الوزيرة الإسرائيلية السابقة شولاميت ألوني لـ"المشهد": نتحوّل إلى عنصريين أيضًا

الهستيريا حول موضوع الديمغرافية هي هستيريا نفسية تهدف إلى التخويف من فناء إسرائيل * على عضو الكنيست عزمي بشارة أن يبدأ باتخاذ الحذر لأن لديّ انطباعًا بأن (الشاباك) يُعدّ ملفًا ضده * لو كنت عربية في إسرائيل لكنت سأتمرد أيضا. فأنا أحارب من أجل حصول كل إنسان على حقوقه

كتب بلال ضاهر:

عقد رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، خلال شهر آذار الماضي اجتماعا أمنيا مع مسؤولين في جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) وبينهم رئيس الجهاز، يوفال ديسكين، تم تخصيصه لبحث وضع العرب في إسرائيل.

واعتبر مسؤولو الشاباك، وفقا لما أفادت به صحيفة "معاريف"، أن المواطنين العرب في إسرائيل يشكلون "الخطر الإستراتيجي على المدى البعيد" من ناحية إسرائيل بادعاء أن التكاثر الطبيعي للعرب يهدد الطابع اليهودي لإسرائيل. كذلك أبدى المسؤولون في الشاباك تحسبا من مشاريع صاغتها مؤسسات عربية داخل إسرائيل تتعلق بحياة المواطنين العرب ومستقبلهم، مثل "التصور المستقبلي للفلسطينيين في إسرائيل" الذي أعدته لجنة المتابعة العليا وأكاديميون عرب و"الدستور الديمقراطي" الذي أعده مركز عدالة القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل. وتبين من المداولات أن الشاباك ينظر بارتياب إلى هذه المشاريع لكونها تطالب بأن تكون إسرائيل دولة جميع مواطنيها. كذلك أعرب الشاباك عن "قلقه" مما وصفه بـ"تماثل العرب في إسرائيل وتعاطفهم مع الفلسطينيين" وأيضا من تماثلهم "مع حزب الله".

حول مواقف جهاز الشاباك من الأقلية العربية في إسرائيل أجرى "المشهد الإسرائيلي" الحوار التالي مع عضو الكنيست والوزيرة الإسرائيلية السابقة من حزب "ميرتس"، شولاميت ألوني، المعروفة بسعيها من أجل حقوق الإنسان والتوصل إلى حل سلمي للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني.

(*) "المشهد الإسرائيلي": يدعي الشاباك أن العرب في إسرائيل يشكلون تهديدا إستراتيجيا على دولة إسرائيل. ما رأيك؟

- ألوني: "كل شيء نعتبره عندنا في إسرائيل تهديدا. دائما نحن ضحية في حين أننا في الواقع نجعل الآخرين ضحية. إن الأقوال في هذا الخصوص هي أقوال خطيرة للغاية، وتصبح خطيرة بشكل خاص عندما يطلقها مسؤولون في جهاز الشاباك. لو افترضنا أنهم يقولون إن العرب هم تهديد إستراتيجي لأننا نميّز ضدهم ولا نمنحهم الحقوق ولذلك هم يحاربون للحصول على حقوقهم، فإن هذا ادعاء معقول ويمكن تفهمه، رغم أن واجبنا يحتم علينا تصحيح الوضع ومنحهم حقوقا متساوية. وفي هذا الوضع، لو كنت عربية في إسرائيل لكنت سأتمرد أيضا. فأنا أحارب من أجل حصول كل إنسان على حقوقه. ولو افترضنا أن الشاباك قال للحكومة إن العرب هم تهديد إستراتيجي والحكومة قالت إن هذا صحيح وعلينا تصحيح الوضع، فهذا أيضًا مقبول. لكن ليس هذا هو ما يحدث وإنما الحكومة تبحث عن طريق للمس بمواطنيها العرب. وهذا أمر خطير للغاية برأيي لأنه لم يتم منح العرب حقوق متساوية ولأن الشاباك ما زال يقرر في تعيين مديرين ومعلمين في المدارس العربية وفي المناهج الدراسية، وهذا خطر لأن الشاباك قال أحد أخطر الأقوال التي يمكن إطلاقها في مجتمع ديمقراطي وهو أنه سيعالج أمر المواطنين العرب حتى إذا سعوا لإجراء تغييرات في الدولة بموجب القانون. وهذا يعني أنه مسموح لي، كيهودية، أن أسعى لتغييرات في الدولة لكن يحظر على المواطن العربي القيام بذلك، رغم أنه مظلوم ويفتقر للحقوق وسُلبت أرضه، وفوق كل هذا لا يملك الحق في استخدام القانون للدفاع عن ما يحتاجه أو المطالبة باحتياجاته. لذلك فإنني أرى أن أقوال الشاباك تشكل خطرا على الديمقراطية وهذا في حال أن إسرائيل هي دولة ديمقراطية. أنا لا أؤمن بنظام يدعي الديمقراطية لكنه في الواقع نظام إثنوقراطي. فالقانون عندنا يقول إن دولة إسرائيل هي دولة يهودية، ومن جهة أخرى لا توجد مساواة في القانون. إذن هذه ليست دولة ديمقراطية".

