ذاكرة المشهد يوم الأرض

يعتبر يوم الأرض محطة فارقة في النضال الذي يخوضه الفلسطينيون في إسرائيل من أجل إحقاق حقوقهم الوطنية والإنسانية، على المستوى الفردي والجماعي، كونه يمثل الصراع الذي خاضه الشعب الفلسطيني من أجل حماية أرضه ووطنه من جهة، ويمثل ارتباط الأرض بحقوقه وكرامته الإنسانية، من جهة أخرى.

خلفية أحداث يوم الأرض تعود إلى يوم 30 آذار 1976، حين أعلنت الأقلية الفلسطينية، ممثلة بلجنة الدفاع عن الأراضي العربية، عن إضراب شامل احتجاجًا على مصادرة الأراضي في منطقة المل (تقع هذه الأرض ضمن مساحات القرى سخنين وعرابة ودير حنا، وتبلغ مساحتها 60 ألف دونم). وكان السبب من وراء إعلان الإضراب هو صدور قرارين للحكومة الإسرائيلية: الأول يتعلق بإغلاق منطقة المل (منطقة رقم 9) ومنع السكان العرب من دخول المنطقة في تاريخ 13 شباط 1976؛ والثاني يتعلق بصدور وثيقة متصرف لواء الشمال في وزارة الداخلية (وثيقة كيننغ) في 1 آذار 1976 كاقتراح لتهويد الجليل واتخاذ إجراءات سياسية إزاء معاملة الأقلية الفلسطينية في إسرائيل، من ضمنها مصادرة الأراضي العربية في تلك المنطقة.

بعد الدعوة لإعلان الإضراب، عمدت السلطة الى منع حدوثه وكسره عن طريق التهديد بقمع المظاهرات والعقاب الجماعي. ولم تحاول السلطة الالتفات الى الموضوع بجدية أكثر، بل سعت إلى إفشال الإضراب لما يحمل من دلالات تتعلق بسلوك الأقلية الفلسطينية كأقلية قومية حيال قضية وطنية ومدنية من الدرجة الأولى، ألا وهي قضية الأرض. فقد عقدت الحكومة اجتماعا استمر أربع ساعات، تقرر فيه تعزيز قوات الشرطة في القرى والمدن العربية للرد على الإضراب والمظاهرات. وقامت قيادة الهستدروت (نقابة العمال) بتحذير العمال وتهديدهم باتخاذ إجراءات انتقامية ضدهم، وقرر أرباب العمل في اجتماع لهم في حيفا طرد العمال العرب من عملهم إذا ما شاركوا في الإضراب العام في يوم الأرض. كذلك بعث المدير العام لوزارة المعارف بتهديد إلى المدارس العربية لمنعها من المشاركة في الإضراب.

بدأت الأحداث يوم 29 آذار 1976 بمظاهرة شعبية في قرية دير حنا، فقمعت هذه المظاهرات بالقوة. وعلى إثرها خرجت مظاهرة احتجاجية أخرى في عرابة، وكان الرد هنا أقوى حيث سقط خلالها الشهيد خير ياسين وعشرات الجرحى. وما لبث أن أدى خبر الاستشهاد الى اتساع دائرة المظاهرات والاحتجاج في كافة المناطق العربية في اليوم التالي. وخلال المواجهات في اليومين الأول والثاني سقط ستة شهداء وهم: خير ياسين (عرابة)؛ رجا أبو ريا (سخنين)؛ خضر خلايلة (سخنين)؛ خديجة شواهنة (سخنين)؛ محسن طه (كفركنا) ورأفت الزهيري (من مخيم نور شمس، استشهد في الطيبة).

ومنذ ذلك الحين، تحيي الأقلية الفلسطينية، سنوياً، يوم الأرض أحيانًا بإضراب عام ودائمًا بمظاهرات عدة. وفي 30 آذار 2006 أحيت الأقلية الفلسطينية الذكرى الثلاثين ليوم الأرض بمسيرات الى أضرحة الشهداء، بدأت في كفركنا ثم في سخنين وعرابة ودير حنا. وشارك في المسيرة رؤساء السلطات المحلية في البلدات الأربع وموظفو المجالس المحلية وجمهور كبير من المواطنين، الذين وضعوا أكاليل الورود على أضرحتهم الطاهرة.

غير أن المسيرة الرئيسية في يوم الأرض كانت في مدينة اللد، حيث شارك المئات من المواطنين العرب في المسيرة في تلك المدينة، التي تعرضت مؤخرًا إلى حملة مكثفة لهدم بيوت المواطنين العرب فيها.

الوجود العربي في مدينة اللد:

تطهير عرقي، أزمة سكن، هدم للبيوت بشكل مكثف وتشريد أحياء بكاملها

تقع مدينة اللد على أطراف السهل الساحلي. في العام 1948 تحوّلت إلى مدينة مختلطة، حيث أنه من بين 40 ألف مواطن فلسطيني عاشوا فيها، تبقى فقط ألف مواطن. وحتى سنة 2003 وصل عدد سكانها الى 74 ألف نسمة تقريبًا، 5ر72% يهود و 5ر27% عرب. ويعيش معظم السكان العرب في أحياء فقر، تعاني من غياب شروط مدينية وإنسانية أساسية ومن ارتفاع مستوى الجريمة والاتجار بالمخدرات.

