ندوة لمركز "مدار" حول نتائج الحرب على لبنان

بدعوة من المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار عقدت في رام الله، يوم السبت 2/9/2006، ندوة حول الحرب على لبنان شارك فيها عضو الكنيست العربي محمد بركة والكاتب أنطوان شلحت، من مركز "مدار" والباحث فادي نحاس.

وأدار الندوة المدير العام لمركز "مدار"، الدكتور مفيد قسوم. وحضرها جمهور كبير من الباحثين والمحللين السياسيين والمسؤولين في أجهزة السلطة الفلسطينية وفي عدد من الفصائل الفلسطينية.

وفي مداخلته دعا النائب محمد بركة، رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، إلى تقنين النشوة والتريث في تقديرات قدرات إسرائيل في أعقاب الحرب على لبنان، "لأن قوة إسرائيل على الإيذاء لا تزال مثبتة، وهذا ما قد نشهده مستقبلا في حال تبدلت القيادة، أو أن تقرر القيادة الحالية السعي لإثبات قدراتها".

وقال إنه إذا كان هناك من يعوّل على التحقيقات في إسرائيل حول مجريات الحرب، فالأمر الثابت هو أن من أهم استخلاصات هذه التحقيقات هو أن على إسرائيل أن تكون أكثر عدوانية في أكثر من مفهوم، فأي قيادة ستلي هذه القيادة ستبادر لمزيد من التصعيد في السعي لإثبات قوة إسرائيل.

وأشار بركة إلى ست نقاط كمعالم أساسية بعد الحرب على لبنان من ناحية إسرائيل، أولا: هناك نقاش داخلي في إسرائيل حول الأولويات الاستراتيجية، وهذا ما قرأناه أيضا لدى زئيف شيف، الذي قال في مقال له إنه آن الأوان لإحداث انقلاب في التفكير الاستراتيجي في إسرائيل، داعيا إلى أن لا تكون القضية الفلسطينية على رأس أولويات إسرائيل، وإنما المشروع النووي الإيراني، وهذا يشير إلى محاولات إسرائيل لاستبعاد أولويات القضية الفلسطينية كعنصر أساسي وأول للصراع في المنطقة. ثانيا: إن إسرائيل تعلن أنها أرادت من هذه الحرب على لبنان إعادة تأهيل قوة الردع لديها، التي تراجعت بعد الانسحاب من جنوب لبنان في أيار العام 2000، ولكن ما هو واضح أن إسرائيل لا تريد إعادة ترميم قوة ردعها أمام حزب الله وإنما أمام الفلسطينيين، وهي تريد من خلال العدوان على لبنان، ان تعرض مدى قدرتها على الإيذاء. ثالثًا: لأول مرّة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي هناك موقف عربي يجاهر بإدانة طرف عربي يواجه إسرائيل وهذا لم يحصل في السابق. رابعا: هناك من يعلن أن الحرب على لبنان ألغت ما يسمى بـ "خطة التجميع"، المبنية بالأساس على الاحتفاظ على أكثر ما يمكن من الأرض وأقل ما يمكن من الفلسطينيين، ولكن هذا ليس صحيحا، لأن هذه الخطة هي قيد التنفيذ ونحن نرى هذا من خلال مواصلة بناء جدار الفصل العنصري، وتوسيع الاستيطان في الكتل الاستيطانية. خامسا: إن أولويات الميزانية في إسرائيل ستتغير لتمول الميزانية والميزانيات القادمة خسائر ومصاريف الحرب على لبنان. سادسا: على الرغم من كل ما نسمعه حول الأزمة السياسية في إسرائيل فإن الحكومة الحالية لن تسقط، وبشكل خاص لن تسقط على خلفية الحرب على لبنان، وإذا ما سقطت بعد عام فإن هذا سيكون على خلفية فضائح الفساد.

وحول انعكاسات نتائج الحرب على لبنان على القضية الفلسطينية، قال بركة إن مستقبل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ليس محكوما بنتائج الحرب على لبنان، وإنما بمعطيات خاصة أخرى، وهي الأوضاع الداخلية على الساحتين الإسرائيلية والفلسطينية وموازين القوى في العالم.

وقال إن مواجهة إسرائيل تتطلب الإجابة على سؤال هام، وهو ما إذا كان الصراع في المنطقة هو صراع وجود، أم صراع تحرير، فإسرائيل تريد للصراع ان يكون صراع وجود للسعي إلى التخلص من أكثر ما يمكن من الفلسطينيين من وطنهم، والسيطرة على أكثر ما يمكن من الأرض.

