من تعليقات الصحف الإسرائيلية على خطاب الرئيس عباس

تحت عنوان "أبو مازن والرهان الخطير" جاء في تعليق نشرته صحيفة "هآرتس" (الأحد- 17/12/2006) على صفحتها الأولى، وشارك في كتابته عاموس هرئيل، المراسل العسكري وآفي سخاروف، مراسل الشؤون الفلسطينية:

أخذ "أبو مازن" على عاتقه أمس (السبت) رهاناً خطيراً. فإذا ما فشلت المفاوضات مع حركة "حماس" فإنه يكون قد وضع نفسه في زاوية صعبة. وبدون أن يحدد في غضون بضعة أسابيع موعداً للانتخابات، سيظهر "أبو مازن" في نظر الجمهور الفلسطيني كزعيم ضعيف. ولكن كي يحدد موعداً للانتخابات لا بد له من الحصول على موافقة "حماس" ومثل هذه الموافقة لا تلوح في الأفق. ومن المرجح أن تسعى "حماس" إلى إفشال الدعوة للانتخابات.

وتابع التعليق مشيراً إلى أن حركة "حماس"، وليس الرئيس "أبو مازن" فقط، تجد نفسها أيضاً محشورة في زاوية حرجة، عقب خطاب الرئيس عباس ودعوته للاحتكام للانتخابات واختيار الشعب، والتي تجعله وحركته "فتح" يظهران في صورة المتطلعين للديمقراطية الحقيقية، خلافاً لحركة "حماس"، وفقما ورد في التعليق، الذي أضاف كاتباه في استدراك يدخل البعد الإسرائيلي إلى صورة "المشهد الفلسطيني الراهن"، بقولهما: إن التوجه للانتخابات (الرئاسية والتشريعية) دون موافقة حركة "حماس"، يعني أيضاً انتهاء وقف إطلاق النار مع إسرائيل في قطاع غزة، ودعوة لعملية عسكرية إسرائيلية في غزة، الأمر الذي سيسدل الستار تلقائياً على الانتخابات الفلسطينية.

ويمضي المعلقان الإسرائيليان ليؤكدا في تعليقهما أن: متاعب "أبو مازن" لا تنحصر في الخلاف مع حركة "حماس"... فاللجنة المركزية لحركة "فتح" أوضحت له أنها غير معنية في انتخابات مبكرة، لأن الحركة (فتح) ليست مستعدة لذلك. ففرص "فتح" بالفوز بأكثرية في البرلمان (المجلس التشريعي) تبدو غير عالية، كما أن "أبو مازن" سيواجه صعوبة بالفوز في السباق للرئاسة أمام (مرشح "حماس" المحتمل) رئيس الحكومة إسماعيل هنية، الذي قال المعلقان إنه يتمتع بشعبية. فضلاً عن ذلك- استطرد التعليق مفصلاً- فإن القانون الفلسطيني يلزم رئيس السلطة بالاستقالة بعد وقت قصير من تحديد موعد الانتخابات، وفي هذه الحالة سيعين مكانه في منصب الرئيس المؤقت للسلطة رئيس المجلس التشريعي عزيز الدويك من حركة "حماس"، المعتقل حالياً في السجن الإسرائيلي. بعبارة أخرى، أردف المعلقان، فإن الرئيس "أبو مازن" سيقدم بذلك الرئاسة لحركة "حماس" على طبق من فضة.

وينتقل كاتبا التعليق للحديث عن الموضوع- الذي تُحب وتحرص معظم المحافل الإسرائيلية على العزف كثيراً على وتره خاصة في الآونة الأخيرة- موضوع "الحرب الأهلية الفلسطينية"، وقالا في هذا السياق: رغم كل ما يحدث في المناطق (الفلسطينية) في الأيام الأخيرة، فإن هذه الحرب (الأهلية الفلسطينية) لا تبدو حتى الآن بمنزلة اليقين... فمنذ عودة (الرئيس الراحل) ياسر عرفات إلى "المناطق" في العام 1994، استطاع الطرفان (فتح وحماس) دائماً الاستدراك وتفادي الانجرار إلى الصدام الكبير... وعلى ما يبدو فإن التطورات الميدانية في الأيام المقبلة هي التي ستملي على الساسة (الفلسطينيين) سياستهم.

