زلزال يزعزع الشرطة الإسرائيلية على خلفية علاقات ضباط كبار مع مجرمين من العالم السفلي

كتب بلال ضاهر:

أعلن وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي آفي ديختر، أول من أمس الأحد (18/2/2007)، عن تعيين مفوّض مصلحة السجون الإسرائيلية، يعقوب غانوت، مفتشا عاما للشرطة بعد استقالة المفتش العام الحالي للشرطة، موشيه كرادي، في أعقاب نشر تقرير لجنة تقصي حقائق رسمية في أداء الشرطة الإسرائيلية. وكان كرادي قد أعلن، الأحد، عن استقالته من منصبه في مؤتمر صحافي استبق المؤتمر الصحافي الذي عقده ديختر.

وقال ديختر إنه ابلغ مؤخرا كرادي بعدم وجود نية لديه بتمديد فترة ولايته، التي تنتهي في شهر آب/ أغسطس المقبل، لافتا إلى أنه تريث في إجراء هذه التعديلات في سلك الشرطة إلى حين صدور تقرير لجنة التحقيق في قضايا فساد في قيادة الشرطة برئاسة القاضي المتقاعد فاردي زايلر.

وأعلن أيضا عن إقالة نائب المفتش العام للشرطة، بيني كانياك وتعيين مندوب الشرطة الإسرائيلية في الولايات المتحدة، ميكي ليفي، مكانه.

وقال ديختر، وهو رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (شاباك) السابق، إنه "من أجل تنفيذ السياسة بشكل فعلي فإنني ملزم بوضع قيادة جديدة على رأس التنظيم" في إشارة إلى جهاز الشرطة "وقد نضجت الظروف والواجب للخروج في طريق جديدة". ورغم الانتقادات الشديدة التي وجهتها "لجنة زايلر" لكرادي إلا أن ديختر قال إن "تقديري الكبير لكرادي لم يقل، وسلم القيم الذي تمسك به (كرادي) إنما عزز تقديري له".

وأعلن كرادي في مؤتمر صحافي في مقر الشرطة الإسرائيلية في القدس "لقد قررت إنهاء مهامي وسأقدم استقالتي في الموعد الذي تقرره حكومة إسرائيل". وقال إنه "من دون علاقة بتحفظي على أجزاء في تقرير اللجنة فإنني أعتقد أنه يحظر علينا تجاهل تقرير لجنة فحص (تحقيق) رسمية{...} وقررت إنهاء مهامي في منصب المفتش العام لشرطة إسرائيل".

وكان رئيس "لجنة زايلر" قد أوصى بإلغاء تعيين موشيه كرادي مفتشا عاما للشرطة رغم أنه سينهي مهامه في المنصب خلال أشهر. وقال كرادي إن نتائج تقرير "لجنة زايلر" قد فاجأته لكنه رفض التعقيب عليها بشكل فوري، على ضوء موافقته على ترقية ضابط الشرطة يورام ليفي رغم علمه إنه ضالع في علاقات مع أشخاص في العالم السفلي.

"لجنة زايلر"

وكانت الحكومة الإسرائيلية شكلت "لجنة زايلر" في كانون الأول/ ديسمبر 2005 للتحقيق في علاقة ضابط الشرطة يورام ليفي مع عائلة فيرنيان، التي تقود منظمة إجرامية في إسرائيل، وفي ضلوع قيادة الشرطة والنيابة العامة في ترقية الضباط، ولفحص إخفاقات الشرطة والنيابة العامة في قضية العائلة المذكورة واستئجار خدمات الشرطي تساحي بن أور ليكون قاتلا مأجورا في خدمتها. وقد تم قتل بن أور لاحقا.

ووجهت لجنة التحقيق قبل تسعة أشهر رسائل تحذير إلى مسؤولين في الشرطة والنيابة ما اضطر الأخيرين إلى الظهور أمام اللجنة برفقة محاميهم.

وأوصى زايلر، في تقريره الذي نشر يوم الأحد، بإقالة كرادي فورا من منصبه، فيما أوصى عضوا لجنة التحقيق الآخران، ضابط الشرطة السابق عوزي بيرغر والمسؤولة السابقة في النيابة العامة نوريت شينيت، بعدم تمديد فترة تولي كرادي للمنصب والتي ستنتهي في شهر آب/أغسطس المقبل.

