الأحزاب الإسرائيلية الكبرى تلائم برامجها مع فوز "حماس"

تزامن فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، مع انجاز الأحزاب الإسرائيلية الكبرى، المتنافسة على تولي الحكم، في الثامن والعشرين من الشهر القادم، آذار/ مارس، برامجها السياسية والإعلان عنها، مما اضطرها إلى سحبها وإجراء تعديلات فيها، رغم ان بعض الأحزاب تدعي أنها لم تجر أي تغيير، إلا أن خطابها السياسي طغى عليه المتغير الجديد على الساحة الفلسطينية، فبدلا من الحديث مطولا عن شروط مفاوضات الحل الدائم، فإن التركيز بات أكثر على تنفيذ مخططات أحادية الجانب وهي الفرضية التي كانت "الخيار الأخير" بالنسبة لحزبي "كديما" و"العمل". رغم ذلك فإن سلسلة من استطلاعات الرأي في الأسبوعين الماضيين في إسرائيل لم تظهر أي تحول جدي في الشارع الإسرائيلي جراء فوز حركة حماس، أو ظهور بوادر "حالة فزع"، كما كان متوقعا، رغم أن اليمين الإسرائيلي وعلى رأسه "الليكود" يحاول اللجوء الى حالة الترهيب في محاولة لقلب الموازين.

فقد دلّ آخر استطلاع لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، وللمرّة الثانية، على أن غالبية الإسرائيليين لا يرفضون احتمال إجراء مفاوضات مع حركة حماس، فقد قال 56% من المستطلعين إن على إسرائيل ان تنتظر كيفية تصرف حركة حماس قبل اتخاذ أي قرار بشأن المفاوضات مسبقا، وينضم الى هؤلاء 23% من المستطلعين الذين دعوا الى استمرار التحاور مع السلطة الفلسطينية حتى مع حكومة تقودها حماس، بمعنى أن لحوالي 80% لا توجد معارضة فورية لإجراء مفاوضات مع حركة حماس.

وكان استطلاع سابق لنفس الصحيفة قد دلّ على نتائج مشابهة، فقد قال 67% من المستطلعين إنهم يؤيدون مفاوضة حكومة فلسطينية تشارك فيها حماس، مقابل 28 يعارضون، فيما يوافق 48% من الإسرائيليين على مفاوضة حكومة فلسطينية تسيطر عليها وتقودها حماس، مقابل 43% يعارضون ذلك.

كذلك فإن جميع استطلاعات الرأي المعتمدة في كبرى وسائل الإعلام الإسرائيلية دلّت على انه حتى الآن فإن توزيعة المقاعد المتوقعة للكنيست الإسرائيلي، في الانتخابات القادمة التي ستجري بعد 49 يوما، لم تتغير في أعقاب فوز حركة حماس، ولا يزال حزب "كديما" يحتل الصدارة بحصوله على حوالي 42 مقعدا، مقابل حوالي 21 مقعدا لحزب "العمل"، وحتى 15 مقعدا لحزب "الليكود"، من أصل 120 مقعدا. كما أن توزيعة المقاعد لدى الأحزاب الصغيرة لم تتغير هي الأخرى، مع الإشارة الى اختفاء حزب شينوي، مع مقاعده الخمسة عشر عن الخارطة الحزبية، ولكن لا يزال بالإمكان القول إن هذه ليست الكلمة الأخيرة للنتائج المتوقعة، وان جميع الاحتمالات لا تزال مفتوحة، على ضوء التطورات المستقبلية، وخاصة الأمنية منها.

ونستعرض في ما يلي تعامل كبرى الأحزاب مع فوز حماس.

الليكود وسياسة الترهيب

نبدأ بحزب "الليكود" رغم انه الحزب الثالث من ناحية الحجم المتوقع له، ولكنه "الصارخ" الأكبر على الحلبة السياسية في أعقاب فوز حماس، اعتقادا منه ان هذا الفوز سيخلق حالة من الرهبة في الشارع الإسرائيلي تصب في نهاية الأمر لصالحه، لذلك فقد اتبع طريق الترهيب، وقام باستبدال شعاراته المركزية في الحملة الانتخابية لتتأقلم مع الوضع الناشئ.

