عاموس عوز: ولّت أيام إسرائيل كدولة مستقلة

شنّ الأديب الإسرائيلي عاموس عوز هجومًا على رئيس الحكومة الإسرائيلي، إيهود أولمرت، بسبب رفضه لنداءات السلام من جانب سورية بحجة عدم إحراج موقف إدارة الرئيس جورج بوش الأميركية، مؤكدًا أن الأيام التي كانت إسرائيل تتصرّف فيها كدولة مستقلة قد ولّت. وذلك في مقال نشره في صحيفة "يديعوت أحرونوت" (19/12/2006)، في وقت تواصل فيه الجدل في إسرائيل في شأن الموقف الواجب اتخاذه من الدعوات السورية لاستئناف المفاوضات.

وكتب عوز يقول: ولّت الأيام التي كانت فيها إسرائيل تسلك كدولة مستقلة وليس كمحمية أميركية، وكانت المفاوضات المباشرة دون شروط مسبقة لبّ السياسة الإسرائيلية في الشرق الأوسط. ولقد سبق لـ (رؤساء الحكومة) دافيد بن غوريون وموشيه شاريت وليفي أشكول واسحق رابين ومناحيم بيغن أن طالبوا الدول العربية بالجلوس معنا إلى مائدة المفاوضات دون شروط مسبقة لأي طرف.

أمّا الآن فقد باتت إسرائيل هي التي تعرض على سورية، ردًا على الاقتراح السوري، سلسلة من الشروط المسبقة. وعمليًا فإن قبول سورية لكل شروط إسرائيل المسبقة يجعل السلام معها غير ضروريّ.

وتساءل: لماذا تتدخل إسرائيل في النقاشات الداخلية بين الصقور والحمائم في الولايات المتحدة؟ لماذا يتعيّن على إسرائيل أن ترجئ مصلحة وطنية عليا تخصها- هي السلام مع كل جاراتها- لصالح علاقتها مع دولة أجنبية؟ ثم أشار إلى أنّ الأمر الرئيس خلف كل ذلك، أن هذه هي المرة الأولى التي يعترف فيها رئيس حكومة إسرائيل، بل ويتباهى، بأن قرارًا إسرائيليًا وطنيًا ذا أهمية عليا يقع ضمن مسؤولية أطراف أجنبية.

وأضاف عوز: عشية حرب يوم الغفران اقترح الرئيس (المصري الراحل أنور) السادات على حكومة إسرائيل سلامًا مقابل إعادة سيناء. وقد تغاضت الحكومة البائسة لغولدا مئير عن الاقتراح بمسوغات مماثلة جدًا للمسوغات التي تتذرّع بها حكومة أولمرت الآن لتبرير رفضها التفاوض مع سورية. وعلى أثر ذلك قتل 2700 جندي إسرائيلي وأصيب ألفا جندي بجراح في حرب يوم الغفران، التي توصلت إسرائيل في أعقابها إلى اقتراح السادات قبل الحرب القاضي بأرض مقابل السلام. فهل لم نتعلم شيئًا حقًا؟.

من ناحية متصلة يتواصل الجدل في إسرائيل في شأن الموقف الواجب اتخاذه من الدعوات السورية لاستئناف المفاوضات، وبدا أن المعركة غدت بين أقطاب حزب «كديما» الحاكم الرافضين تجديد الحوار وبين الإعلام العبري، وهو ما حدا بوزارة الخارجية، كما يبدو، الى تسريب تقرير «سري» الى صحيفة «يديعوت أحرونوت» (18/12/2006) عما دار في لقاء بين الرئيس الفرنسي جاك شيراك وزعيم أوروبي شن فيه الأول هجوما كاسحا غير مسبوق بحدته على النظام السوري «الديكتاتوري والفاسد والقاتل». واختارت الصحيفة ان يتصدر هذا الهجوم عنوان صفحتها الأولى، وكأنها ترد على منافستها «معاريف» التي تواصل حشد عناوين ومقالات تؤيد التجاوب مع الدعوات السورية وتهاجم رئيس الحكومة إيهود أولمرت على «انسياقه الأعمى» وراء الرئيس جورج بوش.

وجاء في الخبر الرئيس لـ «يديعوت أحرونوت» ان شيراك قال في لقاء مع شخصية أوروبية رفيعة المستوى ان «سورية دولة خطيرة، قاتلة واستبدادية... انها سيئة مثل كوريا الشمالية، ويحظر اجراء أي حوار معها». وتابع أن «الرئيس الأسد يقود إحدى أكثر الدول فسادا، دولة تستخدم القتل السياسي أداة شرعية بلا تردد».

وغداة إعلان اولمرت رفضه استئناف المفاوضات مع سورية «لأن الأمر يتعارض وموقف الرئيس بوش»، قال رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية (موساد) مئير داغان أمام لجنة الخارجية والأمن البرلمانية: «لا إشارات الى تليين سورية مواقفها وسعيها للسلام». وأضاف ان سورية تحاول ان تحشر إسرائيل في الزاوية لتظهرها على أنها رافضة للسلام، معتبرا ان دمشق تريد من دعواتها الى استئناف مفاوضات السلام تحقيق ثلاث غايات، هي درء الضغوط الدولية عنها، واستعادة موقع تأثير مهيمن على لبنان، واستعادة الجولان. وزاد ان سورية تواصل التسلح وتسليح «حزب الله» بوتيرة عالية وتنشط من أجل إسقاط الحكومة اللبنانية وضعضعة الوجود الأميركي في العراق.