ورجع سخاروف وهرئيل في ختام تعليقهما إلى "البعد الإسرائيلي" فكتبا: إن إسرائيل تتابع باهتمام، ولكن بحذر أيضاً، كل ما يجري من أحداث في الساحة الفلسطينية. وفي هذا السياق أعرب المعلقان عن تقديرهما أنه: طالما بقي الصدام الداخلي محصوراً في قطاع غزة ولم ينزلق إلى قصف متجدد للنقب فإن إسرائيل لن تقوم بأي رد (المقصود رد عسكري).

وأشارا إلى أنه باستثناء قرار منع دخول (رئيس الحكومة الفلسطيني) إسماعيل هنية يوم الخميس الماضي (عبر معبر رفح) والذي اتخذته الحكومة الإسرائيلية بضغط أميركي (حسب ما ورد في هذا التعليق) فإن إسرائيل لا تنوي في هذه المرحلة التدخل (في الأزمة الداخلية الفلسطينية).

وتحت عنوان "استعداد لصراع عنيف"، رأى الخبير الإسرائيلي في الشؤون الفلسطينية داني روبنشتاين في تعليق كتبه في صحيفة "هآرتس" أن خطاب الرئيس محمود عباس (السبت) كان "خطاب تهيئة لمعركة". وأضاف: لم تعد لدى الرئيس عباس ومؤيديه أوهام، لا فيما يتعلق بإمكانية إقامة حكومة وحدة وطنية، ولا بشأن حدوث تغيير ممكن في أيديولوجية ومواقف حركة "حماس". وبدون مثل هذا التغيير لا توجد إمكانية للتعاون، بمعنى لن تقوم حكومة من فتح وحماس، تتيح خطوطها العريضة تلبية المتطلبات الدولية الثلاثة: الاعتراف بإسرائيل، وقف (نبذ) العنف وقبول الاتفاقيات الموقعة في الماضي، علماً أن الاستجابة لهذه المطالب تشكل، كما قال المعلق، شرطاً ضرورياً لرفع الحصار عن السلطة الفلسطينية، والرئيس "أبو مازن" على يقين من ذلك. في المقابل، تابع روبنشتاين، فإن أوساط حركة "حماس" تعتقد أن بالإمكان فك الحصار دون الاعتراف بإسرائيل... كيف؟ بإحضار الحقائب المملوءة بالأموال من إيران.

واستطرد الكاتب في تعليقه: من الواضح لأبي مازن وأنصاره أنهم ذاهبون إلى مواجهة ستترتب عليها أعمال عنف وأن عليهم الاستعداد لذلك. في خطابه أمس لم يشر الرئيس عباس إلى الموعد الذي سيصدر فيه مرسوماً لحل الحكومة، أو الموعد الذي ستجري فيه الانتخابات المبكرة، والسبب- كما قال روبنشتاين- معروف للجميع: فحركة "فتح" على اختلاف تشكيلاتها ومكوناتها غير مستعدة للمعركة ضد "حماس" وهي بحاجة إلى وقت، أولاً من أجل تجنيد أموال لدفع الرواتب، وأقله رواتب أفراد أجهزة الأمن، وثانياً من أجل تنظيم صفوف "الجنود"، أي أجهزة الأمن الموالية للرئيس عباس، وثالثاً هناك حاجة للسلاح.

ولكن الأهم من كل ذلك، أردف روبنشتاين في تعليقه، هو قدرة الرئيس "أبو مازن" على إصلاح وإعادة لحمة حركته "فتح" كي تقف كلها موحدة في مواجهة حركة "حماس"، وهذه "مهمة صعبة" حسب رأي روبنشتاين الذي عزا ذلك لما وصفه بالانقسام والتفكك في صفوف حركة "فتح"، التي تقف على رأسها، كما قال الكاتب ذاته، "مجموعة من العواجيز المسنين الذين تزيد أعمارهم عن 70 عاماً، والذين يرفضون التنحي عن مناصبهم والتنازل عن النفوذ والمنافع، هذا فضلاً عن النزاعات القائمة بينهم".