وكتب زايلر أنه قرر التوصية بإقالة كرادي فوراً "من أجل إبراز توجه حاد مفاده أن من كان أداؤه مثل أداء كرادي لا يمكنه مواصلة مهامه كمفتش عام للشرطة". وأضاف أن ديختر هو من يقرر موعد إنهاء مهام كرادي "مع الأخذ بالحسبان الفترة القصيرة المتبقية لنهاية ولايته".

وقررت "لجنة زايلر" أن كرادي، الذي كان قائد الشرطة في منطقة جنوب إسرائيل، كان على علم بعلاقة ضابط الشرطة روبي غلبواع مع أحد أفراد عائلة فيرنيان "لكنه لم يأبه بهذه العلاقة ولم يهتم بمراقبة وكشف هذه العلاقة التي تتعدى الأصول".

أضافت اللجنة أن كرادي تجاهل، لدى مصادقته على ترقية ضابط الشرطة يورام ليفي، علاقة هذا الأخير مع عائلة فيرنيان، وأدخل إلى هيئة في قيادة الشرطة يشكل وجوده فيها خطرا على عمل الشرطة في مواجهة الجريمة المنظمة.

كذلك وجهت اللجنة تهما ضد قائد الشرطة في منطقة القدس، إيلان فرانكو، مشابهة للتهم ضد كرادي. وأوصت بعدم ترقيته لمنصب مفتش عام للشرطة.

كما أوصت أيضا بإقالة الضابطين يورام ليفي وروبي غلبواع على أثر علاقتهما مع عائلة فيرنيان وأيضا على أثر إدلائهما بإفادات أمام لجنة التحقيق تبين لاحقا أنها كانت "إفادات كاذبة". وطالبت بدراسة إمكانية خفض رتبتيهما.

ووصفت وسائل الإعلام الإسرائيلية تقرير اللجنة بـ"الهزة الأرضية" التي زعزعت الشرطة وشبهتها بقضية "الحافلة رقم 300" التي تناولت مقتل فلسطينيين على أيدي أفراد الشاباك بعد اعتقالهما وهما على قيد الحياة، خلال عملية اختطاف حافلة ركاب في وسط إسرائيل.

وعمل ديختر في الأشهر الأخيرة على إيجاد شخص مناسب لتعيينه مفتشا عاما للشرطة خلفا لكرادي. وقالت وسائل إعلام إسرائيلية إنه توجه بهذا الخصوص إلى عدد من ضباط الجيش برتبة لواء أبرزهم عضو الكنيست السابق والمرشح لرئاسة الحكومة عن حزب "العمل"، عمرام متسناع. لكن ديختر تراجع عن تعيين ضابط في الجيش مفتشا عاما للشرطة وأعلن عن تعيين غانوت. وتعرض ديختر لانتقادات شديدة بسبب إقالة نائب كرادي بيني كانياك، رغم أن "لجنة زايلر" لم تتعرض له لا من قريب ولا من بعيد.

استهجان تعيين يعقوب غانوت مفتشا عاما للشرطة

من جانبها قالت عضو الكنيست زهافا غالئون من حزب ميرتس، في مقابلة خاصة لـ"المشهد الإسرائيلي"، تعقيبا على تقرير "لجنة زايلر"، إن "هذه القضية مثل غيرها من قضايا الفساد تعكس الاستهتار بسلطة القانون، وهذا أمر خطير للغاية عندما يحدث في مؤسسة مثل الشرطة. وقد قالت لجنة زايلر أمورا واضحة للغاية ووجهت انتقادات شديدة للمفتش العام للشرطة بخصوص تعيين قائد وحدة خاصة في الشرطة في منطقة الجنوب، وأقصد ضابط الشرطة يورام ليفي. ولكن بعد أن أدرك وزير الأمن الداخلي (ديختر) أن المفتش العام كرادي لا يمكنه الاستمرار في مزاولة مهامه بعد الانتقادات الشديدة من جانب لجنة زايلر، وفقط بعد كل ذلك يقوم ديختر بتعيين يعقوب غانوت. هذا أمر مستهجن. ورغم أني أعتقد أن غانوت هو رجل جيد ولديه ماض جيد في إدارة مؤسسات كبيرة، لكن في اللحظة التي تحوم فوقه شبهات فساد فإنه لم يكن يتوجب تعيينه. وأرى أن هذا هو فشل قيمي وأخلاقي لوزير الأمن الداخلي. لقد أصلح ديختر الغبن بغبن آخر وتعيين غانوت مفتشا عاما للشرطة هو غبن بحق سلطة القانون".