وتابع بركة: بالنسبة للفلسطينيين يجب ان تكون هذه معركة تحرير، وليس التماشي مع التمنيات الإسرائيلية، يجب أن لا تكون لدينا مصلحة في عرض القضية كقضية وجود، فإقامة دولة فلسطينية وفق الحل التاريخي الذي أقره الشعب الفلسطيني يلقى تأييداً أكثر لدى الرأي العام العالمي.

الأوضاع السياسية والفشل العسكري

وقدم الصحافي والناقد أنطوان شلحت مداخلة حول الأوضاع السياسية في إسرائيل في أعقاب الحرب على لبنان. وقال إن الحكومة الإسرائيلية رضخت إلى مطالب الجيش، ولم تتصرف كحكومة مدنية، وليس الأمر بمستهجن فهذا هو النهج المتبع في حكومات إسرائيل باستثناء أربع حالات في تاريخ إسرائيل أقدم فيها رؤساء الحكومات على خطوات ذات طابع إستراتيجي خلافا لرأي قيادة الجيش في كل واحدة من هذه الحالات.

وتابع شلحت قائلا إن هذه الحالات الأربع كانت حينما قرر رئيس الحكومة مناحيم بيغن الانسحاب من صحراء سيناء المصرية، والحالة الثانية حينما قرر رئيس الحكومة إسحق رابين التوجه إلى مسار أوسلو، والثالثة حينما قرر رئيس الحكومة إيهود باراك الانسحاب من جنوب لبنان في أيار/ مايو العام 2000، والحالة الرابعة والأخيرة حتى الآن، حينما قرر رئيس الحكومة أريئيل شارون الانسحاب من داخل قطاع غزة.

وأشار شلحت إلى أن الأزمة السياسية الحاصلة في إسرائيل نابعة من أزمة الأيديولوجية الصهيونية، وانهيار الأيديولوجيات في إسرائيل، وهذا الأمر انعكس ليس فقط بعد ظهور نتائج الحرب على لبنان، وإنما في نتائج الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية الأخيرة، حين فاز حزب "كديما"، الذي لا رائحة له ولا لون، فهو يعلن أنه حزب وسط، ولكنه فعليا حزب يميني، وليس لديه موصفات أحزاب الوسط المعروفة.

وقال شلحت إن الساحة الإسرائيلية شعرت بخيبة أمل أميركية من الأداء الإسرائيلي العسكري في الحرب على لبنان، حيث كانت توقعات الولايات المتحدة أكبر بكثير من النتائج الحاصلة.

وحول الحلبة الحزبية والسياسية في إسرائيل قال شلحت إن نتائج الحرب والنقاش الصاخب الذي تلا الحرب ينعكس مباشرة على الأحزاب في إسرائيل، ولكن بشكل خاص على حزب "العمل" الذي يتخبط في مواقفه بسبب دور رئيس الحزب، وزير الدفاع عمير بيرتس، الذي هو أيضا بات يتقلب في مواقفه من تداعيات الحرب، والمثال الأبرز على هذا هو موقفه من إقامة لجنة التحقيق الرسمية، التي بات يؤيدها، رغم ان الوزراء السبعة من الحزب في الحكومة منقسمون في رأيهم بين مؤيد ومعارض.

كذلك فقد استبعد شلحت انهيارا سريعا للحكومة الحالية جراء نتائج الحرب.

وقدم الباحث فادي نحاس مداخلة حول الأداء العسكري الإسرائيلي في الحرب على لبنان، فقال إن فشل الهجوم العسكري الإسرائيلي ثبت منذ الساعات الأولى للحرب، ومنذ تلك اللحظة بدا واضحا تعثر الأداء العسكري الإسرائيلي.

وقال نحاس إن إسرائيل تفاجأت بالقوة العسكرية لدى حزب الله الذي اعتمد السرية في أدائه العسكري، ونجح في فرض معادلات جديدة في قوانين الحرب بين العرب وإسرائيل، بحيث أنه ضرب العمق الإسرائيلي بقدر ضرب إسرائيل للعمق اللبناني، بغض النظر عن حجم الضرر بين الجانبين.

كذلك فإن إسرائيل فشلت في حسم المعركة من الجو كما توهمت بداية، وفشل أيضا طابع الرد التقليدي لديها في حروبها ضد العرب، وكل هذا أدى إلى فشل إسرائيل في تحقيق أي من الأهداف التي وضعتها لنفسها في بداية الحرب.