المحلل السياسي عكيفا إلدار: استقالة حالوتس تعني زيادة الضغط على أولمرت وبيرتس

* "على حد ما أعرفه فإن عمل "لجنة فينوغراد" والتوصيات التي ستصدر عنها لن تكون في صالح أولمرت" * فرصة أولمرت للخلاص من ضائقته تكمن في عملية سياسية * القول إن الإدارة الأميركية ترفض أن تجري إسرائيل مفاوضات مع سورية هو مجرّد ذريعة *

كتب بلال ضاهر:

رغم أن استقالة رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، الجنرال دان حالوتس، كانت مطلبا في إسرائيل منذ أن وضعت حرب لبنان الثانية أوزارها في أواسط شهر آب الماضي، إلا أن استقالته الفعلية الأسبوع الماضي اعتبرت زلزالا هزّ أركان إسرائيل.

فقد أكدت استقالة حالوتس الاعتراف الإسرائيلي الرسمي بالفشل العسكري في حرب لبنان. ورغم القتل والدمار الواسعين فإن إسرائيل في الحقيقة فشلت في كل عملياتها العسكرية في لبنان وفي فلسطين أيضا. وبغض النظر عن النقاش الفلسطيني الداخلي حول تأييد أو معارضة إطلاق صواريخ القسام من قطاع غزة باتجاه جنوب إسرائيل، فإن إسرائيل لم تتمكن من وقف إطلاق هذه الصواريخ رغم العمليات العسكرية الدموية التي نفذتها العام الماضي في القطاع. كما أن إسرائيل وجيشها لم تتمكن من قمع المقاومة الفلسطينية للاحتلال في الضفة الغربية.

لكن حرب لبنان الثانية كانت السبب المباشر لاستقالة حالوتس، لأنها كانت العامل الرئيسي للهزة الأرضية الكبيرة التي عصفت بإسرائيل وجيشها. فمنذ انتهاء حرب لبنان وحتى استقالة حالوتس أجرى الجيش الإسرائيلي أكثر من 50 تحقيقا في أداء الجيش بكافة شعبه وفروعه وأسلحته، أكدت جميعها على أن خللا حدث في أدائه خلال الحرب. كذلك فإنه منذ اليوم الأول بعد الحرب تعالت أصوات "حركات الاحتجاج" الصغيرة في إسرائيل التي طالبت قادة إسرائيل السياسيين والعسكريين باستخلاص العبر من الفشل والإخفاقات في الحرب واستقالة أضلاع المثلث المسؤول الأساسي عن هذا الفشل وهم رئيس الحكومة، ايهود أولمرت ووزير الدفاع، عمير بيرتس ورئيس هيئة الأركان العامة، حالوتس.

واعتبر المحلل السياسي في صحيفة "هآرتس"، عكيفا إلدار، في حديث لـ"المشهد الإسرائيلي" أن "استقالة حالوتس تعني زيادة الضغط على رئيس الحكومة ووزير الدفاع ليستخلصا العبر هما أيضا، وهذا أمر إيجابي، لأن كلمة حالوتس بالعبرية تعني طلائعيا، وربما يكون، فعلا، هو الطلائعي الذي يسير أمام المعسكر. كذلك فإن الاستقالة تشير إلى الهزة العنيفة التي يمر بها المجتمع الإسرائيلي والحاجة إلى التغيير. والشعور هو أن هذا لن يتوقف عند حالوتس وإنما ستكون هناك عملية تغييرات أوسع. لكن من الناحية الفعلية فإن هذه التطورات تعتبر بشرى سارة لأداء الجيش الإسرائيلي في المستقبل".

(*) "المشهد الإسرائيلي": هل تعتقد أن أولمرت وبيرتس، أو أحدهما على الأقل، سيسيران في أعقاب حالوتس؟

- إلدار: "إذا لم يستقل بيرتس لوحده فإن أولمرت سيقيله، لكن كل هذا سينتظر صدور قرارات أو توصيات لجنة فينوغراد ولذلك فإن الحد الأقصى الذي سننتظره حتى صدور هذه التوصيات هو خمسة شهور".

ويرى إلدار أن أولمرت، في الواقع، نصب فخا لنفسه عندما عيّن اللجنة الحكومية لفحص أداء الحكومة والجيش الإسرائيليين خلال حرب لبنان برئاسة القاضي المتقاعد إلياهو فينوغراد وأصبحت تعرف باسم "لجنة فينوغراد". وقال إلدار إنه "لا شك في أنه من المتوقع أن تُصدر لجنة فينوغراد توصيات ضد أولمرت. لقد عيّن أولمرت هذه اللجنة وربما اعتقد أنه بذلك سيتمتع بحصانة. لكن على حد ما أعرفه فإن عمل هذه اللجنة والتوصيات التي ستصدر عنها لن تكون في صالح أولمرت. فهو الذي يتحمل المسؤولية الكبرى عن قرارات خاطئة اتخذها وكل عملية صنع القرار فيما يتعلق بالحرب على لبنان كانت تنطوي على خلل كبير، فقد بدأ الحرب من دون إستراتيجية".

الجدير بالذكر أن توصيات لجنة فحص حكومية مثل "لجنة فينوغراد" ليست ملزمة، وفي حال حمّلت أولمرت وبيرتس مسؤولية الإخفاقات في الحرب وفشلها واتخاذ قرارات خاطئة فإن هذا لن يؤدي بالضرورة إلى استقالتهما، على الرغم، أو ربما خصوصا، من أن شعبية الرجلين في الحضيض. وإذا ما استقالا فإن هذا يعني غيابهما عن الساحة السياسية. من جهة أخرى فإن الضائقة التي يعاني منها أولمرت خصوصا تزداد حدة في أعقاب قرار المدعي العام الإسرائيلي، عيران شندار، الأسبوع الماضي، بفتح تحقيق جنائي ضد أولمرت للاشتباه بضلوعه في قضية فساد تتعلق ببيع أسهم السيطرة على بنك ليئومي، وهو ثاني أكبر بنك في إسرائيل. وبذلك يكون أولمرت قد تلقى ضربتين شديدتين في أسبوع واحد: استقالة حالوتس وفتح تحقيق جنائي ضده. ويثير هذا الوضع تساؤلات كثيرة حول مدى قدرة أولمرت على القيام بخطوات سياسية أو حتى عسكرية.

