معلق عسكري إسرائيلي: إذا لم يترك بيرتس وحالوتس مقعديهما فسيظل الجيش الإسرائيلي عرضة للتحقير

قضية استقالة العميد جال هيرش، قائد لواء الجليل (اللواء 91)، وهو أحد الألوية الرئيسة التي شاركت في الحرب على لبنان، قبيل وقت قليل من صدور تقرير لجنة التحقيق الداخلية في الجيش برئاسة الجنرال في الاحتياط دورون ألموغ والتي تمحورت حول عملية اختطاف الجنديين الإسرائيليين إيهود غولدفاسر وإلداد ريغف يوم 12 تموز 2006، والتي اعتبرت السبب المباشر لاندلاع الحرب المذكورة، يوم الأحد 12/11/2006، لا تزال تتفاعل. وقد أوصى تقرير اللجنة بتنحيته من منصبه.

وعجّت الصحف الإسرائيلية الصادرة يوم الاثنين 13/11/2006 بتعليقات أشارت إلى أن هذه الاستقالة هي خطوة سيكون لها ما بعدها.

وفي هذا الشأن كتب المعلق العسكري لصحيفة "معاريف"، عمير راببورت، أن ما يدعو إلى الأسف أن رسالة الاستقالة لم تأت من طرف وزير الدفاع، عمير بيرتس ورئيس هيئة الأركان العامة للجيش، دان حالوتس. وأضاف أنه إذا لم يترك هذان الاثنان مقعديهما فسيظل الجيش الإسرائيلي عرضة للتحقير. وأوضح أن لا أحد في قيادة الجيش الإسرائيلي يثق بزميله وجميعهم معًا لا يقدرون عمير بيرتس. وجماهير الشعب ترى كل ذلك وتذوب خجلا.

ورأى هذا المعلق أنّ قضية العميد جال هيرش هي نموذج فقط على أن "قيادة الجيش موجودة في خضم عملية خطيرة من التفكك".

وختم قائلاً: "في الإجمال فإنه من أجل وضع حدّ لما يجري يتطلب الأمر عملية هائلة دراماتيكية تخرج الجيش من الصدمة. ومع مرور الوقت يتضح أكثر فأكثر أن هذه العملية هي استقالة وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان العامة بسبب أزمة عدم الثقة حيالهما وفيما بينهما وأساسًا داخل جهاز الأمن نفسه".

من ناحيته رأى أليكس فيشمان، المعلق العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، أنّ لجنة ألموغ فحصت ظاهريًا قصورًا موضعيًا. غير أنها عمليًا أخذت على عاتقها، دون أن يطلب منها أحد ذلك، أن تعكس بطريقة الميكروكوسموس مشاكل في الجيش كافة. لكن ذروة ما فعلته هذه اللجنة هو أنها أعادت إلى الأجندة العامة مسألة المسؤولية الحكومية. بمعنى أن الشخص المسؤول عن منطقة أو موضوع وفشل فيه فشلاً ذريعًا يتعيّن عليه أن يتحمل المسؤولية وأن يدفع الثمن. ولا شك أن نتائج لجنة التحقيق تقضم نفوذ رئيس هيئة الأركان العامة، هذا إذا أضفناها إلى مظهر إبداء عدم الثقة الذي انعكس من قرار وزير الدفاع، عمير بيرتس، بتجميد التعيينات التي أقرّها حالوتس في وقت سابق.

