الجيش الإسرائيلي يطالب بميزانية 6ر7 مليار دولار إضافية

تطالب قيادة الجيش الإسرائيلي من خلال وزارة الدفاع، غداة الحرب على لبنان، بزيادة ميزانية الجيش خلال السنوات الثلاث القادمة بما يتراوح بين 6 إلى 6ر7 مليار دولار، علاوة على ميزانية الوزارة السنوية البالغة 2ر10 مليار دولار، يضاف إليها 2ر2 مليار دولار مساعدات عسكرية سنوية من الولايات المتحدة.

وكان الطلب الأول الذي أعلن عنه هو 7ر6 مليار دولار، وبعد البحث الأولي الذي جرى بمشاركة رئيس الحكومة، إيهود أولمرت ووزير الدفاع، عمير بيرتس ووزير المالية وقيادة الجيش، تقرر إقامة طاقم خاص يضم الجيش ووزارة المالية ومجلس الأمن القومي، لفحص تفاصيل الطلب، ونشر لاحقا أن المبلغ قد يهبط إلى حوالي 2ر5 مليار دولار، ولكن في مطلع الأسبوع الجاري عاد ليرتفع إلى 6ر7 مليار دولار.

وتقول الوزارة وقيادة الجيش إن الهدف من هذه الزيادة هو تغطية مصاريف الحرب على لبنان، والاستعداد لحروب مستقبلية. وقد قالت الأوساط المالية الإسرائيلية إن المصاريف العسكرية وحدها في الحرب على لبنان بلغت في حدود 454 مليون دولار، إلا أن المصادر العسكرية تزعم أن الزيادة المطلوبة تهدف إلى تجديد مخزون الأسلحة وشراء عتاد وآليات، بدلا من الذي تضرر أو تم تدميره في الحرب من قبل المقاومة اللبنانية، ومن بين ذلك عشرات المدرعات ودبابات "الميركفا"، التي تعتبر من أكثر الدبابات تطورا في العالم، وثلاث طائرات من نوع أباتشي، وسفينة لإطلاق الصواريخ، وغيرها من الآليات.

لكن الهدف الأبرز لهذه الزيادة، كما تقول التقارير الإسرائيلية، هو الاستعداد لحرب مستقبلية. وتقول مصادر عسكرية "إن على الجيش الاستعداد بسرعة قصوى لحرب إضافية"، دون أن تحدد وجهتها، ومن بين هذه الاستعدادات تطوير آليات تكنولوجية للتصدي لقذائف الكاتيوشا والقذائف الفلسطينية، إذ تجري إسرائيل منذ ستة أعوام سلسلة من التجارب على أنواع أسلحة ومعدات حربية للتصدي لهذا النوع من القذائف.

كذلك فإن أحد اتجاهات تجهيز الجيش "لحروب مستقبلية"، هو إيران، على ضوء قضية مشروعها النووي، فإسرائيل أبرمت في شهر تموز/ يوليو الماضي صفقة مع شركة ألمانية، لشراء غواصتين، من نوع "دولفين" طراز "يو 212"، من إنتاج شركة "هفالدتسفيركي- دوتش فيرت آي جي"، وستجهزان بنظام دفع يتيح لهما البقاء تحت المياه لفترة أطول مقارنة مع الغواصات التي تملكها إسرائيل حاليا، وحسب ما نشر فإن قيمة الغواصتين 27ر1 مليار دولار، على أن تتولى الحكومة الألمانية تمويل ثلث المبلغ.

والكثير من التجهيزات والصفقات التي يتم شراؤها في إسرائيل، في العام ونصف العام الأخيرين، ينسب إلى احتمالات المواجهة العسكرية مع إيران، إن كانت مواجهة مباشرة، أو على أثر مواجهة أميركية- إيرانية.

وتعتبر الزيادة المطلوبة رقما قياسيا في ميزانية الأمن (الدفاع) الإسرائيلية، فهي تشكل زيادة بنسبة 25% سنويا، لتصل إلى مستوى يفوق الحد الأقصى الذي وصلت إليه في العام 2003، إبان العدوان والاجتياح الواسع لمناطق الضفة الغربية.

وحسب تقديرات فعلية فإن 33% من ميزانية إسرائيل السنوية البالغة حوالي 63 مليار دولار يتم صرفها على الجيش والأذرع الأمنية والشرطة والاستخبارات والاحتلال والاستيطان، فيما تصرف نسبة مماثلة على تغطية الديون الداخلية والخارجية، التي تم صرف الجزء الأكبر منها أيضا على قضايا العسكرة.

