكل حقا كرة ثلج متدحرجة، أم ينجح اولمرت في امتصاص الصدمات على غرار ما فعل في مواجهة النشاطات الاحتجاجية غداة وضعت الحرب أوزارها.

وثمة من يرى ان اولمرت سيواصل الجلوس على كرسيه حتى لو دعته لجنة فينوغراد إلى الاستقالة. فتوصيات اللجنة ليست ملزمة قانونيًا وعليه ليس لاولمرت ما يخشاه من ردة الفعل الشعبية بعد أن وصلت شعبيته إلى حضيض لم يعرفه أي من أسلافه.

واولمرت ليس اللاعب الوحيد على الساحة. فالأنظار تتجه إلى ما يخطط له زعيم الليكود، بنيامين نتنياهو، الذي يتصرف في الأشهر الأخيرة كرئيس للحكومة المقبلة ويشعر انه بات على مسافة مرمى عصا من أبواب المكتب الذي غادره العام 1999.

ويستند نتنياهو في سلوكه إلى استطلاعات الرأي التي توجته وحزبه للفوز في الانتخابات البرلمانية المقبلة، لكن تقديم موعد هذه الانتخابات متعلق بسائر الأحزاب التي تبدو غير متحمسة لانتخابات جديدة ولم يمض على الأخيرة عام واحد. ويدرك زعيم "الليكود" هذه الحقيقة فتضطره إلى السعي لإغراء عشرة نواب على الأقل من حزب "كديما" الحاكم ممن هجروا "الليكود" قبل أكثر من عام ليعودوا إليه معوّلا عليهم وعلى سائر أحزاب اليمين والمتدينين وحزب "المتقاعدين" لدعم ترشيحه لخلافة اولمرت من دون إجراء انتخابات جديدة. لكن هذا السيناريو يبدو غير قابل للتحقيق في ظل تعقيدات الساحة الحزبية، فضلاً عن أن نواب "كديما" الذين قد يحنّون للعودة إلى أحضان "الليكود" قد يفضلون قبل الانشقاق اختيار شخصية من حزبهم مثل وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، التي حلت أولى على لائحة أكثر الشخصيات التي تحظى بثقة الإسرائيليين، للحلول محل اولمرت.

وفيما سيواصل الجميع لعبة التكهن إلى حين صدور التقرير، لا يستبعد معلقون أن يحاول اولمرت، حتى ذلك الحين، عمل شيء ما للخروج من الشلل الذي يلفه وحكومته، مثل إطلاق مبادرة سياسية جريئة تحرف الأبصار عن ورطته في الحرب أو في قضايا الفساد، أو الخوض بجدية في مبادرة السلام العربية، أو إطلاق يد الجيش لشن هجوم عسكري واسع على قطاع غزة بدعوى وقف قذائف "القسام"، وهو ما تطالب به القيادة العسكرية منذ أشهر.

لكن فيما يُستبعد أن يجرؤ اولمرت على تحريك العملية السياسية عبر بوابة المبادرة العربية التي ترفضها بصيغتها الحالية غالبية الإسرائيليين، يبدو الخيار الثاني أقرب الى الواقع في دولة تتعطش لعمل عسكري خصوصاً بعد فشل الحرب على لبنان.

وفي هذا السياق أفاد المراسل السياسي في "يديعوت أحرونوت" المقرب من رئيس الحكومة، شمعون شيفر، ان ثمة شعوراً لدى أوساط قريبة من اولمرت بأن الحرب على غزة "مسألة وقت"، مشيراً إلى ان اولمرت "ذهل" من التقارير التي قدمها قادة الجيش أثناء جولته يوم 13/3/2007 قرب الحدود مع غزة حول تسلح "حماس" وحفر الأنفاق لتهريب السلاح فضلا عن التقارير الاستخبارية عن إيفاد مئات من عناصر الحركة إلى إيران للتدريب العسكري "ما يعزز الاعتقاد بأن الحرب المقبلة حتمية تنتظر فقط تحديد موعدها".

من ناحيته كتب أليكس فيشمان، المعلق العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أنه منذ 4 أشهر وإسرائيل تجلس على السياج وتقضم أظافرها وتعد صواريخ القسام وترى بعيون شاخصة قطاع غزة وهو يتسلح حتى الثمالة ويستعد للمواجهة. و"إذا لم ننزل عن السياج ونقوم بعملية ما- أمنية أو سياسية- فسنجد أنفسنا، مرغمين، في الحلبة أمام آلاف الجنود والدبابات والسيارات المدرعة"، على حدّ قوله.

وأضاف فيشمان: كل السيناريوهات تتحدث عن حرب في قطاع غزة. والجيش يستعد لأي احتمال. وبدا الأمر كما لو أنه قدر لا رادّ له، أي عملية متدحرجة لا يمكن التراجع عنها. وحول ذلك تحدث عمليًا رئيس جهاز الأمن العام (شاباك)، يوفال ديسكين، أمس (13/3/2007). فهو لم يأتِ لطرح معطيات حول التسليح وإنما للحثّ على ضرورة اتخاذ قرار والقيام بشيء ما، سياسي أو إحباطي، وإلا فسنتدهور نحو مواجهة واسعة لا يمكن التحكم فيها.

وختم: في جهاز الأمن يشعرون بأن القيادة السياسية باتت مسلمة بأن العملية العسكرية شبه حتمية. وبحسب توقع رئيس "شاباك" سيكون 200 ألف إسرائيلي منذ هذه السنة في دائرة تهديد الصواريخ من غزة. وقد أعدوا في قيادة الجبهة الداخلية خطة تبلغ كلفتها حوالي 1,5 مليار شيكل لتحصين البلدات التي تقع على بعد حتى مسافة 20 كم من القطاع، لكن لا يبدو أن أحدًا ينوي تخصيص الأموال لهذه الخطة.

(بمشاركة: أسعد تلحمي)