نتائج الحرب والفضائح المالية والأخلاقية تهدّد بتقصير أجل حكومة أولمرت رغم تراجعها عن خطة التجميع

من أسعد تلحمي

تهدد الرياح التي تعصف بالحكومة الإسرائيلية من الاتجاهات المختلفة بتقصير عمرها الفتي في ظل أجواء انعدام ثقة الإسرائيليين بها وهم الذين انتبهوا بعد اقل من خمسة اشهر على انتخابها أنهم سلموا مفاتيح القيادة لمبتدئين أغرار كشفت الحرب على لبنان عدم أهليتهم للمناصب الرفيعة، حسب ما كتب معظم المعلقين أمس 18/8/2006، فيما نادى بعضهم بإجراء انتخابات برلمانية جديدة «تأتي بقيادة حكيمة لا تتخذ قرارات مصيرية مثل إعلان الحرب خلال ساعات من دون التبصر في نتائجها المحتملة»، هذا عدا عن الفضائح المالية والأخلاقية التي تطاول عدداً من أقطاب الحكومة، والتي غدت في نظر الإسرائيليين قضية لا تقل تداعياتها على أجواء الاحباط التي تخيم عليهم جراء نتائج الحرب على لبنان، عن تداعيات الاخفاقات والقصور العسكري.

تراجع أولمرت عن خطة التجميع

وجديد المزاج المتذبذب في إسرائيل هو تراجع رئيس حكومتها ايهود أولمرت عن خطته لتجميع المستوطنات في الضفة الغربية والانسحاب من أجزاء منها، بعد أسبوعين فقط من اعلانه في «خطاب الانتصار» أن الانتصار في الحرب يتيح لإسرائيل تنفيذ خطة الانسحاب الأحادي من الضفة الغربية.

وأفادت «هآرتس» ان أولمرت، بعد أن صحا كما يبدو من «فكرة الانتصار» الذي يعترف الآن أنه لم يتحقق، وبعد أن راجع حساباته فتبين له أن خطته لا تحظى بتأييد حتى من حزبه «كديما»، أبلغ في الأيام القليلة الماضية وزراء في حكومته وأقطاباً في حزبه أن «خطة الانطواء» ليست على جدول أعمال الحكومة بداعي أن إعادة تأهيل منطقة شمال إسرائيل بعد الأضرار التي لحقت بها من صواريخ «حزب الله» هي على رأس سلم أولويات الحكومة، مضيفا أنه على رغم أهمية الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي إلا أنه ينبغي أن تركز الحكومة اهتمامها واستثماراتها في الجليل. وقال أحد وزراء «كديما» للصحيفة إن أقوال أولمرت تعني بوضوح أن «خطته الطموحة لانسحاب واسع أحادي الجانب من أراضي الضفة الغربية لن تطبق في المدى المنظور على الأقل».

وبرأي المعلق السياسي لصحيفة «هآرتس»، ألوف بن، فإن خطة أولمرت «ماتت في اليوم الذي عاد الجيش الإسرائيلي الى قطاع غزة بعد خطف الجندي غلعاد شليط، فيما الحرب على لبنان أقنعت أولمرت أنه من غير الممكن بيع الإسرائيليين انسحابا أحادي الجانب بعد أن تبين لهم أن المناطق التي أخلتها إسرائيل في لبنان وغزة تحولت الى قواعد لمنظمات إرهابية إسلامية وأوكاراً لإطلاق الصواريخ».

ورأى المعلق أنه من دون خطة تجميع المستوطنات التي انتخب أولمرت بناء عليها، فإنه الآن لا يملك شيئاً سياسياً حقيقياً، ما ينذر بانهيار حزب «كديما» الذي أقامه رئيس الحكومة السابق آريئيل شارون وحمل أجندة «الانسحابات الأحادية» التي وعد أولمرت ناخبيه بتنفيذها.

فضائح اقطاب «كديما»

لكن انهيار «كديما» واحتمال اختفائه من الساحة السياسية، كما حصل لحزب «شينوي»، يتعززان في نظر مراقبين حيال تكاثر لوائح الاتهام ضد عدد من أقطابه، وقد تطاول احداها أولمرت نفسه.

وتشغل فضيحة وزير العدل حاييم رامون الذي أعلن أنه سيستقيل من الحكومة بعد قرار المستشار القضائي للحكومة ميني مزوز تقديم لائحة اتهام ضده بـ «القيام بعمل مشين من دون موافقة (الطرف المعتدى عليه)»، بال أولمرت أكثر من غيرها من قضايا الفساد. فرامون الذي نشرت «معاريف» أمس رواية لشابة أخرى ادعت أنه تحرش بها جنسياً قبل ثلاث سنوات، يعتبر الساعد الأيمن لرئيس الحكومة وأكثر المتحمسين لخطته للانسحاب الأحادي و«محامي دفاع» سليط اللسان لأولمرت، وهذا بحاجة ماسة اليه ليكون الى جانبه ويصد عنه الضغوط المتعاظمة لتشكيل لجنة تحقيق رسمية في اخفاقات الحرب على لبنان.

وعدا فضيحة رامون، يجد أولمرت نفسه منشغلاً في كيفية نفي الشبهات عنه في ثلاث قضايا فساد: شراء فيللا بقيمة أقل من قيمتها الحقيقية لقاء قيام مقربيه بمنح تسهيلات غير قانونية للمقاول البائع، واستئجار بيت للسكن بأجر زهيد لقاء علاقات تجارية مشبوهة مع صاحب البيت الملياردير دانييل ابرامز، وتلقي اقلام فاخرة هدية من رجال أعمال.

أما نائبه شمعون بيريس، فيجري التحقيق معه في تلقي تبرعات غير قانونية أثناء معركته على زعامة حزب «العمل» (قبل أن ينتقل الى كديما) سيبت فيها المستشار الحكومي قريباً في تقديم لائحة اتهام من عدمه.

وثمة شبهات تحوم فوق رأس وزير المال ابراهام هرشزون، صديق أولمرت الشخصي، باستغلال منصبه السابق رئيساً لـ «منظمة العمال القومية» لتحويل ملايين الدولارات الى جمعيات يتعامل معها. ومن المقرر أن تبت النيابة العامة قريباً في ملف رئيس الائتلاف الحكومي النائب افيغدور يتسحاقي (كديما) المشبوه بحضه زوجين على اخفاء مبالغ كبيرة عن سلطة الضرائب.

وإذا كانت هذه الفضائح غير كفيلة بإلحاق ضربة مميتة بحزب «كديما» الذي يفتقر أصلاً الى مؤسسات تضمن ديمومته، فإن الشراكة الحكومية بين الحزب وحزب «العمل» تبدو الآن مهزوزة إذا تمرد نواب في «العمل» على زعيمه وزير الدفاع عمير بيرتس وتوعدوا بإطاحته في الانتخابات المقبلة لزعامة الحزب بعد تسعة اشهر على خلفية فشله في منصبه الحالي واتهامه بأنه فضّل حقيبة الدفاع على حقيبة المال لغايات شخصية، ما يحول دون تنفيذ برنامج «العمل» لاصلاحات اجتماعية واقتصادية وعد بها مصوتيه، ويبدو تحقيقها الآن مستحيلاً ازاء نية تقليص موازنات الوزارات المختلفة لمصلحة وزارة الدفاع لتعويض آلة الحرب الإسرائيلية ما خسرته في لبنان.