الميزان الاستراتيجي في الشرق الأوسط 2005 – 2006 (وثيقة)

[صادرة عن المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي- جامعة تل أبيب]

ملخص

أكدت حرب لبنان الثانية الوضع الإشكالي والمتحرك في البيئة الإستراتيجية لإسرائيل. إذ أنها (أي الحرب) مست بصورتها كقوة رادعة وكشفت مواطن ضعف تعتري الجيش الإسرائيلي وعملية اتخاذ القرارات في إسرائيل.

تسعى إيران إلى الهيمنة الإقليمية، والتجلي البارز لتطلعها هذا هو سعيها الدؤوب لامتلاك قدرة نووية عسكرية. ورغم القلق المتزايد لدى المجتمع الدولي، فإن "معهد دراسات الأمن القومي" يشكك في إمكانية أن يتمّ تطبيق عقوبات فعّالة ضد إيران. وفي ظل عدم وجود توجه نحو القيام بعملية عسكرية فإن حيازة إيران لسلاح نووي أضحت مسألة وقت فقط، ولا بد من الإشارة هنا إلى أن عامل الزمن هو في مصلحة طهران.

من جهة أخرى لاحظ "معهد دراسات الأمن القومي" أن العام 2006 شهد تصعيداً للتهديدات على الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، وذلك نتيجة لعدم التقدم نحو التوصل إلى تسوية على المسار الفلسطيني، ولعدم تحقيق إنجازات على صعيد مكافحة الإرهاب العالمي والتطرف الإسلامي، بالإضافة إلى فشل الجهود والمساعي الأميركية لتحقيق الاستقرار في العراق.

الفشل الأميركي في العراق يمس بمكانة وهيبة الولايات المتحدة في المنطقة. إسرائيل لن تجني أي مكسب أو فائدة من استمرار التواجد الأميركي في العراق. من الجدير بإسرائيل أن تتفحص عن قرب موقف سوريا حتى وإن كانت هناك شكوك فيما يتعلق بقدرة واستعداد الرئيس السوري بشار الأسد "لتوفير البضاعة".

في الجانب الإيجابي للميزان الإستراتيجي في الشرق الأوسط يجب التنويه بالعلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة الأميركية والتحسن الذي طرأ على علاقات إسرائيل مع المجتمع الدولي. كذلك استمر وتعزز السلام مع كل من مصر والأردن فيما يلوح تقاطع مصالح مع دول أخرى. من ناحية أخرى ما زالت إسرائيل تتمتع بتفوق عسكري كبير مُدعَّم بقدرة اقتصادية متطورة.

وجود سلاح نووي في حوزة إيران بات مسألة وقت فحسب


◾مع نهاية العام 2006 تبدو البيئة الإستراتيجية لإسرائيل إشكالية. فقد اشتدت التهديدات للأمن والاستقرار في الشرق الأوسط نتيجة لعدة عوامل مترابطة، ومن ضمنها عدم التقدم نحو إحراز تسوية في الساحة الفلسطينية؛ سعي إيران لامتلاك قدرة نووية عسكرية؛ عدم تحقيق إنجازات في محاربة الإرهاب العالمي والتطرف الإسلامي؛ فشل الجهود الأميركية لإحلال الاستقرار في العراق؛ التحدي المتزايد الذي يطرحه تحالف (ائتلاف) غير رسمي لأطراف ودول مختلفة في المنطقة، والذي يسعى إلى تغيير النظام القائم وسط إعلاء الراية المناهضة للغرب. هذا الائتلاف تتزعمه إيران التي اكتسب سعيها للهيمنة الإقليمية زخماً إضافياً عقب الإطاحة بنظام صدام حسين والتورط الأميركي في العراق (وأفغانستان). ويتمثل التعبير الجلي لهذا التطلع الإيراني (وكذلك للشعور بالتهديد الذي تمثله) في سعي إيران الدؤوب نحو امتلاك قدرة نووية عسكرية.


◾في مواجهة هذه المساعي الإيرانية يقف العالم العربي منقسماً ومفككاً ينهمك زعماؤه في صراع من أجل بقائهم. وقد خسرت الدولة (أو الدول) العربية من قوتها لصالح منظمات وقوى غير دولانية، وبات اللاعبون غير العرب يشكلون عناصر القوة المركزية في الساحة.


◾سعي إيران لامتلاك قدرة نووية عسكرية يحظى بتأييد شعبي واسع هناك. ستكون لنجاح إيران الممكن في مسعاها هذا انعكاسات بعيدة الأثر على المجال الإقليمي وخارجه. ورغم القلق المتزايد لدى الأسرة الدولية، والذي عبر عن نفسه أخيراً في قرار مجلس الأمن رقم 1736، إلا أن من المشكوك فيه أن تفرض على إيران عقوبات فعّالة. وفي غياب عملية عسكرية فإن مسألة وجود سلاح نووي في حوزة إيران باتت مسألة وقت فحسب.


◾الفشل الأميركي في العراق يضر بمكانة الولايات المتحدة في المجال الإقليمي. ليس لإسرائيل ما تكسبهُ من استمرار التواجد الأميركي في العراق. هناك تراجع واضح في الاستعداد الأميركي (والبريطاني) لمواصلة الجهود في العراق، هذا البلد الذي يقف على حافة حرب أهلية شاملة، والذي سيتراوح مصيره بين عدم الاستقرار المزمن والبلقنة.


◾في لبنان: قرار مجلس الأمن (1701) لا يحول دون إعادة تسلح منظمة "حزب الله" التي تخوض حالياً غمار هجمة سياسية في محاولة لإسقاط الحكومة اللبنانية، أو على الأقل تحصيل حق فرض فيتو على قراراتها وتحركاتها. من المرجح أن يحافظ "حزب الله"، على المدى القصير، على الهدوء في خطوط الجبهة مع إسرائيل وذلك بما يتيح له إعادة تنظيم وترميم تشكيلاته ومواقعه.