(*) "المشهد الإسرائيلي": دلّت تحقيقات عسكرية بعد حرب لبنان الثانية على أن رئيس هيئة الأركان السابق دان حالوتس فشل في قيادة الجيش أثناء الحرب. والآن وجدت "لجنة زايلر" أن كرادي ليس مناسبا لقيادة الشرطة. اللافت هو أن كليهما عينهما رئيس الحكومة السابق أرييل شارون. إلى ماذا يشير هذا الوضع؟

- غالئون: "تعيين هذين الشخصين بدا في حينه وكأنه تعيين مناسب. ويظهر الآن أنهما ليسا جيدين بشكل كافي. لكن مشكلتي ليست مع التعيينات في المستوى التنفيذي، الذي لدي انتقادات عليه، وإنما المشكلة الكبرى تكمن أولا وقبل كل شيء في المستوى السياسي. فقد توجب على رئيس الحكومة (إيهود أولمرت) ووزير الدفاع (عمير بيرتس) أن يستقيلا بعد حرب لبنان، لأنهما اتخذا القرار بشن الحرب. ولا شك أنه كانت هناك تعيينات فاسدة نفذها شارون مستغلا الدعم الشعبي الواسع".

(*) طالب العديد من السياسيين الإسرائيليين، بعد صدور تقرير "لجنة زايلر"، بـ"تفكيك الشرطة وبنائها من جديد". هل هذا الطلب يعكس الوضع داخل الشرطة بأنها فاسدة؟

- غالئون: "أعتقد أن هذه مطالبة تفتقر إلى المسؤولية. لا يتوجب تفكيك الشرطة. ولا أعتقد أن هذه المطالبة تعكس الوضع داخل الشرطة. ففي سلك الشرطة يوجد 28 ألف شرطي وأعتقد أن قرابة 100% منهم هم أشخاص جيدون ويقومون بعمل صعب. وإذا كانت هناك تفاحات فاسدة...".

(*) لكن هؤلاء في قيادة الشرطة؟

- غالئون: "إذن يجب تعزيز تنظيم الشرطة والعمل على تنفيذ ذلك بجدية. وأنا لا أخاف قطع الرؤوس وإقالة مسؤولين، لكن لا يتوجب تفكيك الشرطة كلها. كان بإمكان ديختر أن يختار ضابطا كبيرا ومتقاعدا لتعيينه مفتشا عاما".

(*) هناك أحاديث حول رغبة أولمرت في تعيين ضابط الشرطة ميكي ليفي مفتشا عاما لأنه مقرب منه. هل هناك ثقافة تعيين مقربين في مناصب رفيعة في إسرائيل؟

- غالئون: "نعم هناك ثقافة تعيين مقربين. وهذا لا يبدو حسنا إذا كان هناك مسؤولون يعتقدون أنه يمكنهم تعيين مقربين لكي يحموهم". وتشير غالئون هنا إلى تحقيقات الشرطة والنيابة العامة في قضايا فساد يشتبه بضلوع أولمرت فيها.

(*) كيف تفسرين الوضع الحالي في إسرائيل حيث الجيش والشرطة بحاجة إلى عملية إعادة تنظيم؟

- غالئون: "هذه فترة سيئة وأعتقد أن من يتوجب أن ينصرف يجب أن ينصرف وعلى من يبقى أن ينفذ الإصلاحات والتصحيحات وتنظيف الحظائر".

(*) لماذا يتم تنفيذ توصيات "لجنة زايلر" ولا يتم تنفيذ توصيات "لجنة أور" التي حققت في أحداث هبة أكتوبر في العام 2000 وفي مقتل 13 مواطنا عربيا برصاص الشرطة الإسرائيلية؟

- غالئون: "هذا يدل على تعامل مختلف وتمييز في كل ما يتعلق بالتعامل مع اليهود والعرب. وعندما تتعلق الأمور بالعرب فإنه يصبح بالإمكان قتل 13 مواطنا ويمكن كتابة تقارير والتوصيات تموت ويتم وضعها على الرف. لكن عندما يتعلق الأمر باليهود فإن الجميع يتحمس. إسرائيل هي دولة تميز ضد العرب وتخرق مبدأ المساواة في الحقوق وتتعامل بشكل مختلف مع اليهود ومع العرب".