صدمة في إسرائيل من فوز حماس

أدخل فوز «حركة المقاومة الإسلامية» (حماس) في الانتخابات التشريعية الفلسطينية إسرائيل إلى حال طوارئ سياسية، فضلاً عن الجهوزية الأمنية التي أعلنتها. وتجلت الصدمة والارتباك بإصدار القائم بأعمال رئيس الحكومة إيهود أولمرت تعليماته إلى وزرائه وقادة الأجهزة الأمنية بعدم النطق قبل جلسة المشاورات العاجلة التي عقدها مساء أمس (26/1/2006)، فيما راح أقطاب اليمين يهاجمون خطة فك الارتباط وعدم قيام أولمرت بمنع إجراء الانتخابات الفلسطينية لمشاركة الحركة الإسلامية فيها. ولم يتردد خبراء ومحللون في تقريع شعبة الاستخبارات العسكرية على خلفية ما وصفوه بعجزها عن توقع النتائج، وبالتالي عدم الاستعداد المتوجب للرد على فوز «حماس».

وفتحت إذاعة الجيش الإسرائيلي برنامجها الاخباري الرئيسي بالقول: «إسرائيل تصاب بصدمة. إنها في ارتباك وبلبلة لأنها لم تستعد كما ينبغي ولم تبلور خطواتها المستقبلية وقد كان أمامها متسع من الوقت». وأضافت ان استعجال أولمرت باستدعاء وزيري الدفاع والخارجية شاؤول موفاز وتسيبي ليفني ورؤساء المخابرات وقادة الجيش الى جلسة مشاورات، تعكس الارتباك الحاصل جراء القنبلة أو الهزة من العيار الثقيل التي فجرها فوز «حماس»، إذ «ليس لدى هذه الحكومة سياسة واضحة لا في المستوى التكتيكي ولا الاستراتيجي. إنها لا تفقه ما عليها فعله الآن». وتابعت إن النتائج لم تصدم إسرائيل فحسب، إنما أيضاً وجهت صفعة الى الولايات المتحدة التي ظنت أن الديمقراطية المنشودة ستدفع برئيس السلطة الفلسطينية الى تفكيك البنى التحتية لحركة «حماس» لكن «يبدو الآن أن حماس هي التي فككت سلطة أبو مازن».

وعلى رغم الصمت الرسمي، نقلت الإذاعة العبرية الرسمية عن «مصادر سياسية رفيعة» قولها إن نتائج الانتخابات «جاءت بدولة فلسطينية إرهابية خلف الباب، ما يحتم رداً مدروساً وصعباً». وكررت تأكيد إسرائيل على أنها لن تجري مفاوضات مع «تنظيمات إرهابية»، وان المشكلة باتت في الدرجة الأولى مشكلة الفلسطينيين أنفسهم الذين اختاروا «حماس» وعليهم الآن مواجهة ضائقة مالية كبرى ستنجم عن وقف الدعم المالي للسلطة، وهذا ما ستقوم إسرائيل بالدعوة اليه من خلال علاقاتها مع الولايات المتحدة وأوروبا، وهو ما أعلنه بوضوح القطب الثاني في حزب «كديما» الحاكم شمعون بيريس.

وأعلن زعيم حزب «العمل» عمير بيرتس، الذي عقد اجتماعاً طارئاً بحضور جنرالات حزبه، أن «العمل» لا يعتزم قط التفاوض مع منظمة تبغي القضاء على إسرائيل، و «لن نفاوض منظمة إرهابية. حماس ليست العنوان ووفقاً لبرنامجها، فإنها تزعزع استقرار» المنطقة.

من جهته، قال وزير الدفاع السابق بنيامين بن اليعيزر إنه يفضل الانتظار الى حين اتضاح الصورة وأبعاد النتائج، مشيراً الى أن الدستور الفلسطيني لا يلزم بمنح الكتلة الأكبر في المجلس التشريعي حق تشكيل الحكومة.

ورأى زعيم حزب «ياحد» اليساري يوسي بيلين، أن انسحاب إسرائيل من قطاع غزة بشكل أحادي الجانب من دون التنسيق مع السلطة، أضعف الأخيرة وعزز قوة «حماس». وزاد اأنه ما زالت إمكانية التوصل الى تسوية مع جهات معتدلة في السلطة قائمة.

وشن أقطاب اليمين المتشدد من جهتهم هجوماً على سياسة الحكومة الاسرائيلية وأصدر حزب «ليكود» بياناً اعتبر فيه ان فوز «حماس» هو «نتيجة مباشرة للانسحاب من غزة ولتفسير الفلسطينيين له بأن الارهاب والعنف هما الطريق لتحقيق أهداف سياسية». وأضاف البيان ان اولمرت وحزبه «كديما» «يقيمان دولة ارهابية حماسية ستكون ذراعاً ايرانية، وهذا على بعد كيلومترات معدودة من وسط اسرائيل». واتهم البيان «كديما» بانتهاج سياسة تدل على «عمى تام في رؤية الواقع».

وقال رئيس لجنة الخارجية والأمن البرلمانية يوفال شطاينتس ان اسرائيل ارتكبت خطأ فادحاً حين أتاحت اجراء الانتخابات «وفشلت فشلاً تراجيدياً في حربها ضد حماس». وأضاف انه كان ممكناً منع اجراء الانتخابات حتى بثمن صدام مع واشنطن «لكن أولمرت أدخل حماس الى القدس، تحت وطأة الضغوط الدولية وقاد بذلك اسرائيل الى أسفل درك في تاريخها».

