مجلة "قضايا إسرائيلية"- عدد خاص عن الحرب على لبنان

رام الله: عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار"، صدر عدد خاص من فصلية "قضايا إسرائيلية" (العدد 23)، كرس معظم مواده لمتابعة مجريات ونتائج العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان، وما واكبه من مفاجآت، وما خلفه من حراك وتساؤلات على المستويات الإقليمية والدولية، وعلى الصعيد الداخلي الإسرائيلي، في محاولة لاستشراف ما قد تفرضه نتائج الحرب من تغيرات إستراتيجية وسياسية وعسكرية في المنطقة.

وكتب سلمان ناطور، مدير التحرير، في تقديمه للعدد الذي يقع في 128 صفحة:

"هذا العدد نكرسه لهذه الحرب ونحن ندرك تماما أنه لا يمكن نشر دراسات تحليلية وشاملة تكتب في خضم المعركة وتفتقد إلى النظرة الزمنية البعيدة التي توفر شمولية التحليل، ولكننا آثرنا عدم الانتظار لأن هذه الحرب أثارت كل الأسئلة حول طبيعة هذا الصراع، وفي أحيان هناك ضرورة أكاديمية لأن تكون جزءاً من السؤال قبل أن تكون جزءاً من الجواب، لأن السؤال الصحيح من شأنه أن يقود إلى الجواب الصحيح، وهذا ما نتوخاه من تكريس العدد للحرب".

في العدد مجموعة من الدراسات شملت الجوانب العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وعناصرها التي شاركت في هذه الحرب مجندة أو مستهدفة، والعلاقة بين هذا المجتمع وحكامه الذين يبدو أنهم تورطوا وورطوا غيرهم في اشتباك يعرف كيف بدأ ولا يعرف كيف ينتهي. وقد تناول جانبا منها الباحث فادي نحاس حيث كتب عن الأهداف المعلنة كما أقرتها حكومة إسرائيل، وفحص ماذا تحقق منها على الأرض ليصل إلى استنتاج واضح أنها لم تحقق أيا من هذه الأهداف، فلم تدمر الصواريخ الموجهة إلى إسرائيل ولم تقض على قياديي حزب الله ولم تتمكن من حماية شمال إسرائيل ولا إبعاد مقاتلي المقاومة إلى نهر الليطاني، وبالطبع لم تحرر الجنديين الأسيرين. انتهت الحرب على الجبهة اللبنانية لكن اشتعلت حرب الجنرالات في صفوف الجيش والسياسيين في مناصب الحكومة.

وما أن اندلعت هذه الحرب وبدأت في الأيام الأولى تخيب آمال الذين علقوا عليها آمالا، حتى بدأت تنطلق أصوات متضاربة ومرتبكة أصغى إليها الكاتب أنطوان شلحت فكتب عن تداعياتها السياسية عبر متابعة مواقف الإسرائيليين السياسيين والعسكريين، المحللين وأصحاب القرار، الذين كتبوا عن هذه الحرب أو أدلوا بتصريحات في مقابلات صحافية بين مؤيد ومعارض.

لا شك، وباعتراف الإسرائيليين أنفسهم، أن قوة الردع الإسرائيلية قد تلقت ضربة قاسية في هذه الحرب، ما دعا الباحث مهند مصطفى إلى دراسة الردع الإسرائيلي ومكوناته ومدى إصابته، وخلص إلى أن نتائج الحرب الأخيرة على لبنان خلخلت ما يسمى قوة الردع الإسرائيلية التي كانت بمثابة السلاح الأقوى في فرض تسويات ومخططات توسعية وعدوانية على المنطقة، مستغلة الضعف العربي عسكريا وسياسيا، وقد عززت إسرائيل هذه القوة بواسطة حروبها وعملياتها العدوانية من الوحدة 101 وحتى عملية عنتيبة وضرب المفاعل النووي في العراق وحتى الاحتلال الثاني للضفة الغربية في عملية "السور الواقي". ولا شك أن الجانب الاقتصادي يأتي بعد العسكري في قراءة نتائج الحرب وقد تابعه الباحث د. حسام جريس عبر مواكبة التقارير الأولى التي نشرتها مصادر إسرائيلية مطلعة تفيد أن التكاليف الشاملة للحرب بلغت حوالي 24 مليار شيكل، ويبدو أن هذا هو التقدير الأولي، فيوما بعد يوم ينكشف حجم الخسائر الإسرائيلية المادية في هذه الحرب التي دامت 33 يوما. واللافت للنظر في هذه الحرب تحول الرأي العام الإسرائيلي من مؤيد إلى مرتبك ثم إلى منتج لحركات الاحتجاج والمطالبات بالتحقيق والإقالة والعزل. على من يغضب الإسرائيليون؟ على حكومتهم؟ أم على جيشهم؟ أم على أنفسهم بعد هذه الهزيمة؟ د. جوني منصور يقرأ الإسرائيليين عبر صحافتهم ومنشوراتهم، ويؤكد أن الاحتجاج ما زال في بداية الطريق.