وقال إلدار في هذا السياق إن أولمرت "لا يمكنه القيام بخطوات عسكرية الآن لأنه لا يوجد رئيس هيئة أركان للجيش إضافة إلى الإشكالية الحاصلة بخصوص وزير الدفاع". لكنه اعتبر أن "قوة أولمرت تكمن في ضعفه حصرا. وربما تكون عملية سياسية بالذات الأمر الوحيد الذي يمكن أن ينقذ أولمرت. قوة أولمرت الآن تكمن في ضعفه لأنه في وضع ليس لديه فيه ما يخسره. وفي حال جلب أولمرت بشرى للجمهور الإسرائيلي تتعلق بالسلام ربما يتحسن وضعه، مثل إسحق رابين في حينه، فبعد طرد نشطاء حماس (إلى مرج الزهور) كانت شعبيته في الحضيض واتفاقيات أوسلو أنقذته. وإذا وضع أولمرت مبادرة سياسية...".

(*) هل الحديث عن مبادرة سياسية مقابل الفلسطينيين؟

- إلدار: "مقابل الفلسطينيين وأيضا مقابل السوريين. طبعا هذا مرتبط بشكل كبير بالأميركيين. والآن ثمة فرصة أمام الأميركيين، وإذا بدؤوا عملية سياسية فإن أولمرت سينضم إليها وهذه ستكون فرصته للخلاص من الضائقة التي يعاني منها وتغيير توجهه ويحظى بدعم وسائل إعلام أكثر".

(*) هل هناك احتمال لتحرّك سياسي مقابل السوريين؟

- إلدار: "أنا أعرف أن التوجه لدينا في إسرائيل هو أنه يجب الاهتمام أولا بالقضية الفلسطينية ولا توجد للحكومة قدرة على مواجهة جبهتي مفاوضات. لكن قد يتم وضع معادلة ما ترضي السوريين وأن تدخل إسرائيل في مفاوضات مع سورية بعد وقت قصير من بدء مفاوضات مع الفلسطينيين. السوريون يريدون تحقيق تقدم في العلاقات مع الأميركيين وإذا وعدتهم الولايات المتحدة بتحسين علاقاتها معهم وبدأت حوارا مع السوريين فإن هذا من شأنه تغيير الوضع".

(*) في إسرائيل يصرون على أن الإدارة الأميركية ترفض أن تجري إسرائيل مفاوضات مع سورية. هل هذا الادعاء صحيح أم أنه مجرد حجة؟

- إلدار: "هذه ذريعة فحسب. فالولايات المتحدة تعارض المستوطنات أو على الأقل تعارض توسيعها. فهل إسرائيل لا تبني مستوطنات؟ هذا هو الجواب على سؤالك. عندما لا نريد أن نسمع فإننا لا ننصت. انصياعنا انتقائي".

في سياق متصل سبق لإلدار أن نشر في "هآرتس"، الأسبوع الماضي، عن اتصالات سرية بين إسرائيل وسورية بوساطة أوروبية، شارك فيها عن الجانب الإسرائيلي المدير العام السابق لوزارة الخارجية، ألون ليئيل وعن الجانب السوري إبراهيم سليمان، الذي يحمل الجنسية الأميركية. وشارك في هذه الاتصالات مندوبون عن الولايات المتحدة وأوروبا. وأكد الضالعون في هذه الاتصالات على أن كلا من الحكومتين الإسرائيلية والسورية اطلعتا على ما دار في هذه الاتصالات طوال الوقت بما في ذلك على وثيقة "اتفاق المبادئ" غير الموقعة التي توصل إليها الجانبان ونصت على انسحاب إسرائيل من هضبة الجولان.

(*) كيف تفسر الكشف عن الاتصالات السرية بين إسرائيل وسورية في هذا الوقت؟

- إلدار: " بتقديري أن الأشخاص الذين كانوا ضالعين في هذه الاتصالات، والسوريين أيضا، توصلوا إلى نتيجة بأن حكومة إسرائيل ليست راغبة في هذه الاتصالات وبأن من شأن ضغط جماهيري فقط أن يغير الوضع. لذلك قرروا فتح الأمر للنقاش العام من خلال الكشف عنها وهذا ما يحدث الآن. لأنه في القنوات التفاوضية العادية لا يتحرك شيء، وعادة هكذا تكون الآلية لدى الكشف عن قنوات اتصال سرية كهذه، أي عندما تصل هذه الاتصالات إلى طريق مسدودة يتم البحث عن طرق لفتحها، مثل الكشف عنها".

(*) وهل توجه ألون ليئيل إلى هذه الاتصالات بمبادرته أم تم إرساله إليها؟

- إلدار: "لقد كانت هذه الاتصالات بمبادرة سورية. فقد توجه السوريون في البداية للأتراك الذين بدؤوا بدورهم في إجراء هذه الاتصالات مع ألون ليئيل. وعندما وصلت قناة الاتصال التركية إلى طريق مسدودة، بحث السوريون عن قناة اتصال جديدة، عبر الأوروبيين. لكن المبادرة الأولية لهذه الاتصالات كانت سورية".