حملة الترويج لخطة أولمرت لا تحقق نجاحًا دوليًا أو محليًا

فيما يواصل رئيس الحكومة الإسرائيلية ايهود أولمرت حملته الترويجية لخطة ترسيم الحدود بقرار أحادي الجانب يشمل ضم الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية ومحيط القدس المقامة عليها الكتل الاستيطانية الكبرى إلى تخوم إسرائيل (خطة التجميع/ الانطواء)، تتزايد الإشارات إلى أن الحملة لا تحقق نجاحاً دولياً أو محلياً على السواء.

وجاءت الإشارة الأخيرة إلى ذلك من لقاء أولمرت، اليوم الاثنين 12/6/2006، مع رئيس الحكومة البريطانية توني بلير، الذي شدّد خلال المؤتمر الصحافي المشترك على أن "المفاوضات هي السبيل الوحيد لترسيم حدود معترف بها". وأضاف بلير: "المبادئ المطلوبة لبدء المفاوضات واضحة، إذ ينبغي الاعتراف بأنه ستقام دولة فلسطينية مستقلة، ويجب التبرؤ من العنف وتبني خطة خريطة الطريق، وهي الوثيقة المقبولة على الأسرة الدولية كافة".

ويتوقع المراقبون أن لا تكون نتيجة اللقاء مع الرئيس الفرنسي، جاك شيراك، الأربعاء 14/6/2006، أفضل من نتيجة اللقاء مع بلير. وتأتي هذه الجولة في إطار البحث عن "تفهم أوروبي لخطة التجميع يمهد لتوافق دولي حولها"، كما أفادت أوساط قريبة من رئيس الحكومة الإسرائيلية.

إلى ذلك أبرزت الصحف العبرية، يوم 9/6/2006، حقيقة أن لقاء أولمرت مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني في عمان يوم 8/6، لم يسفر عن "ردم الهوة بين موقفيهما من الخطوات الإسرائيلية الأحادية الجانب"، وهو ما اضطر أولمرت إلى عدم ذكر خطة تجميع المستوطنات في البيان الذي ألقاه أمام الصحافيين منعاً للدخول في نقاش علني مع ضيفه. وأضافت أن أولمرت كرر اللازمة بأنه سيلتقي الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) ليبحث معه في إمكانات تطبيق "خريطة الطريق" الدولية.

وأفادت صحيفة "معاريف" أن استقبال الأردن لرئيس الحكومة الإسرائيلية عكس غضب المملكة من خطة أولمرت لتجميع المستوطنات، وذكرت أن العاهل الأردني لم يكن في استقبال أولمرت لدى وصوله، واكتفى بايفاد رئيس حكومته معروف البخيت. وزادت أن أجواء من الفتور خيّمت على اللقاء، تبدلت إلى الأحسن حين تبادل الرجلان النكات عن مقتل أبي مصعب الزرقاوي. وتابعت أن الجمود كسر تماماً خلال لقاء الملك وأولمرت على انفراد "بعد أن تلقى الملك التزاماً إسرائيلياً مهدئاً بأن تطبيق خطة الانطواء سيتم بالتنسيق التام مع الأردن، بالإضافة إلى اقتراح أولمرت تشغيل مطار مشترك في العقبة".

كما أشار مراقبون إسرائيليون، عشية جولة أولمرت الأوروبية، إلى أن أوروبا ليست متحمسة لخطة رئيس الحكومة، بل تدعوه إلى إطلاق مفاوضات جدية مع الرئيس الفلسطيني لغرض تدعيم مكانته في مواجهة "حماس". ويرى بعض المراقبين أن الموقف الأوروبي المتحفظ كان وراء عدم إعلان الرئيس جورج بوش بشكل واضح تبنيه الخطة لرغبته في عدم إثارة دول الاتحاد الأوروبي التي يريد أن تدعم سياسته من إيران.