تجدر الإشارة إلى أنه حتى قبل أسبوعين اعتمد الليكود شعارا مركزيًا يقول: "كديما نحو حدود 1967"، والترجمة الحرفية: إلى الأمام نحو حدود 1967، بمعنى أن حزب "كديما" سيقود في النهاية إلى الانسحاب لحدود 1967. وقد سحب الليكود هذا الشعار، الذي حسب مصادر الحزب لم يأت بثمار في الشارع الإسرائيلي. وينوي الليكود إتباع سلسلة من الشعارات ومنها: "الليكود أقوى أمام حماس" و"حقيقة: حماس هنا.. إيران هنا"، و"حماس دخلت إلى القدس" و"سياسة الانسحابات المجانية انهارت" و"الليكود ونتنياهو- هما أمنك".

وحسب مصادر إعلامية متخصصة، فإن الطاقمين الإستراتيجي والإعلامي يتوخيان من فوز حماس "إعادة الروح" لليكود، كما قيل، وأن هذا سيعيد الخطاب الانتخابي الى القضية السياسية الأمنية. ويقول رئيس طاقم "الردود" في حزب الليكود، النائب جلعاد أردان: "الآن بات بإمكاننا العودة الى الموضوع المركزي الذي خططنا منذ البداية التركيز عليه في حملتنا الانتخابية وهو الموضوع السياسي الأمني".

ويعتمد الليكود بذلك على أن خطاب الترهيب والتخويف يدفع الناس الى رمز القوة، وفي هذه المرحلة فإن رمز القوة بالنسبة للشارع الإسرائيلي هو لدى اليمين والجنرالات، لكن الليكود يخرج الآن في قائمة تخلو منها أسماء الجنرالات البارزين، الذين يرى المواطن الإسرائيلي فيهم قدرة على اتخاذ القرارات العسكرية، كما هي الحال بالنسبة لأسماء مثل اريئيل شارون وشاؤول موفاز، حتى الانتخابات السابقة، ولهذا فإن ما بقي لدى الليكود هو طرح المواقف المتشددة دون إقناع الجمهور بأنه قادر على اتخاذ القرار العسكري السياسي، وعلى ما يبدو ان هذا هو أحد أسباب عدم استفادة الليكود من فوز حماس استطلاعيا، على الرغم من استطلاع أخير للرأي دلّ على أن 32% من الجمهور في إسرائيل اعتبر ان الملف الأمني السياسي هو الأمر الحاسم في اختياره للحزب الذي سيصوت له، في حين أن 27% قالوا إن الموضوع الأهم بالنسبة إليهم هو الجانب الاقتصادي الاجتماعي.

إن التركيز على سياسة التخويف والترهيب التي اتبعها الليكود كان محط انتقاد وحتى سخرية لدى المحللين والبرامج التلفزيونية الساخرة، ومن بينها أبرز برنامج تلفزيوني سياسي ساخر "بلاد رائعة"، الذي تبثه القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي مساء كل جمعة، ووصل الأمر إلى حد ان الممثل الكوميدي الذي يقلد بنيامين نتنياهو زعيم الليكود، بدأ يصدر أصوات الذئاب، والستوديو معتم، لكي يزيد من ترهيب الناس، وهذه مواقف بسيطة للغاية، لكن لها بالغ التأثير في بلورة النقاش في الشارع الإسرائيلي.

"العمل"- محاولة تجاهل

كان رئيس حزب "العمل" عمير بيرتس، من أول السياسيين في إسرائيل الذين أطلقوا تعقيبا مباشرا على فوز حركة حماس، وكان رده الأول صباح يوم صدور نتائج الانتخابات الفلسطينية، هو رفضه لأي حوار مع حركة حماس والتفاوض معها، ولكنه في ساعات مساء نفس اليوم اتبع لهجة مخففة أكثر.

إلا أن حزب "العمل" وقادته يعلمون أنهم الخاسرون في أجواء الهيجان السياسي والأمني، وأمام الحملة التي شنها "الليكود"، فقد اختار حزب "العمل" تجاهل الوضع القائم والاستمرار في البرنامج الانتخابي المحدد سلفا، فقد عقد بعد ثلاثة أيام من صدور النتائج مؤتمرا صحافيا خصصه لرؤية الحزب في قضايا التربية والتعليم، وأعلن ان مرشحة الحزب لمنصب وزيرة التعليم هي النائبة يولي تمير.