في حدود إسرائيل وشمالها الذي قصف دون توقف يعيش أيضا عرب فلسطينيون (أكثر من مليون فلسطيني) تعرض نصفهم إلى خطر القصف بصواريخ حزب الله وقد قتل 18 فلسطينيا جراء هذا القصف. كيف أثرت الحرب على هؤلاء الفلسطينيين؟ هل تأثرت هويتهم وانتماؤهم؟ بعد الحرب هل هم إسرائيليون أكثر أم اقل، كما توخى منهم الإسرائيليون؟ الإجابات في مقال للدكتور أسعد غانم.

ويختم هذا الملف الشامل د. دان ياهف بدراسة جديدة حول التجاوزات اللاأخلاقية للنظام في إسرائيل، وبعد ما كتبه عن طهارة السلاح وروح العسكرة يكتب هنا عن جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني من عام النكبة وحتى اليوم.

يتميز هذا العدد أيضا بتعدد الحوارات، فلأول مرة ينشر ثلاثة حوارات مع شخصيات فكرية وسياسية، إذ حاورت المجلة البروفيسور أفنير غلعادي، رئيس قسم تاريخ الشرق الأوسط في جامعة حيفا، وأحد المفكرين الإسرائيليين النشيطين في الجامعة وخارجها في النضال ضد الاحتلال والتمييز، وقد جرى الحوار معه في حيفا حينما كانت تنزل عليها الصواريخ وتقطع الحوار صفارات الإنذار. كذلك حاورت المجلة النائب العربي في الكنيست محمد بركة، رئيس قائمة الجبهة الديمقراطية في الكنيست، الذي كان من أبرز معارضي الحرب وقادة حركة الاحتجاج ضدها منذ أيامها الأولى. وفي الحوار الشامل معه يتحدث عن تقييمه للحرب ودوافعها ونتائجها وعن تأثيرها على المنطقة والعالم العربي وعلى السياسة الداخلية في إسرائيل وموقف العرب الفلسطينيين منها، وتأثيرها على هويتهم وسلوكهم السياسي.

والحوار الثالث أجراه الصحافي بلال ظاهر مع المحاضر في الشؤون العسكرية، الصحافي الإسرائيلي رؤوفين بدهتسور، حول الحرب من وجهة نظر خبير إسرائيلي، وهو يؤكد فشل هذه الحرب وارتكاب القيادتين العسكرية والسياسية أخطاء فاحشة في تقييمهما لقدرة حزب الله القتالية وكيفية إدارة المعركة، وما سينتج عن هذا الفشل من تأثير على المؤسسة العسكرية ومنظورها المستقبلي.

هذا كان ملف الحرب. ولكن هذه الحرب هي أيضا وليدة ظرف تاريخي سياسي سبقها كان أبرز ما فيه انتخابات الكنيست في نهاية شباط. د. ليف غرينبرغ كتب دراسته للانتخابات وأرسلها إلى المحرر قبل نشوب الحرب، وليس فيها أي مؤشر إلى حرب على الأبواب، لكنه يدرس المرحلة التي تم فيها التخطيط لهذه الحرب بعد نتائج الانتخابات التي جرت في أواخر شباط 2006، وفيها يستخلص الكاتب أن حكومة إسرائيل، أية حكومة، إذا لم تجنح إلى السلم والديمقراطية وتحدد حدود إسرائيل في ما كان قبل الـ 67 فإن العنف سيكون هو سيد الموقف.

ويضم العدد أخيرا مقالا للدكتور رون كوزري، اللغوي في جامعة حيفا في قسم اللغة والآداب الإنجليزية، يتناول الحوار اللغوي والسياسي حول "إحياء العبرية"، والخلفيات الأكاديمية والأيديولوجية التي رفعت الظاهرة إلى مستوى المقدس. هذا المقال خارج عن الحرب ولكنه داخل في الثقافة الإسرائيلية التي تخصص لها في كل عدد صفحات المكتبة وتستعرض ما تقدمه المطابع الإسرائيلية لقارئها.