وهذه الأحياء هي:

حي زيمر: يقع بالقرب من المحطة المركزية في مدينة اللد ويسكنه نحو ألف شخص. ويعاني الحي، شأنه شأن سائر الأحياء العربية في اللد، من نقص البنى التحتية ومن الازدحام في المسكن. وشهد هذا الحي هدم 6 منازل في غضون الثلاثة أشهر الأخيرة بحجة البناء غير المرخص وبادعاء ان الأرض زراعية ولا يحق البناء والسكن فيها. وكان هذا الحي مختلطا فيما مضى يسكنه اليهود والعرب، لكن في الفترة الأخيرة ترك السكان اليهود الحي وبقي فيه العرب فقط. وتوجه السكان العرب الى دائرة الأراضي الإسرائيلية لشراء قسائم البناء التي تركها السكان اليهود، غير ان دائرة الأراضي رفضت الأمر بشدة- كما يقول أحد سكان الحي- بادعاء أنه ستقام في الحي منطقة صناعية. وتعاني 7 بيوت في هذا الحي من خطر الهدم الفوري والمتوقع في كل لحظة.

حي المحطة: يسكن هذا الحي ما يزيد على 300 شخص ويطلق عليه حي المشايخ. البنى التحتية معدومة تماما في هذا الحي الذي تفيض في طرقاته مياه الصرف الصحي ويفتقر الى الإنارة والى أبسط مستلزمات الحياة اليومية. وتتذرع بلدية اللد بكون الحي مبنيا على أراض زراعية، علما ان حي برحوني أڤيڤ المجاور لهذا الحي تسكنه غالبية يهودية ثم كان مقاما هو الآخر على أراض زراعية غير ان البلدية حولته الى حي سكني ورفضت طلب الأهالي العرب بتخطيط حيهم وتحويل أرضه لقسائم بناء. وحالياً هناك 30 بيتا مهددة بالهدم في هذا الحي بشكل فوري.

حي سيمح: ويسكنه نحو 3 آلاف شخص جميعهم من العرب. ويعاني كذلك من انعدام البنى التحتية وعدم التخطيط لتطويره، علما أن 80 % من البيوت في هذا الحي مهددة بالهدم.

حي دهمش: بالإضافة الى معاناة بقية الأحياء العربية في اللد، فإن ما يميز معاناة حي دهمش أنه يقع بين مدينتي الرملة واللد وهو يتبع للمجلس الإقليمي عيمق لود ويتكون من 38 بيتاً، ويسكنه 500 شخص جميعهم من العرب. وقد هدمت السلطات مؤخرا 4 بيوت فيه وهناك 9 أوامر هدم جديدة والباقي ضمن الإجراءات القضائية. وكان المحامي خالد الزبارقة، الناطق بلسان اللجنة الشعبية في مدينة اللد (هيئة تمثل كافة الأطر الفاعلة والأحزاب على اختلافها في مدينة اللد، وتتولى إدارة الأمور وقيادة الجماهير العربية في المدينة. ولها تمثيل مصادق عليه من لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية)، حذر من مخطط السلطات الذي يرمي الى تهجير هذا الحي بالكامل وترحيل أهله منه بحجة أن المجلس الإقليمي عيمق لود يعتبر الأرض زراعية وان هناك مخططات لتطوير المنطقة وإقامة سكة حديد ومشاريع اقتصادية تربط مدينتي الرملة المجاورة واللد بسائر المدن المجاورة، علما ان هناك مساحة شاسعة وواسعة تحاذي حي دهمش غير ان المجلس الإقليمي عيمق لود قد جهز خطة لتطوير المنطقة على حساب الأراضي العربية هناك.

حي بيارة شنير: يقع على الحدود الغربية لمدينة اللد، بلغ عدد سكانه حتى سنة 2003 نحو 3 آلاف نسمة. وهو معروف كحي في ضائقة يعاني مشاكل كثيرة في كل مناحي الحياة تقريبًا، نتيجة لإهمال سنوات طويلة. كما أن الحي يعاني من غياب خطة لتنظيم البناء تستجيب للاحتياجات الأساسية للسكان ولو بحدها الأدنى. ونتيجة لذلك، وبسبب الاحتياجات المتزايدة للسكان، فإن معظم البناء في الحي غير منظم وتطور الحي بشكل طبيعي عشوائي، دون أدنى تنظيم ودون بنى تحتية ملائمة.

حي تعايش: تعاني نحو 50 عائلة عربية في هذا الحي من المضايقات ومحاولات الترحيل، بالرغم عن امتلاك هذه العائلات، مثل عائلة البحر وعائلة الوحواح وعائلة عيسى، مستندات طابو على هذه الأرض، فيما تقوم بلدية اللد بالتخطيط لتطوير الحي اليهودي چاني أڤيڤ المحاذي لحي التعايش على حساب الأراضي العربية.

ويعيش المواطنون العرب في مدينة اللد، في هذه الأيام، مراحل خطرة تهدد وجودهم فيها. ويتأتى ذلك من تصاعد وتيرة هدم البيوت العربية في المدينة، حيث تم هدم عشرة بيوت في غضون 3 أشهر بحجة البناء غير المرخص.

السيد محمد أبو شريقي، العضو العربي في بلدية اللد، وصف تلك الحملة بـ"الهجمة السلطوية" على الوجود العربي في مدينة اللد، حيث قال: "هناك 3 آلاف بيت عربي في مدينة اللد مهددة بالهدم منها 500 بيت مهددة بالهدم الفوري!! كما أن هناك ما يزيد عن 2500 بيت في مراحل الإجراءات القضائية ولا يمكن أن نسمي هذه الهجمة إلا بأنها محاولة تطهير عرقي للوجود العربي في مدينة اللد".