والشيء الذي لا يقل أهمية- أضاف روبنشتاين- هو حاجة الرئيس "أبو مازن" لأن يُثبت لأبناء شعبه بأنه توجد فرصة معينة لحركته ولمواقفه السياسية... فبدون أُفق سياسي لا أحد يحتاج لأبي مازن ودعواته للتعايش بين إسرائيل والفلسطينيين.

وأنهى روبنشتاين تعليقه قائلاً: بدون كل هذه الأمور- المال والجنود والسلاح وحركة منظمة وأفق سياسي- لن يستطيع "أبو مازن" خوض المعركة ضد "حماس"... والسؤال: هل لديه فرصة للحصول على كل ذلك؟ حتى الذين يحبونه يبدون متشائمين جداً.

من جهته رأى المستشرق الإسرائيلي د. غاي بيخور، في تعليق ظهر في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أنه "ليس مؤكدًا أن الرئيس أبو مازن قصد فعلاً أن يقيل حكومة هنية وحلّ البرلمان الحماسيّ والذهاب إلى انتخابات، فثمة في خطابه بعدًا تكتيكيًا من تفعيل الضغط على حماس لدفع حكومة وحدة وطنية، لكن يبدو أنه تأخر عن الركب". وفي رأي هذا المستشرق فإنه إذا لم يكن أمام حماس خيار "فإنها ستدافع عن إنجازها (الانتخابي) بقوة الذراع، ولديها القوة لذلك. وهذا هو ما يحصل عندما تصعد إلى سدّة الحكم حركة غير ديمقراطية بطريق ديمقراطية، ومنذ تلك اللحظة لا تعود معنية بالسماع عن ديمقراطية من شأنها أن تؤدي إلى إسقاطها".

أمّا صحيفة "معاريف" فقد كتب عمير ربابورت، معلقها العسكري، تحليلاً توقع فيه أن تغتال إسرائيل رئيس الحكومة الفلسطيني، اسماعيل هنية.

ومما كتبه:

"ليست هناك شركة تأمين على وجه الكرة الأرضية يمكن أن توافق الآن على تأمين حياة رئيس الحكومة الفلسطيني، اسماعيل هنية. ويظهر تحليل أحداث الأيام الأخيرة أن حياته معرّضة لخطر ملموس، وأنه بعد نجاته من محاولة اغتيال من المحتمل أن يكون غاية للتصفية من قبل إسرائيل.

"في هذه المرحلة لا نعرف عن وجود قرار إسرائيلي رسمي يقضي بشمل هنية وسائر قادة حماس ضمن قائمة التصفيات المحدثة، لكن قرارًا كهذا يمكن أن يكون نتيجة لتطورات بعيدة المدى. وأكثر من هذا فإن هناك شعورًا في جهاز الأمن الإسرائيلي بأنّ التصعيد الذي يؤدي إلى تصفية هنية هو أمر شبه حتميّ. وإنّ ما يمكن أن يؤدي إلى تصفية هنية هو قرار حركة حماس الإستراتيجي بأن تكون جزءًا لا يتجزأ من المحور الداعي إلى إبادة إسرائيل، وهو المحور الذي يبدأ في إيران ويمرّ عبر سورية ليصل إلى لبنان وغزة. وهذا القرار اتخذته الحركة بعد فشل الجيش الإسرائيلي خلال قتاله في لبنان.

"قرار إسرائيل منع هنية من دخول غزة مع الأموال التي جلبها من إيران، في نهاية الأسبوع، في وسعه أن يسرّع التصعيد. وقد سبقت هذا القرار تفاهمات مع الولايات المتحدة ومصر وعدة دول أوروبية. ومن الواضح لجميع هذه الأطراف أن من شأن حماس أن تردّ بخرق تام لاتفاق وقف إطلاق النار الجزئي في قطاع غزة.

"الاعتقاد السائد في جهاز الأمن الإسرائيلي الآن هو أن الطريق الأكثر نجاعة لردع حماس، وهي الطريق التي أثبتت نفسها خلال السنوات الأخيرة، تكمن في حملة تصفيات ضد قادة الحركة. وإذا ما منحت حماس مسوّغًا كافيًا لإسرائيل فمن شأن هذه الحملة أن تتجدّد. وفي هذه الحالة لن يكون هنية الغاية الوحيدة".

[إعداد: "مدار"]