◾الحرب التي شنتها إسرائيل في لبنان اعتبرت في نظر الخصوم والحلفاء على حد سواء فشلاً إسرائيلياً. على صعيد آخر كشفت الحرب بمنتهى الوضوح ضعف وهشاشة الجبهة الداخلية (العمق) الإسرائيلية، كما أظهرت عدم توفر رد ناجع لمشكلة الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى.


◾تتفحص سوريا- التي تعاني من ضعف إستراتيجي- خطوات لتحسين مكانتها، وفي صلب هذه الخطوات عرض دمشق الشروع بمفاوضات مع إسرائيل. يجدر الوقوف عن كثب على الموقف السوري حتى وإن كانت هناك شكوك حول استعداد وقدرة الرئيس بشار الأسد على "توفير البضاعة".


◾في الساحة الفلسطينية- التي تتسم بتدخل أطراف خارجية- تتواصل عملية انهيار الأطر السلطوية وانتشار الفوضى. حركة "حماس" تصارع من أجل مكانتها ومركزها وذلك في مواجهة حركة "فتح" وقوى أخرى مستعدة لتوطيد العلاقات مع إسرائيل وتتماثل مع الدول السنية في المنطقة. عدم الرضا في صفوف الجمهور الفلسطيني عن أداء حكومة "حماس" يشجع حركة "فتح" (بتأييد دولي) على العمل بوتيرة أقوى ضد "حماس" التي من المشكوك فيه أن تغير على المدى القريب مواقفها التقليدية، وعليه ليس من المتوقع أن تتخلى الحركة طوعاً عن السلطة.


◾"حماس" معنية بالتهدئة مع إسرائيل من أجل توطيد حكمها، ولكنها تواجه صعوبة في الوقوف ضد المنظمات التي تواصل العمل ضد إسرائيل الأمر الذي يمكن أن يخلق دائرة متجددة من الرد والرد المضاد. في المحصلة فإن الانطباع يشير إلى وجود صعوبة كبيرة في إيجاد رافعة تمكن من إحراز تقدم على طريق تحقيق انفراج في العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين.


◾محور "المقاومة" الذي يعمل بإيحاء من إيران يشكل مصدر قلق لدول في المنطقة وخارجها. الصراع السني- الشيعي يوفر فرصة لإسرائيل لتحسين علاقاتها مع لاعبين مهمين في العالم العربي. قدرة هذه الأطراف على العمل بشكل مشترك منوطة بالتغلب على المعارضة في الرأي العام العربي. وبغية تحقيق ذلك هناك حاجة للبرهنة بواسطة بذل جهد مباشر لكسر الجمود وخاصة على المسار الفلسطيني وكذلك (بدرجة أقل) على صعيد العلاقات مع سوريا.


◾المغزى العملي لصورة الوضع هو: وضع متحرك مع وجود إمكانية لإحداث تغييرات سريعة. الواقع الذي نشأ خلال العامين الأخيرين يدل على أنه لا يوجد Quick Fix ولا حتى Short Cuts في معالجة المواضيع المطروحة على بساط البحث.

في المجال العسكري

1. ما زالت إسرائيل تتمتع بتفوق عسكري كبير، كما ونوعاً، بالإضافة إلى التفوق الإستراتيجي لسلاح الجو الإسرائيلي، ولكن ما يعيب هذه الصورة هو هشاشة الجبهة الداخلية الإسرائيلية. فبواسطة وسائل قتالية وصواريخ بسيطة نسبياً- وهي وسيلة سهلة الاستخدام من قبل قوات تخوض حرب عصابات- خلق "حزب الله" عامل تأثير نفسي وعملي ترك تأثيراً قوياً على الجمهور الإسرائيلي. وقد عززت حرب لبنان الثانية تصميم الفلسطينيين على امتلاك تلك الوسائل، كما أن هذه العبر باتت توجه أيضاً خطط تسلح وبناء قوى لعدة دول أخرى في المنطقة.

2. فيما يتعلق بصفقات الأسلحة: وقعت السعودية (العام 2005) على صفقة بقيمة 10 مليارات جنيه إسترليني تقريباً مع بريطانيا لشراء عشرات الطائرات المقاتلة البريطانية الصنع.

3. وقعت الجزائر (العام 2006) على صفقة أسلحة ضخمة مع روسيا (تشمل طائرات مقاتلة، دبابات ومنظومات للدفاع الجوي). كذلك تجدر الإشارة إلى صفقات بيع الصواريخ المضادة للطائرات التي أبرمتها روسيا مع كل من سوريا وإيران رغم ضغوط الغرب.

4. حجم تجارة السلاح العالمية ارتفع بشكل ملموس خلال العام 2005 بالمقارنة مع أعوام سابقة (وصلت قيمة هذه التجارة إلى 2ر44 مليار دولار). بموجب تقرير للكونغرس الأميركي فقد وقعت إسرائيل في العام 2005 على اتفاقيات بقيمة 1ر1 مليار دولار (أي بزيادة مرتين تقريباً عن قيمة اتفاقيات شراء الأسلحة التي وقعتها إسرائيل في العام 2004).

5. أثارت دروس حرب لبنان الثانية الاهتمام مجدداً بمنظومات أسلحة إسرائيلية خاصة. وقد أدى ذلك إلى ازدياد فرص بيع وسائل دفاعية إسرائيلية الصنع سواء للجيش الإسرائيلي أو لجيوش أخرى في العالم.

[ترجمة "مدار"]