إسرائيل تضم غور الأردن من الناحية الفعلية

"اتبعت إسرائيل في القطاع الشرقي من الضفة الغربية سياسة من التقييدات الشديدة على الحركة والتنقل، تقتصر على السكان الفلسطينيين، وهي سياسة تضم هذه المنطقة من الناحية الفعلية إلى إسرائيل". هذا ما يتضح من التحقيق الذي أجرته منظمة "بتسيلم" (مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة). وفي العموم، يحظر الجيش الإسرائيلي دخول الفلسطينيين إلى غور الأردن، ويتيح فقط للفلسطينيين المسجلين كمواطنين في الغور الوصول إليه. وأكدت المنظمة أن فصل الغور عن باقي مناطق الضفة الغربية يمس مساً خطيرا بحقوق الإنسان للكثير من السكان الفلسطينيين. ويتم تنفيذ سياسة فصل الأغوار دون اتخاذ قرار بهذا الشأن في الحكومة، وبدون اطلاع الجمهور العريض على ذلك.

ومما جاء في تقرير "بتسيلم" حول هذا الشأن:

يمتد القطاع الشرقي من الضفة الغربية على طول حوالي 120 كيلومترًا، من منطقة عين جدي على مقربة من البحر الميت في الجنوب، ولغاية الخط الأخضر، جنوبي بيسان شمالاً، بينما يصل عرض هذا القطاع إلى حوالي 15 كيلومترًا. ويعيش اليوم فوق هذه المساحة أكثر من 47 ألف فلسطيني، في حوالي عشرين بلدة ثابتة، بما في ذلك مدينة أريحا، وبضعة آلاف في بلدات مؤقتة.

منذ احتلال الضفة الغربية نظرت جميع حكومات إسرائيل إلى هذه المنطقة التي تضم غور الأردن، على أنها "الحدود الشرقية" لإسرائيل، وطمحت إلى ضمها إلى أراضي الدولة. ومن أجل تثبيت قدمها في المنطقة أقامت إسرائيل في الغور، منذ مطلع سنوات السبعينيات، 26 مستوطنة إلى جانب خمسة مواقع للناحل، يعيش فيها اليوم حوالي 7500 مواطن. وعلى مدار السنين تم الإعلان عن الغالبية العظمى من أراضي هذا القطاع على أنها أراض تابعة للدولة، وجرى ضمها إلى مناطق النفوذ التابعة للمجلسين الإقليميين "عرفوت هيردين" و"مجيلوت" اللذين تعمل في إطارهما معظم المستوطنات في المنطقة. وفي إطار اتفاقية أوسلو تم تعريف هذه المنطقة، باستثناء جيب يضم مدينة أريحا والمساحات التي تحيط بها، على أنها مناطق C، التي تسيطر عليها إسرائيل سيطرة تامة. وقد صرح مؤخراً القائم بأعمال رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، في مقابلة تلفزيونية بأن غور الأردن سيبقى تحت السيطرة الإسرائيلية في أية تسوية مستقبلية.

أما الجدار الفاصل الشرقي الذي خططت إسرائيل لبنائه على امتداد الحدود الغربية لغور الأردن، فقد أُلغي بسبب الانتقاد الدولي الشديد، وفي أعقاب القرار الصادر عن محكمة العدل العليا في حزيران 2004. ويتضح اليوم أن ما تم منع إسرائيل من تحقيقه بهذه الوسيلة، يتم تطبيقه بطريقة أخرى. ومنذ أشهر تطبق إسرائيل في غور الأردن سياسة قاسية من التقييد على حركة وتنقل السكان الفلسطينيين. وقد جاءت هذه السياسة لتحل محل الجدار الفاصل المُلغى والمشطوب. إن الوضع الذي أوجده الجيش الإسرائيلي مشابه على وجه التقريب بصورة تامة للوضع السائد في "منطقة التماس" الواقعة بين الجدار الفاصل والخط الأخضر.

من غربي غور الأردن ولغاية شمال البحر الميت أقامت إسرائيل خلال السنوات الأخيرة سبعة حواجز ثابتة، أربعة حواجز منها حول جيب أريحا. خلال العام 2005، شدد الجيش بصورة ملحوظة من التقييدات المفروضة على ممر الفلسطينيين في هذه الحواجز. وفي الرد على توجه بتسيلم الذي وصل في كانون الثاني 2006، أفاد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أن مرور الفلسطينيين عبر هذه الحواجز متاح فقط لسكان غور الأردن على أساس بطاقة الهوية بشرط أن يكون العنوان المسجل في بطاقة الهوية هو إحدى قرى الغور. أما باقي سكان الضفة الغربية، فإنه يُطلب منهم في هذه الحواجز إبراز ترخيص خاص يتم إصداره من قبل الإدارة المدنية. وبدون الترخيص، فإن الجيش الإسرائيلي يتيح المرور فقط في "الحالات الإنسانية". ولا يسري هذا المنع على دخول المواطنين من الضفة الغربية إلى مدينة أريحا، غير أن السفر من أريحا شمالا إلى باقي أجزاء الأغوار محظور على الفلسطينيين، ومن بينهم سكان أريحا أنفسهم، باستثناء حملة التراخيص. "الفلسطينيون الذين يتم إمساكهم في الأغوار بدون ترخيص"، كما يقول المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، "يتم تحويلهم إلى الشرطة".