وتحت عنوان "إصبع اتهام للقيادة العليا" كتب المراسل العسكري لصحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، تعليقاً ذا أهمية ومغزى حول استقالة العميد جال هيرش، جاء فيه:

"حَلَّ هيرش (باستقالته) مشكلة كبيرة لرئيس هيئة الأركان العامة للجيش، دان حالوتس، على المدى الفوري، الآني، وخلق له، في جهة أخرى، مشكلة أشد خطورة على المدى البعيد. فكتاب الاستقالة الذي قدمه هيرش للجنرال حالوتس صباح الأحد، قبل نصف ساعة من بدء مناقشة استنتاجات طاقم التحقيق في قضية اختطاف الجنديين الإسرائيليين (على يد مقاتلي "حزب الله" في 12 تموز الماضي) أنقذ رئيس الأركان من ورطة في منتهى الصعوبة. وكان قرار حالوتس تعيين هيرش رئيساً لوحدة التخطيط الإستراتيجي قد أثار غضب وزير الدفاع، عمير بيرتس، الذي جمّد جولة التعيينات، فضلاً عن أنه (القرار) جاء مناقضاً لتوصية رئيس طاقم التحقيق، الجنرال احتياط دورون ألموغ، بإقالة هيرش من الجيش الإسرائيلي. من هنا فإن هيرش، باستقالته، يتيح للجنرال حالوتس تربيع الدائرة. فإذا اكتفى وزير الدفاع، عمير بيرتس، بهذه الاستقالة، وتخلى عن مطالبته باتخاذ إجراءات بحق القادة الثلاثة للألوية العسكرية الأخرى التي شاركت في الحرب على لبنان، فسوف يكون بالإمكان، ظاهرياً، جسر هوة الخلاف بين بيرتس وحالوتس.

"غير أن لخطوة (استقالة) هيرش معاني وأبعادًا أعمق بكثير. فاستقالته، التي تضاف للاستقالة السابقة التي أقدم عليها قائد المنطقة العسكرية الشمالية، الجنرال أودي آدم، تعني تواري المستويين القياديين الواقعين تحت رئيس الأركان، من الصورة. وبالمناسبة فإن كلا المستقيلين (آدم وهيرش) لا يقرّان بارتكاب أية أخطاء في إدارة الحرب. فكتاب استقالة هيرش يركّز على مسألة غياب الدعم من جانب قادته ويرسل إيحاءات عديدة تومئ بالذات إلى مسؤولية هيئة الأركان العامة عن التقصيرات (التي وقعت أثناء الحرب). والنتيجة أن خطوة رئيس هيئة الأركان العامة (أي التحقيقات التي أمر بإجرائها على مستوى الألوية العسكرية التي شاركت في الحرب) والتي تؤكد على مسؤولية قادة هذه الألوية، تكون بذلك قد استنفدت، وهذا يعيدنا بالتالي إلى السؤال الأصلي: هل يستطيع حالوتس، الذي لم يأخذ على عاتقه المسؤولية عن أخطاء الحرب ورَفَضَ الدعوات المطالبة باستقالته، أن يقرر من هو "المذنب" أو "غير المذنب" من القادة الخاضعين لإمرته؟! ومن الذي سيغادر الجيش ومن الذي سيسمح ببقائه؟! هل ما زال حالوتس يمتلك الصلاحية الأخلاقية والقيادية ليقرر في ذلك؟ لا نبالغ إذا ما افترضنا أن نصف جنرالات هيئة الأركان العامة يعتقدون أن الإجابة على هذه الأسئلة سلبية. أما في المستويات الوسيطة، مستوى قادة الألوية والكتائب العسكرية، فإن الإحباط وانعدام الثقة تجاه القيادة العليا، أشد بكثير.

"في هذه الأثناء فإن الجنرال الوحيد الذي يجرؤ على التطرق للأمر علناً هو إيال بن رؤوبين، نائب قائد المنطقة العسكرية الشمالية خلال الحرب، وذلك بكونه الآن في إجازة تسريح من الجيش الإسرائيلي وبالتالي غير متعلق بالجنرال حالوتس من أجل ترقيته. فقد أعرب "بن رؤوبين" يوم أول من أمس عن مساندته التامة لـ "هيرش" وقال إن إرغامه على الاستقالة هو ظلم وإجحاف كبيرين. وأوضح أن القادة هم مستوى محارب وبالتالي فهم معرضون دائماً لارتكاب أخطاء في الحروب، ولكن لا يجوز الحكم عليهم من خلال نفس المنظور النقدي الذي يُقاس به أداء هيئة الأركان العامة، مؤكداً أن العنوان الوحيد الذي يجب أن توجه له الاتهامات حول أية إخفاقات إستراتيجية في الحرب هو المستوى القيادي الأعلى فقط.