إلا أن هذا التجاهل لم يكن مقنعا بالدرجة الكافية، حسب ما دلّت عليه استطلاعات الرأي، التي أعادت الحزب الى حالة الركود والاحتفاظ بمقاعده الواحد والعشرين كأفضل حال، وحتى خسارة مقعدين وثلاثة، وحينما أراد قادة الحزب التطرق إلى قضية فوز حماس فإنهم عمليا تبنوا الموقف الحكومي الرسمي الذي يقوده حزب "كديما" المنافس على السلطة.

ويقول حزب "العمل" إنه يجب الانتظار لرؤية كيف ستتصرف حماس مستقبلا، وأعلن قادته أنه لا حاجة لتغيير البرنامج السياسي، لأن البرنامج أصلا نص على أنه في حال تعثر المفاوضات فإن إسرائيل ستبادر إلى إجراءات انفرادية، وتفرض حدودها مع الضفة الغربية من جانب واحد.

كديما والمظلة الدولية

مع بدء ظهور النتائج للانتخابات الفلسطينية اختار رئيس الحكومة الإسرائيلية بالوكالة ايهود اولمرت التزام جانب الصمت، وفقط في الساعات الأخيرة من مساء يوم صدور النتائج أصدرت الحكومة بيانا وضعت فيه شروطا لأي تعامل مستقبلي مع حركة حماس، وهي الاعتراف بإسرائيل وشطب البند في ميثاق الحركة الداعي لإبادة إسرائيل ونزع سلاح الحركة، ولكن التأخر في إصدار بيان كهذا واجه حملة انتقادات بين السياسيين ولكن أيضا من وسائل الإعلام، وجاء في التحليلات أنه للمرّة الأولى يتأخر ديوان رئاسة الحكومة في التعقيب على تطور سياسي بهذا المستوى بهذا القدر من الساعات.

لكن لاحقا تم تسجيل هذا التأخر في إصدار الموقف كنقطة إيجابية لأولمرت بادعاء أنه يتجنب التسرع في إصدار موقف قد يضطر للتراجع عنه لاحقا، من جهة، ومن جهة أخرى فإن اولمرت حرص على إنشاء مظلة دولية للموقف الإسرائيلي. وإن تسارع ردود الفعل في الأوساط الدولية المقررة، المؤيدة نوعا ما للموقف الإسرائيلي، ساعد اولمرت مرّة أخرى في الظهور بالموقف "المسؤول" من وجهة نظر الشارع الإسرائيلي.

ولقد ظهر سعي الحكومة الإسرائيلية برئاسة اولمرت إلى إنشاء مظلة دولية في أول بيان صدر عن الحكومة، والذي جاء فيه "أن إسرائيل ستواصل التنسيق مع الأسرة الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة في بلورة الموقف من فوز حركة حماس"، وهذا التنسيق نجم عنه التهديد في إعاقة تحويل الأموال للسلطة الفلسطينية، وهو أيضا موقف مساند لموقف الحكومة الإسرائيلية.

وتشير استطلاعات الرأي إلى أن غالبية الجمهور تدعم الموقف الحكومي، وهذا أيضا لأن وسائل الإعلام الإسرائيلية ومحلليها دعموا الموقف الرسمي، بشبه إجماع، وقد ندر مثل هذا الإجماع في وسائل الإعلام الأساسية حول الموقف من سياسة الحكومة والحزب الذي يقودها.

وعمليا فإن موقف حزب "كديما" من فوز حركة حماس انعكس في المواقف الرسمية الصادرة عن الحكومة، ولم تكن أية حاجة لانفعال زائد على الحلبة الحزبية، وهو أيضا ما ساعد اولمرت على تخطي حقل ألغام آخر، في الحملة الانتخابية الجارية، وهو ما يسجل له نقاطا إضافية في هذه المعركة، وقد يثبت وضعيته الحالية في استطلاعات الرأي حتى يوم الانتخابات القادمة. وهذا ما يعزّز حالة التلعثم التي نشهدها في حزبي "الليكود" و"العمل" وحالة الانفعال الزائد أمام كل تطور سياسي، ومحاولة ترجمته لمكاسب حزبية في الحملة الجارية.