وفي رده على بتسيلم، يُميز المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي بين "مناطق يهودا والسامرة" (الضفة الغربية) وبين "الأغوار". ويتضح من هذا التمييز أن إسرائيل لا ترى في الأغوار وحدة جغرافية واحدة مع باقي مناطق الضفة الغربية. وقد توجهت بتسيلم إلى المستشار القضائي للجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية من أجل استيضاح التأصيل القانوني لمثل هذا التمييز، وهل تم إصدار أية أوامر عسكرية لترتيب إغلاق مناطق أمام السكان الفلسطينيين واعتقال الفلسطينيين الذين يمكثون في هذه المناطق بدون ترخيص. لغاية اليوم لم نحصل على جواب على هذا التوجه.

إن فصل القطاع الشرقي عن باقي الضفة الغربية يمس بصورة قاسية بحقوق الإنسان لفلسطينيين كثيرين. إن الشارع رقم 90، الذي يشق المنطقة على امتدادها، كان يُستعمل في الماضي شارعاً رئيسيا بين شمالي الضفة الغربية وبين أريحا وجسر اللنبي، والذي يعمل فيه المعبر الوحيد بين الضفة الغربية وبين الأردن وباقي العالم. ومع انطلاقة الانتفاضة حظر الجيش الإسرائيلي سفر السيارات الخصوصية فوق هذا الشارع، غير أنه سمح لسيارات الأجرة والسيارات الخصوصية المزودة بترخيص بالاستمرار في السير فوقه. ومنذ إغلاق الأغوار خلال العام 2005، يتم تحويل مسالك سفر السيارات الخصوصية الفلسطينية إلى شوارع ثانوية، من خلال زيادة تكلفة السفر وإطالة مدته.

الفلسطينيون الذين يسكنون خارج الأغوار، ويمتلكون أراضي زراعية في مجالها، جرى فصلهم عن أراضيهم. وبخصوص هذه المجموعة السكانية، يقول المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: "لا يوجد إجراء تفصيلي... غير أن مرور هؤلاء متاح، مثل باقي سكان الصفة، على أساس التراخيص... طبقاً للإجراءات المحددة فيما يتعلق بهذا الموضوع". تجدر الإشارة إلى أنه لم يتم مطلقاً نشر هذه الإجراءات. ويتضح من التحقيق الذي أجرته بتسيلم أن الكثير من الفلسطينيين، ونتيجة لإغلاق الأغوار، فقدوا مصادر رزقهم، ممن يعيشون في القرى المحاذية للأغوار والذين اعتاشوا من العمل في الأراضي الزراعية.

يمنع الجيش الإسرائيلي سكان القرى الفلسطينية الواقعة شمالي جيب أريحا من استضافة أقاربهم وأصدقائهم الذين يعيشون خارج الأغوار وفي أريحا. إن تنظيم مناسبة كثيرة المشاركين، مثل حفل الزواج أو الجنازة، صار مهمة شبه مستحيلة. النساء اللاتي تزوجن من رجال يسكنون في الأغوار وانتقلن للعيش معهم في المنطقة دون أن يبدلن البند الخاص بالعنوان في بطاقة الهوية، لا يخرجن من منطقة القرى، خشية منعهن من العودة إلى بيوتهن. وقد توقف الكثير من مزودي الخدمات عن الوصول إلى هذه القرى.

البحر الميت كما هو معروف يُعتبر موقعاً للترفيه والاستجمام. إن الجزء الشمالي الشرقي من البحر الميت موجود في مساحة الضفة الغربية. غير أن هذه الشواطئ جرى فصلها عن باقي مناطق الضفة، بما في ذلك غور الأردن، ويحظر الجيش الإسرائيلي على الفلسطينيين زيارتها. كما أن البحر الميت يُعتبر مورداً اقتصاديا من الدرجة الأولى، في مجال الصناعات والسياحة، غير أنه بسبب التقييدات التي تفرضها إسرائيل منذ بداية الاحتلال، لم يتم مطلقاً استغلاله من قبل الفلسطينيين.

وفي الختام، فإن طبيعة السياسة التي تطبقها إسرائيل في القطاع الشرقي، إلى جانب تصريحات أصحاب المناصب الرفيعة حول هذه القضية، ترمز إلى أن الدافع من وراء سياسة إسرائيل من الناحية الفعلية ليس أمنيا- عسكريا بل سياسي: ضم هذه المنطقة من الناحية الفعلية لإسرائيل. إن هذا الضم، على غرار الضم الفعلي لمناطق واسعة أخرى تقع غربي الجدار الفاصل، يعتبر خرقاً صارخاً لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.