وفي إسرائيل أيضاً، وبحسب أحدث استطلاع للرأي نشرت نتائجه صحيفة "هآرتس"، فإن غالبية الإسرائيليين تعارض خطة أولمرت، وإن كانت تعتقد أنها ستطبق في نهاية المطاف. وقال 56 في المائة من الإسرائيليين إنهم يعارضون الخطة، بينما يؤيدها 37 في المائة فقط، معظمهم من مصوتي حزبي "كديما" و"العمل" المحسوبين على الوسط.

من جانبه رأى المعلق السياسي لصحيفة "هآرتس"، ألوف بن، أن ثمة مشكلة لإيهود أولمرت. فهو شخّص جيدا المخاطر الديمغرافية والسياسية التي سببها احتلال المناطق الفلسطينية لإسرائيل، وقدم خطة مناسبة لإخلاء اغلب المستوطنات والانطواء ضمن حدود جديدة. لكنه فشل في التسويق.

وتابع: قدّر أولمرت أن قادة العالم، الذين هتفوا لشجاعة أريئيل شارون بسبب إخلاء مقلص للمستوطنات، سيشترون بلهفة البضاعة الجديدة، ترحيل المستوطنين من ظهر الجبل والاقتراب بشكل مهم إلى الخط الأخضر. لكنه تفاجأ، بأن العالم لم يتحمس وأرسله للقيام بالفرض المنزلي. اذهب وتحدث مع أبو مازن، وحينها تعود إلينا. من الصعب التصديق، فللمرة الأولى منذ العام 1967 يقترح زعيم إسرائيلي إخلاء اغلب الضفة، من دون ضم ضبابي ومن دون أي مطلب من الفلسطينيين والعالم صامت، حيث يقولون لأولمرت تعال غدا. توجد لذلك أسباب غير متعلقة بإسرائيل. الحكومات في واشنطن، لندن وباريس، التي خسرت التأييد الداخلي، تتداعى. إيران، العراق وأسعار النفط تقلق الآن العالم أكثر من مسألة من سيسكن في بيت إيل وفي عوفرا.

لكن هناك سبب آخر لم يأخذه أولمرت بالحسبان، برأي بن، وهو أن الفلسطينيين سيقومون بحملة عالمية دولية ضد خطته، وسينجحون في إدخال الرواية المعاكسة في ذهن الرأي العام العالمي، بتقديم الانطواء على أنه مكيدة أخرى إسرائيلية لسرقة الأراضي، للضم، للاحتلال، للإساءة والعنصرية. بدل السجال على عمق الانسحاب، حولوا النقاش إلى مسألة عدالة إسرائيل وحق وجودها. ففي الوقت الذي أخلت لهم حكومات الغرب الداخل بعد صعود حماس، تحول الفلسطينيون الى المنظمات غير الحكومية حيث من السهل عليهم تسويق الصهيونية كإمبراطورية شريرة تجر بالأنف الأميركيين السذج. والمقاطعة التي فرضتها على إسرائيل جمعية المحاضرين البريطانيين ومنظمة العمال العامة هي البداية فقط. والقادم من بعدهم سيكون أكثر سهولة في الاقتناع.

وأكد بن أنه كما في قضية الجدار، هذه المرة أيضا تبين أن السجال الداخلي في إسرائيل منفصل عن جدول الأعمال العالمي. ما يبدو في الداخل أنه انسحاب عميق وتنازل شنيع، سيكون منطوياً على صدع داخلي، يقدم في العالم كعملية عدوانية ضد شعب محتل ومعرض للخطر. ثمة كثيرون هنا تعساء بسبب إخلاء المستوطنات، وهناك يناقشون بجدية في "حل الدولة الواحدة" الذي يضع حدًا للأذى الإسرائيلي.

في محيط أولمرت يطمئنون بأنه لا يوجد ما يقلق، لأنه في اللحظة الحاسمة سيقف المجتمع الدولي مع الانطواء وإخلاء المستوطنات. من المحتمل أن يحصل ذلك. لكن يمكن أيضا، إلى أن يتم إخلاء أول منزل، أن ينظر العالم إلى العملية الإسرائيلية على أنها المخدر غير المناسب للمرض وسيتبنى الخط الفلسطيني، الذي يتلخص بكلمة واحدة "بعد".