(*) هذا يعني أن يهودية الدولة أهم بكثير من النظام الديمقراطي؟

- ألوني: "هذا يقول إن هذه دولة فيها نظام ديمقراطي لليهود فقط. فهي دولة يهودية ديمقراطية من دون إضافة جملة: دولة جميع مواطنيها. وفي وثيقة إعلان استقلال إسرائيل جاء بشكل واضح أن دولة إسرائيل تكفل مساواة كاملة في الحقوق لجميع مواطنيها دون فرق في الأصل والعرق والدين والجنس. وهناك أيضا قانون أساس: حقوق الإنسان وكرامته. وقد سعيت أنا شخصيا لأن يتضمن تذكيرا بوثيقة إعلان استقلال إسرائيل. لكن الحكومة والشاباك يتجاهلان هذا".

(*) هل هذه هي المرة الأولى التي يصرح فيها الشاباك بشكل علني بأن الأقلية العربية في إسرائيل هي "تهديد إستراتيجي"؟

- ألوني: "هذه هي المرة الأولى التي يصرّح فيها بشكل علني، وهو يأسف على ذلك بالتأكيد، لأنه يريد تنفيذ نشاطاته في الظلمة. لكن هل هذه هي المرة الأولى التي يتصرف فيها الشاباك على هذا النحو؟ لا. فهذه ممارساته طوال الوقت... منذ قيام إسرائيل قبل 60 عاما. ستون عاما وهو يتعامل بهذا الشكل مع الجمهور العربي. وحقيقة هي أننا نكرر (زعمنا) بأن هذه دولة ديمقراطية وأنت ترى مساحة الأراضي التي بقيت بأيدي سخنين ومساحة الأراضي التي تم منحها لمجلس سيغيف (من الأراضي العربية المصادرة من سخنين والقرى العربية المحيطة بها). وقارن أيضا بين الناصرة القديمة ورقعة الأرض الضيقة التي بحوزتها وبين الناصرة الجديدة (مدينة نتسيرت عيليت التي أقيمت على أراض مصادرة من سكان الناصرة). وإذا أخذتم المعطيات في هذه الناحية فسترون أن ما يحدث هنا هو سلب وحصار. هل هناك مساواة في الحقوق بين طلاب الجامعات اليهود والعرب أو في شروط الإسكان؟. حتى الدروز الذين يقولون إنهم "إخوة في السلاح" لا يتمتعون بالحقوق ذاتها التي يحصل عليها جندي يهودي بعد تسريحه من الخدمة. هذا الوضع يؤلمني لأني أردت أن تكون إسرائيل دولة ديمقراطية ومتنورة ودولة جميع مواطنيها، وكان أملي بأن تكون إسرائيل مثل جميع الدول الديمقراطية الغربية حيث يحصل اليهود هناك على حقوقهم بشكل متساو وعلى إدارة ذاتية في الناحية الثقافية والدينية إذا أرادوا ذلك. لكن نحن نتحول إلى قومويين أكثر فأكثر، ولا يريحني قول ذلك لكننا نتحول إلى عنصريين أيضا. فهذه دولة تضم حكومتها حزبين يناديان بتهجير العرب".

بشارة بالنسبة لهم هو مثل "شوكة في الحلق"!

(*) لقد أرادت المؤسسة الحاكمة في إسرائيل، بما في ذلك الشاباك طبعا، أقلية عربية موالية ومخلصة للدولة، حتى أن الباحث الإسرائيلي هيلل كوهين يقول في كتابه "عرب جيدون" إنه كانت هناك محاولات لاجتذاب العرب إلى الأسرلة ولأن يتخلوا عن هويتهم القومية...

- ألوني: "أنا أؤيد الأسرلة. وأعتقد أنه كانت هناك فترة أراد فيها الشباب العرب أن يكونوا إسرائيليين. لكن هذا لم يسرّ الشاباك بل على العكس فهو أراد عربا متعاونين. ولذلك فإن الشاباك عيّن مديري مدارس غير مؤهلين ولا يفهمون شيئا في التعليم فقط من أجل أن يخدموه. الشاباك أراد عربا خنوعين. أما الأسرلة فهي تعني مساواة في الحقوق.

"وبالمناسبة، على عضو الكنيست عزمي بشارة أن يبدأ باتخاذ الحذر لأن لديّ انطباعا بأن (الشاباك) يُعدّ ملفا ضده. وأقترح عليه أن يحاذر، لأنه لا يوجد شخص لا يمكن حياكة ملف ضده. وقد قالوا لي شيئًا مشابهًا عندما أرادوا كمّ فمي، فقد حذروني وأوضحوا لي أنه ليس هناك أحد لا يمكن حياكة ملف ضده. وعزمي بشارة بالنسبة لهم هو مثل شوكة في الحلق".