ميزانية من دون رقابة

يأتي هذا الطلب، الذي يستبعد المراقبون ان يكون بقدرة الحكومة أو القدرات الاقتصادية الإسرائيلية التجاوب معه كليا، في ظل نقاش عاصف في إسرائيل ظهر في الأيام الأخيرة، حول حجم ميزانية وزارة الدفاع التي تصل إلى حدود عشرة مليارات دولار سنويا.

ويقول خبراء اقتصاد إسرائيليون إن ميزانية وزارة الدفاع ليست خاضعة للرقابة الفعلية، وإن هناك تبذيرا كبيرا في المصاريف العسكرية، خاصة على رواتب الجيش النظامي، وكثرة المعسكرات والمشاريع التكنولوجية التي تفشل وغيرها.

ويقول تقرير صحفي اقتصادي نشر في موقع "واينت" على الشبكة الالكترونية، والتابع لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، إنه يتم سنويا صرف 45 مليار شيكل (2ر10 مليار دولار)، في وزارة الدفاع من دون رقابة جدية، إن كان من خلال طاقم رقابة مستقل، أو من خلال البرلمان (الكنيست)، فاللجنة البرلمانية الخاصة المؤلفة من بضعة نواب من لجنة الخارجية والأمن، واللجنة المالية، ليست لديها صلاحيات رقابة فعلية، خاصة وأن القانون القائم يسمح لوزارة الدفاع بأن تجري تنقلات بين بنود الميزانية المختلفة، من دون قرار برلماني، إذا كان المبلغ لا يتجاوز 22 مليون دولار.

وما أثار النقاش حول مسألة الرقابة على الميزانية كان مزاعم في الجيش بأن تقليص ميزانية وزارة الدفاع في السنوات الماضية أضر بتجهيزات الجيش، وهذا ما رفضه بشدة المدير العام الأسبق لوزارة المالية، آفي بن بسات، الذي قال إن الجيش أعلن بوضوح أنه لم يستخدم سوى 20% من قدراته العسكرية، ما يعني أنه لا مكان لادعاء أن التجهيزات لم تكن كافية.

وتقول تقارير وزارة المالية إن ميزانية وزارة الدفاع للعام الحالي بلغت 5ر10 مليار دولار تقريبا، وهي تعتبر أعلى بثلاثة أضعاف من ميزانيات وزارات الدفاع في الدول الغربية، وهذا بمقارنة مع ميزانية الدفاع لكل دولة مع حجم الناتج القومي لديها.

وقال تقرير سابق للجنة رسمية، برئاسة بن بسات، فحصت شكل الصرف في ميزانية وزارة الدفاع، إن قطاع الصرف الأكبر هو على القوى العاملة في الجيش، وبشكل خاص الرواتب وشروط التقاعد لجنود الجيش النظامي، وهي أعلى بكثير من مستوى رواتب القطاع الخاص، إضافة إلى إعادة النظر في عدد من الوظائف المزدوجة في وزارة الدفاع وقيادة الجيش والوحدات المختلفة التي بالإمكان توحيدها وتقليص عدد الملاكات.

وأوصت اللجنة بتقليص فترة الخدمة العسكرية الإلزامية، وأن يقلص عدد أفراد الجيش النظامي في الجيش، كذلك أوصت اللجنة بإغلاق لا اقل من 40 معسكرا للجيش في جميع أنحاء البلاد، نظرا لكونها معسكرات زائدة ولا قيمة عسكرية أو أمنية لها.

وأوصت اللجنة باستخلاص العبر من سلسلة من المشاريع التكنولوجية التطويرية في مجال التسلح، التي تلاشت دون أن يسأل عنها أحد، ولم تفض إلى شيء، إضافة إلى شراء أسلحة باهظة الثمن كان بالإمكان الحصول عليها بشعر أرخص، كذلك فإن للجيش ممثليات في الخارج تكلف مجتمعة 43 مليون دولار، رغم أن كل أساليب شراء المعدات والأسلحة في الخارج تغيرت ولم تعد حاجة إلى هذا الحجم من الممثليات، كما جاء في التقرير.

من يدفع الفاتورة

إلا أن السؤال الذي ورد حال ظهور طلب قيادة الجيش لهذه الزيادة الضخمة في الميزانية، هو من سيدفع هذه الفاتورة؟. فالاقتصاد الإسرائيلي يخرج لتوه من فترة ركود اقتصادي لازمته أربع سنوات، ليخرج منها في أواخر العام 2004، ويشهد قفزات في النمو الاقتصادي في العامين 2005 والحالي 2006.