وقال داغان إن القدرات الردعية لإسرائيل تضررت بعد الحرب على لبنان ما زاد من ثقة الرئيس السوري بنفسه وبقدرات بلاده العسكرية. وأضاف ان تغييرا استراتيجيا حصل في دمشق «التي غدت تثق بقدراتها على الرد على كل ما يمكن ان تعتبره استفزازا إسرائيليا وباتت جاهزة للمجازفة أمام إسرائيل، أكثر من الماضي».

في المقابل، حملت الصحف العبرية على قرار اولمرت رفض استئناف الحوار مع دمشق «تماشيا مع سياسة الرئيس بوش». وتحت عنوان «يحظر رفض الدعوات السورية»، كتبت صحيفة «هآرتس» في افتتاحيتها انه رغم تفهمها لوجوب تنسيق إسرائيل الموقف مع واشنطن، إلا انه في حين يمكن لواشنطن ان تجازف بتوتير العلاقات مع دمشق، فإن معنى رفض إسرائيل الدعوات السورية هو المجازفة بحرب. وذكّرت الصحيفة برفض رئيسة الحكومة الإسرائيلية السابقة غولدا مئير دعوات الرئيس المصري الراحل أنور السادات لإبرام سلام بعد ان اعتمدت في ذلك على موقف واشنطن، «إلا ان الرفض كلف إسرائيل حربا فظيعة (عام 1973) بنتائجها، بل كارثة قومية». ورأت ان هذه التجربة تحتم على اولمرت فحص جدية تصريحات الرئيس السوري بالتنسيق مع الإدارة الأميركية. وأكدت ان إسرائيل لن تستفيد قط من موقفها الرفضي «بل يجدر بها استنفاد العملية الدبلوماسية مع السوريين بدلا من انتظار اندلاع حرب يمكن منعها مسبقا».

ووصفت الصحافية ياعيل غفيرتس (يديعوت أحرونوت) السياسة التي ينتهجها اولمرت بسياسة «الهروب الكبير»، وتساءلت عما يمكن أن تخسره إسرائيل من «التجاوب مع التوسلات السورية باختبار نياتها». وكتبت أن اولمرت يعتمد سياسة عدم فعل شيء ويرى في كل مبادرة سياسية «تهديدا» ينبغي الانتظار حتى يتبخر. وتابعت ان رئيس الحكومة الحالي يتفوق بذلك على كل سابقيه الذين رفضوا مبادرات سلمية واختاروا تفاديها بدلا من محاولة تفادي حروب، «أما الأسوأ الآن فهو انه يقف على رأس الحكومة قائد كانت له تجربة سيئة في جر إسرائيل الى الحرب، لكنه لم يتعظ ولا يفهم ان لا شرعية أخرى له لجرنا الى حرب أخرى». وزادت: «هذه هي أجندته... الهروب من الالتزامات، من الالتزام الأهم تجاه الأمهات والآباء الإسرائيليين... فقط من أجل عدم إغاظة واشنطن».

وحمل المعلق السياسي في «معاريف» بن كسبيت على موقف اولمرت الرافض «الذي يعني أننا دولة تحت الوصاية الأميركية»، ودعاه الى السفر فورا الى واشنطن ليقول للرئيس الأميركي إن من غير المعقول ان ترفض إسرائيل «بفظاظة وعجرفة وغباء» يدا ممدودة للسلام من دولة مجاورة.

وكتب كسبيت يقول: حان الوقت من ضرورة استبطان الحقيقة التالية- يتوجّب علينا أن نعزّز قوة الرئيس السوري بشار الأسد، هنا والآن. لأنه إذا لم يعد الأسد موجودًا فستصبح سورية سنيّة ومرتبطة بالإرهاب السنّي العالمي، الذي تمثله منظمة "القاعدة"، وكل ذلك على حدود (مستوطنة) كتسرين وصولاً إلى طبريا. النظام السوري بعيد عن أن يكون قدوة ونموذجًا، لكنه نظام علماني، سويّ، برغماتي وتحركه دوافع يعرف كنهها أشخاص طبيعيون.

وتابع: إما أن نعترف بصوت عال ومسموع بأننا محمية أميركية ونطالب بعلاقة ملائمة على الأقل، وإما أن نبدي قيادة ومسؤولية. وعندها يتعين على إيهود أولمرت أن يسافر إلى واشنطن ويشرح لرئيس الولايات المتحدة بأنه يستحيل على إسرائيل أن ترفض يد السلام الممدودة إليها من جانب دولة عربية تقع على حدودها. وهناك ألف طريقة وطريقة لفحص النوايا السورية واعتماد جدول زمني يتيح لكل طرف أن يقدّم المطلوب منه للطرف الآخر بصورة تدريجية. ولا يجوز أن تكون إسرائيل الطرف الذي يضع شروطًا مسبقة، حتى لو كانت أميركا راغبة بذلك.

من جهته أكّد المعلق السياسي يوئيل ماركوس، في صحيفة "هآرتس"، أنه لا يجوز في أية مرحلة أن تنوجد إسرائيل في وضعية تعرض فيها دولة عربية إجراء مفاوضات وتردّ على هذا العرض بالرفض.

وقال إنّ معارضة إيهود أولمرت الحازمة للمبادرة السورية ليست عاقلة. فـ"جورج بوش سيعود إلى بيته أما نحن فباقون هنا. وإذا كانت الحكومة بحاجة إلى أجندة فإن التحدّي السوري هو من صنف الأجندات التي تتطلب شجاعة وعقلاً".