ورأى أقطاب حزب المتدينين «مفدال» ان الفلسطينيين اقروا بتصويتهم ان «إرهاب الانتحاريين وقذائف القسام أخضعا حكومة ارييل شارون حين اقتلعت هذه المستوطنين من قطاع غزة».

الى ذلك افادت الاذاعة الاسرائيلية ان قوات جيش الاحتلال عززت جهوزيتها لمواجهة أي طارئ واحتمال ان تعم الفوضى في مسيرات النصر المتوقع ان تنظمها «حماس» وانها تأخذ في الحسبان حصول مواجهة بين أجهزة الأمن الفلسطينية المحسوب أفرادها على «فتح» والمحتفلين من «حماس».

وعقد زعيم ليكود بنيامين نتنياهو اجتماعاً عاجلاً لنواب الحزب في الكنيست قال فيه ان الحديث يدور عن حدث مهم تمخض عن اقامة دولة اسلامية متطرفة أيادي قادتها ملطخة بالدم «انه يوم حساب مع النفس، العنوان كان على الحائط. الانسحابات المجانية من قطاع غزة وشمال الضفة منحت حماس ورقة رابحة». وتابع: «حصل اليوم حدث بالغ الأهمية. أمام ناظرنا قامت دولة حماستان، تابعة لايران على بعد 1000 متر منا. على بعد خطوات من مطار تل ابيب ومن القدس ووسط إسرائيل». وقال نتنياهو محذراً ان فوز «حماس» لن يقودها الى الاعتدال: هذا النمر لن يغير جلده المرقط. هذا (الاعتدال) ما ادعاه آيات الله حين استولوا على ايران.

كتب كبير المحللين السياسيين في جريدة «هآرتس» الإسرائيلية ألوف بن تحت عنوان «نتائج الانتخابات في السلطة تقبر احتمال التسوية، وتنعش صيغة الـ «لا يوجد شريك» وتعزز الإجراءات أحادية الجانب»، أن القائم بأعمال رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت قد «تورّط الآن في أزمة حقيقية، إذ أنه يقف أمام الخيار بين خيارات سيئة وأخرى أكثر سوءاً. فإذا ما أبدى بوادر اعتدال أو لين في ما يتعلق بفوز «حماس» في الانتخابات، فإن ذلك يكفي لخصمه السياسي زعيم «ليكود» بنيامين نتنياهو، الذي يستطيع أن يعزّز منذ الآن حملة ليكود الانتخابية بالقول إن فك الارتباط كان بمثابة جائزة لـ «حماس». من جهة أخرى، إذا ما هدّد بقطع العلاقات مع الفلسطينيين، والمقاطعة، وحجز الأموال وخطوات عقابية أخرى، فإنه سيجد نفسه تدريجياً أمام ضغوط دولية متصاعدة لاحترام نتائج الانتخابات الديمقراطية الشرعية، ولمنع انهيار الخدمات الاجتماعية والجماهيرية في السلطة».

وفيما يذهب معلقون الى الاعتقاد بأن انتصار «حماس» هو انتصار للإرهاب، كما اعتبره يمينيون كثيرون تشدّقوا بتحليلاتهم عبر القنوات الاعلامية، فإن المعلق بن يعتقد أن في انتصار «حماس» خيراً لأولمرت ولحزب «كديما»، لأن هذا الفوز، برأيه، «يعزّز موقف كديما، إذ أنه يدفن، في الأمد المنظور، أية إمكانية لإجراء مفاوضات على التسوية النهائية. وهو، لذلك، يعزّز مقولة كديما انه «لا شريك» التي يبقى البديل أمام إسرائيل، بموجبها، تحديد الحدود من طرف واحد».

وعلى المستوى الدولي، يمضي بن: «فإن الرئيس جورج بوش أصر على إجراء الانتخابات، وفضّل تطوير الديمقراطية في العالم العربي على الحرب ضد الإرهاب. النتيجة تثبت صدق الموقف الإسرائيلي الذي حذّر الأميركيين من أن حرية الانتخاب في العالم العربي ستأتي بحركات إسلامية متطرفة الى الحكم، وليس ليبراليين. وقد أدرك الأميركيون أن من الممكن فعلاً حتى في شبه دولة عربية إجراء انتخابات مع منافسة حقيقية وتبادل السلطة. لكن سيكون عليهم الآن أن يتعاملوا مع اسقاطات انتخاب جسم معاد يؤيّد وينتهج الارهاب». لكن بن يدرك أنهم في أوروبا يطالبون بـ « فحص حماس من جديد بموجب ممارساتها في الحكم، وإذا ما استمر وقف النار، فإن الضغط من هذه الجهة (الأوروبية) على إسرائيل سيقوى للاعتراف بالحاكمين الجدد في السلطة، ولإجراء مفاوضات معهم».

وخلص بن الى النتيجة ان «النتائج الحقيقية» للانتخابات ستتضح في كل الأحوال «في ممارسات حماس في المستقبل القريب - هل تجدّد العمليات الانتحارية، أم ستلتزم طريقها الجديدة، السياسية».