وبعد أن كان رئيس الحكومة أولمرت، ووزير المالية، أبراهام هيرشزون، قد أعلنا في بدايات الحرب على لبنان، أنه لا خوف على الاقتصاد الإسرائيلي من هزات، وهو اقتصاد متين، ويستطيع تحمل مصاريف هذه الحرب، إتضح في الأسبوعين الماضيين أن هذا الادعاء كان فقط لاحتياجات العلاقات العامة، ومنع أي هزة في الاقتصاد خلال الحرب.

فقد اضطرت حكومة أولمرت في الأسبوعين الماضيين لتقليص 454 مليون دولار من ميزانية الدولة العامة في العام الحالي من عدة وزارات، باستثناء وزارة الدفاع ووزارتي الصحة الرفاه، ولكن هذا القرار لم يمر بهذه السهولة، وقد تأخر إقراره أكثر من عشرة أيام بسبب أزمة ائتلافية تم تجاوزها، ولكنها مؤشر للصعوبات القادمة عند إقرار الميزانية للعام القادم 2007.

ومن المنتظر أن تبدأ الحكومة الإسرائيلية، في الأسبوعين القادمين، في بحث الإطار الأولي لميزانية إسرائيل للعام القادم، التي كان من المفترض ان ترتفع بنسبة 7ر1% مقارنة بميزانية العام الجاري، لتصل إلى 64 مليار دولار (عدد سكان إسرائيل سبعة ملايين نسمة)، إلا أن وزارة المالية أعلنت أنها ستضطر لتقليص 6ر1 مليار دولار من ميزانيات الوزارات المختلفة لتسديد نفقات وخسائر الحرب المباشرة، التي بلغت 95ر2 مليار دولار (للعسكرة والأضرار المدنية)، فيما بلغ اجمالي الخسائر الاقتصادية جراء الحرب، حسب تقديرات إسرائيلية، 4ر5 مليار دولار، بما في ذلك تراجع الناتج القومي بنسبة 5ر1%، وتراجع مدخولات الضرائب في فترة الحرب.

وقد أعلن "المقربون" من رئيس الحكومة أولمرت، بوضوح، أن هذه التقليصات ستجمد مخططات الحكومة لمكافحة ظاهرة الفقر، التي دل تقرير مؤسسة التأمين الوطني الذي صدر في الأسبوع الماضي على أنها اتسعت في إسرائيل، من 1ر24% من السكان في العام 2004، إلى 7ر24% في العام الماضي 2005.

وهذا يعني أن أولمرت سيواجه أزمة ائتلافية، حتى نهاية العام الجاري، على خلفية التقليصات المتوقعة، نظرا لكونها ستمس ببنود الرفاه والخدمات الاجتماعية، التي تطالب بزيادتها الكتل الثلاث الشريكة لحزب "كديما" في الحكومة، وهي كتل "العمل" بزعامة عمير بيرتس و"شاس" بزعامة إيلي يشاي، و"المتقاعدون".

ومنذ الآن أعلنت الكتل الثلاث أنها لن تقبل بضرب بنود الرفاه والخدمات الاجتماعية في الميزانية، وقد أعلن وزير الدفاع، عمير بيرتس، أنه لن يقبل بضرب الشرائح الفقيرة والضعيفة، وهذا على الرغم من أنه يتبنى طلب الجيش بزيادة ميزانيته في السنوات الثلاث بالمبالغ التي وردت في هذا التقرير.

من الواضح أن إسرائيل، ومن دون طلب الجيش المالي، عليها أن تسدد فاتورة الحرب، وهذا سيتطلب إعادة النظر في أولويات الحكومة الاقتصادية، التي حددتها مع بدء عملها في شهر أيار/ مايو الماضي، حين وعد أولمرت الشركاء في حكومته بإتباع سياسة اقتصادية أكثر مرونة مع الشرائح الفقيرة والضعيفة. ومن بين هذه الخطوات إعادة رفع مخصصات الأولاد، التي تم تقليصها في السنوات الخمس الماضية، فهذا البند لوحده سيثير أزمة مع كتلة "شاس" على وجه الخصوص، ولكنه أيضا سيصد الباب نهائيا أمام كتلة "يهدوت هتوراة" الدينية الأصولية الأشكنازية، للدخول إلى حكومة أولمرت وتوسيع قاعدتها البرلمانية بستة نواب آخرين.

حتى الآن اقتصر الحديث عن توجه إسرائيلي للإدارة الأميركية للمشاركة في تسديد فاتورة الحرب، على تقارير صحيفة، وتصريحات لمسؤولين "مجهولي الهوية"، واهتمت بعض وسائل الإعلام بنقل تصريحات أعضاء في الكونغرس الأميركي قالوا إنه في حال تقدمت إسرائيل بطلب دعم مالي فإنها ستجد آذانا صاغية، إلا أن إسرائيل الرسمية لم تعلن أي شيء حتى الآن في هذا الإطار.