(*) المثير في أقوال مسؤولي الشاباك هذه المرة أنهم يتحدثون عن أن العرب هم "تهديد إستراتيجي" من منطلق أنهم "خطر ديمغرافي". وهذا خطير أكثر من القول إن العرب يسعون لتغيير الطابع اليهودي لدولة إسرائيل بأساليب قانونية. ما رأيك؟

- ألوني: "في مرحلة معينة، ومن أجل شرعنة العنصرية والترانسفير، بدؤوا بإدخال الجمهور الإسرائيلي في هستيريا من خلال الحديث عن القضية الديمغرافية. وهذا يؤثر على اليهود بشكل غير طبيعي لأنه ضالع في ذلك علماء وخبراء في الإحصائيات بدؤوا يتحدثون عن كيف سيكون الوضع في العام 2020 وأن علينا الآن الاهتمام ببقاء إسرائيل. وكل الحديث عن الديمغرافية يثير الغضب من عدة نواح. أولا، هذا يمنح غطاء لجميع العنصريين والترانسفيريين. ثانيا، في كل مكان فيه فقر توجد نسبة ولادة مرتفعة. فهل اهتمت دولة إسرائيل بتصنيع البلدات العربية وبتوفير أماكن عمل للنساء، هل عدد الأولاد العرب في الأماكن المتمدنة أعلى من عدد الأولاد اليهود، ألا يوجد بتاتا انخفاض في نسبة الولادة؟. كل الهستيريا حول موضوع الديمغرافية هي هستيريا نفسية تهدف إلى التخويف من فناء إسرائيل. وهكذا فإننا أيضا نهاجم اليهود في العالم، وكأننا أوصياء عليهم، ليتوقفوا عن الزواج المختلط مع غير اليهود. فنحن نريد تهويد أزواج اليهود في هذه الزيجات المختلطة وهذا ينطوي على عنصرية. وفي الخلاصة فإن مسألة الديمغرافية هنا هي عملية غسيل دماغ الجمهور من أجل تجنيده ضد المواطنين العرب. وليس لدي أي تفسير آخر لذلك".

(*) ما الذي يجب أن يثير مخاوف العرب في هذا السياق على ضوء أقوال الشاباك؟ هل عليهم الخوف من التهجير أم من مخططات كالتي يطرحها نائب رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزير الشؤون الإستراتيجية، أفيغدور ليبرمان، الذي يدعو إلى سلخ البلدات العربية عن دولة إسرائيل؟

- ألوني: "ليبرمان هو عضو في الحكومة، لكن لو كان هناك قانون ديمقراطي لتوجب زجّه في السجن. وكذلك بالنسبة لعضو الكنيست بيني ألون (اليميني المتطرف)، الذي قال لي مرة بصراحة متناهية إنه سيسعى إلى جعل حياة العرب في البلاد لا تطاق حتى يقوموا هم بتهجير أنفسهم بأنفسهم. ما أحاول قوله هو أن على الجمهور العربي إجراء حوارات مفتوحة، وبأسرع وقت ممكن، مع الأكاديمية واليسار في إسرائيل حول جوهر الديمقراطية في إسرائيل. فلا يمكن أن يستمر الوضع الحالي. اليهود الذين لوحقوا في العالم طوال ألفي عام يظهرون الآن كمجموعة قومية عنصرية وليس ضد العرب فحسب وإنما أيضا ضد عائلات مختلطة جاءت من الاتحاد السوفييتي السابق. وينعتونهم بصفة "أغيار" لأنهم لم يمروا في عملية التهويد البشعة".

(*) حذر الشاباك أيضا مما وصفه "ابتعاد العرب عن الدولة" ومن أن العرب يعربون عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني. هل يعتقد المسؤولون الإسرائيليون حقا بأن العرب سيؤيدون سياسة الاحتلال الإسرائيلية أم أن مثل هذه التحذيرات هي أداة لتخويف العرب؟

- ألوني: "في هذه الدولة يتصرفون بشكل لا يقدر عقلي على إدراكه. لكن في التوراة هناك قول يشير إلى أن العبد عندما يصبح ملكا يكون شريرا ويفتك بالضعفاء. وأنا أقصد هنا أبناء شعبي الذين أصبحوا يحتلون شعبا آخر هو الفلسطينيون. لماذا نطالب دائما اليهود في العالم بالوقوف إلى جانب إسرائيل. وأنا أتساءل، ربما يهود أميركا يخونون الولايات المتحدة لأنهم يهتمون كثيرا بإسرائيل وربما اليهود في فرنسا يخونون فرنسا؟. من جهة أخرى هناك الرابط بين أبناء الشعب الواحد وهناك المواطنة. والمواطن في دولة معينة عليه الالتزام بقوانين دولته، لكن رغم ذلك هناك روابط أخرى تتعلق بالثقافة والدين. وهذه الروابط لا تعني انتقال يهود فرنسا للعيش في إسرائيل أو انتقال العرب في إسرائيل للعيش في دولة فلسطينية. لكن هناك جهات في المؤسسة الإسرائيلية تؤيد انتقال العرب في إسرائيل إلى الأراضي الفلسطينية، أي تهجيرهم. إنهم يريدون تكريس وجود المجتمع الإثنوقراطي هنا".