"غير أن رئيس هيئة الأركان (حالوتس) ما زال، كما يبدو، يأبى استخلاص العبر والاستنتاجات اللازمة. ففي النقاش الصاخب (للنتائج التي توصل إليها طاقم التحقيق برئاسة دورون ألموغ) الذي استغرق ست ساعات (من يوم الأحد) عارض حالوتس جميع استنتاجات طاقم التحقيق بشأن أداء هيئة الأركان العامة في الفترة السابقة لاختطاف الجنديين مكتفياً في الوقت ذاته بالموافقة على الإدعاءات التي تضمنها التقرير تجاه العميد جال هيرش.

"نتائج تحقيق طاقم ألموغ أشارت في هذا الصدد إلى وجود فجوة ضخمة لدى قائد لواء الجليل (91) هيرش، بين "الأفكار على الورق وبين تطبيقها الفعلي"، في إشارة إلى الاستعدادات التي أمر هيرش باتخاذها في لوائه تحسباً لعملية الاختطاف (قبل وقوعها). كذلك أشار تقرير الطاقم بأصابع اتهام لهيئة الأركان العامة التي لم تأخذ بالجدية الكافية تحذيرات شعبة الاستخبارات العسكرية (في كانون الأول من العام الماضي) بشأن عملية اختطاف محتملة لجنود إسرائيليين على الحدود الشمالية. توصية طاقم ألموغ ضد هيرش تنبع، فيما تنبع، من التفكير بأن الجيش يحتاج إلى صدمة وأن التحقيقات السابقة التي أجريت كانت متسامحة أكثر من اللازم. ولكن الاستنتاج المستشف، كما لو أن هيرش هو المذنب الوحيد في إخفاقات الحرب، يبدو مقنعاً بنفس درجة الإقناع التي ينطوي عليها استنتاج الجنرال مئير كليفي (الذي كُلف بتقصي الأسباب في مجزرة بيت حانون الأخيرة) ومؤداه أن خللاً في الرادار هو السبب الوحيد في قتل المدنيين في بيت حانون (؟!).

"هيرش من جهته يبدو واثقاً جداً بصحة موقفه ونجاحه في الحرب، لكن قسماً من قادته يعتقدون أن أداءه أثناء الحرب تخللته أخطاء...

"والسؤال: هل يتعين عليه أن يدفع الثمن وحده، بينما يبقى حالوتس متشبثاً بمنصبه، ومثله أيضاً، ويا للعجب، قائد سلاح البحرية، الجنرال دودو بن بعشاط، بعد أسبوع واحد من عرض نتائج التحقيق المريعة حول إصابة السفينة الحربية الإسرائيلية (خلال الحرب الأخيرة على لبنان)؟.

"يمكن القول إن الدوامة التي أعقبت الحرب ما زالت مستمرة. ولابد من القول مجدداً إن الجيش الإسرائيلي يمرّ بأزمة حادة، لن تنجح أية حملة تعقب أو تخويف لمسربي الأخبار، في إخفائها أو التستر عليها.

"هناك بُعد مأساوي في هذه النهاية لسيرة ضابط متفوّق جرى الحديث عنه ذات مرة كرئيس هيئة أركان مستقبلي للجيش الإسرائيلي. لقد وضع هيرش نفسه، باستقالته، في موقع الضحية. وقد تحدث هيرش كثيراً في الأيام الأخيرة عن أنه "أُلقي به إلى الكلاب" وأنهم جعلوا منه كبش فداء".