إسرائيل تتراجع عن اعتبار الرئيس الفلسطيني "غير ذي شأن"

تراجعت إسرائيل، رسميا أمس الاثنين 27/2/2006، عن اعتبار الرئيس الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن) "غير ذي شأن"، وذلك بعد يوم واحد فقط من إشهار ذلك من جانب رئيس الحكومة بالوكالة إيهود أولمرت ووزيرة خارجيته تسيفي ليفني، في موقف أثار خلافا شديدا داخل حزب كديما وبين إسرائيل وكل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وتبدو أن الخشية التي عبر عنها المبعوث الاقتصادي جيمس وولفنسون من انهيار السلطة واقتصادها، دفع الرباعية الدولية إلى إعادة التأكيد على دور ابو مازن الذي بدأ جولة خليجية لتوفير دعم مالي لمنع إفلاس السلطة، فيما قرر الاتحاد الأوروبي صرف 120 مليون يورو لتسديد فواتير المحروقات الفلسطينية المستوردة من إسرائيل، ودعم نشاطات وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين، ودفع جزء من رواتب الموظفين الفلسطينيين.

ونقلت الإذاعة الإسرائيلية عن مصدر مسؤول في ديوان رئاسة الحكومة قوله إن "إسرائيل لا تعتبر رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس غير ذي شأن"، موضحا أن هذا الموقف يأتي لتوضيح تصريحات ليفني في هذا الشأن.

وأشار المصدر إلى أن إسرائيل تتوقع من أبو مازن أن يعمل على نزع سلاح حماس وفقا لما وعد به قبل الانتخابات الفلسطينية، موضحا أن ليفني قصدت في تصريحاتها أن حماس تولت السيطرة على البرلمان الفلسطيني وستتولى السيطرة قريبا على الحكومة الفلسطينية أيضا، مما
سيجعل من الرئيس الفلسطيني غير ذي شأن في الجانب الأكبر من التحركات الجارية على الساحة الفلسطينية. وأكد المصدر انه برغم ذلك، فإن ابو مازن لا يزال يمتلك القدرة على العمل لا سيما في ضوء بقاء قوات الأمن تحت سيطرته.

وجاء هذا التوضيح برغم إبلاغ كل من أولمرت ووزير دفاعه شاؤول موفاز، الموقف ذاته للمبعوث الأميركي ديفيد ولش. فقد كرر أولمرت أمام ولش ما سبق وقالته ليفني، قائلا "مع كل الاحترام لحلاوة اللسان، ليس لدينا تمييز اصطناعي بين أبو مازن وسلطة تسيطر عليها حماس، وهذا ما ينبغي فهمه والتشديد عليه" معتبرا أن أبو مازن "بات يمثل السلطة التي ترأسها حماس".

وأعلن أولمرت في مؤتمر انتخابي أمس أنه يأمل ألا يقدم ابو مازن على الاستقالة، موضحا ان لا خلاف بينه وبين ليفني حول تعبير "غير ذي شأن" بخصوص الرئيس الفلسطيني، ولكن أقوالها لم تفهم بالشكل الصحيح.

وقال أولمرت إن إسرائيل ستواصل "بذل كل جهد ممكن لمواصلة العملية السياسية" مضيفا "نحن نعرف أن الظروف ليست بسيطة، وان واقع ما بعد صعود حماس بات أكثر تعقيدا وأصعب مما كنا نتمنى. وإذا كانت هناك حاجة فبوسعنا هزيمة حماس. إن حماس لا تخيفنا ولا تهدد وجودنا. إن حماس عدو صعب، وإذا اضطررنا سوف نعرف كيف نحاربه عند الضرورة. سنواصل بذل الجهد لإحداث انقلاب سياسي، من أجل إقامة جيرة على أساس التفاهم". وتابع أن ما سوف يحسم مستقبل العملية السياسية هو السؤال: هل ستقوم حكومة حماس.

وحول الخلافات مع الإدارة الأميركية بشأن أبو مازن، قال أولمرت "بيننا وبين الولايات المتحدة تفاهم مطلق في الإستراتيجيا. وليس في ذلك أي ذرة سوء فهم أو خلاف. فالولايات المتحدة تقف بقوة وتعزز موقفنا، بعدم إجراء مفاوضات مع من لا يعلن بصوت جهوري أنه مستعد للاعتراف بحق إسرائيل في الوجود. والولايات المتحدة شريكة في مسعى تحقيق تقدم سياسي".

وإذا كان هذا حديث الشخصيتين الأولى والثالثة في قائمة كديما للكنيست، فإن موقف "الرجل الثاني" شمعون بيريس والإدارة الأميركية من أبو مازن مغاير لموقف أولمرت وليفني. وأصدر بيريس بيانا قال فيه إن على إسرائيل "مواصلة التحاور مع أبو مازن بوصفه المسؤول عن العلاقات الخارجية للفلسطينيين وهو الذي يملك القوة الدستورية للدعوة إلى إجراء استفتاء أو تبديل الحكومة".

أما الإدارة الأميركية، فتحاول التوضيح للإسرائيليين بأن أبو مازن قد يكون الملاذ لفكرة التسوية وأنه من دونه لا يمكن الحديث عن وجود شريك فلسطيني. ولذلك تصر الإدارة الأميركية أمام المسؤولين الإسرائيليين على وجوب الكف عن تجاهل أبو مازن والسعي لتعزيز قوته.

وفي الجانب الإسرائيلي، سعى زعيم حزب العمل عمير بيرتس إلى التقرب من الموقف الأميركي بإعلانه الرغبة في زيارة ابو مازن. ويأتي هذا الموقف في ظل رفض أولمرت السماح لبيريس أو لأي مسؤول إسرائيلي آخر بلقاء أبو مازن. وكان أحد زعماء حزب العمل أوفير بينيس قد اعتبر أن الخلافات الشديدة في الآراء داخل حزب كديما تمثل نموذجا لسياسة تفتقر للمسؤولية تضعف أبو مازن وقد تقود إلى استقالته، وتعزز بشكل طبيعي من قدرة حماس.

تجدر الإشارة إلى أن في المؤسسة الإسرائيلية ما يشبه الإجماع ضد ابو مازن. ويرى قادة سياسيون وعسكريون أن في التشدد حيال أبو مازن، فرصة لتأكيد انعدام الشريك وهي فرصة كانت تتمناها إسرائيل طويلا لترسيخ مبدأ الحلول من طرف واحد.

وكان وولفنسون قد رأى في رسالة أن الوضع في السلطة الفلسطينية يزداد تدهورا، وأنه إذا لم تجد الأسرة الدولية حلولا فإن الاقتصاد الفلسطيني سوف ينهار خلال أسبوعين. ودعا وولفنسون الحكومة الإسرائيلية الى البحث عن سبل تسليم السلطة أموال الجمارك والضرائب محذرا من إقامة أجهزة اقتصادية التفافية عن السلطة. وجاء في رسالة وولفنسون أن "وزير المالية الفلسطيني نبهني إلى ضرورة توافر ما بين 60 و80 مليون دولار اعتبارا من الأسبوع المقبل للبدء بدفع رواتب" الموظفين الرسميين، موضحا أنه "إذا لم تتم تسوية قضية هذه الرواتب، فقد يكون لذلك عواقب خطيرة ليس فقط على الاقتصاد وإنما أيضا على امن الفلسطينيين والإسرائيليين واستقرارهم".

(حلمي موسى)