انتخابيات- معارضة يمينية آخذة بالتبلور في كديما

ما إن سقط رئيس الحكومة الإسرائيلية، أريئيل شارون، على فراش المرض مساء يوم الرابع من الشهر الجاري، وما أعقب ذلك من هزّة سياسية في داخل إسرائيل، حتى أدركت كبار الشخصيات السياسية التي أودعت كل تاريخها السياسي والعسكري وهيبتها أمام الشارع في حضن شارون، أنها تقف مجتمعة على بساط واحد، وأنه في حالة أي هزّة أخرى فسيقعون جميعا، واختاروا سياسة التوفيق وعدم تعميق الخلافات في ما بينهم، خاصة على "الخلافة"، ومواصلة "المسيرة"، وحتى الآن يظهر وكأنهم تجاوزوا امتحان القبول، تاركين الكثير من الخلافات للمستقبل، ولكن بوادرها أصبحت ظاهرة منذ الآن.

فقد وقع شارون بعد أيام قليلة جدا من حل خلاف بين الوزيرين إيهود أولمرت وتسيبي ليفني، حول المكان الثاني في الحزب الجديد "كديما" في قائمته للانتخابات البرلمانية، وقد حسمها شارون، صاحب القرار، بتعيين أولمرت ثانيا وتسيبي ليفني ثالثة، ولم يخش شارون من تعيين شمعون بيريس سابعا، دون تقديم أي ضمان لحصوله على حقيبة وزارية رفيعة، مثل الخارجية، التي على ما يبدو خصصها شارون قبل مرضه لليفني.

وبعد سقوط شارون بثلاثة أيام، وحينما تأكد أن لا رجعة لشارون إلى الحلبة السياسية على الأقل، طرح سؤال سريع حول من سيخلفه في زعامة الحزب ورئاسة الحكومة، ولم يقتصر الجدل على أولمرت وليفني، بل أطلّ عليهم أيضا بيريس، الذي اعتبر أن الموازين تغيّرت، وما كان يصح في عهد شارون لا يصح في عهد أولمرت.

ومن منطلق أن الشخصيات الكبيرة عرفت أن مصيرها بات على كف عفريت، في حال أصرت على تعميق الخلافات، جاء الحل سريعا "بمبايعة" أولمرت خليفة لشارون، على أن يحتل المقعد الثاني شمعون بيريس، لئلا يعود إلى حزبه "العمل" والمقعد الثالث لليفني، على أن تكون ليفني هي الشخص الثاني في الحكومة التي قد يشكلها أولمرت بعد الانتخابات بحصولها على حقيبة الخارجية، التي تسلمتها منذ الآن بعد استقالة الليكودي سيلفان شالوم، أما بيريس فقد يكتفي بمواصلة إدارة المشروع العنصري لتهويد منطقتي الجليل والنقب.

وقبل الدخول في الجانب السياسي سبقت هنا بعض العبارات مثل "الخلافة" و"المبايعة"، وهذا عمليا واقع الحال في حزب "كديما" الذي لا يزال يفتقر لمؤسسات وقيادات منتخبة، وكل شؤونه تدار من خلال المشاورات بين من انضموا منذ البداية لشارون لدى إعلانه تأسيس الحزب، ولهذا سنرى في الأيام القليلة القادمة أن القرار النهائي في تشكيل القائمة سيكون بيد أولمرت، بعد أن يجري مشاورات مع زملائه، الذين "منحوه" من منطلق "اللامفر" امتيازات شارون، "صاحب الحزب"، ولا يبدو أنه سيكون حرجا في هذه التشكيلة في هذه المرحلة، كون أن استطلاعات الرأي تمنح "كديما" أكثر من 40 مقعدا، وهو أكثر من ضعفي عدد الشخصيات الأساسية في الحزب، التي اتسعت لها المقاعد لعشرة الأولى.

برنامج أولمرت السياسي

يطرح رئيس الحكومة بالوكالة، أيهود أولمرت، هذا الأسبوع على مؤتمر هرتسليا الإستراتيجي الخطوط العريضة لبرنامجه وبرنامج "كديما" السياسي. وحسب ما نشر في وسائل الإعلام، فإن أولمرت سيركز في خطابه على "الثوابت" الثلاثة التي وضعها شارون، وتحولت إلى إجماع صهيوني جديد، وهي: رفض حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى مناطق 1948، وبقاء القدس موحدة عاصمة لإسرائيل، والاحتفاظ بالكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية وضمها لإسرائيل.

ومعروف أن الحزبين الآخرين المنافسين على الحكم، "العمل" و"الليكود"، يوافقان على هذه النقاط الثلاث، ويبقى الجدل في تعريف النقطتين الأخيرتين، وهما "حدود القدس الموحدة" وما إذا ستشمل الأحياء والضواحي العربية، وتحديد حجم الكتل الاستيطانية. وحتى الآن لم يعرض أي من الأحزاب الثلاثة خرائطه في هذا المجال، ورغم ذلك هناك تباينات في التصريحات، فمثلا يعلن زعيم الليكود بنيامين نتنياهو أنه يريد تغيير مسار جدار الفصل العنصري في اتجاه الشرق لاقتطاع أراض أكثر من الضفة الغربية، وفي المقابل يوضح زعيم "العمل" عمير بيرتس، من خلال مقربيه، أنه يريد "الانسحاب" من الأحياء العربية في القدس المحتلة.

ومحور النقاش الثاني بين الأحزاب الكبرى هو الإقدام على خطة أخرى أحادية الجانب، وفي هذا المجال هناك عدة صياغات بين رفض وتأييد في حال عدم وجود "شريك فلسطيني" من وجهة نظرهم.

وفي الأيام الأخيرة بدأ أولمرت بالتصريح حول رفضه لخطوة أخرى أحادية الجانب واشتراط التقدم بالعملية السياسية بتنفيذ الالتزامات الأمنية الفلسطينية بموجب خطة خريطة الطريق.

ويقول المحلل السياسي في صحيفة "هآرتس"، ألوف بن، إن أولمرت "تحدث قبل عامين عن انسحاب أحادي الجانب من الضفة الغربية، إلى الخط الجغرافي الذي يسمح لإسرائيل بأغلبية ديمغرافية بنسبة 80% لليهود مقابل 20% للعرب"، والنسبة التي يتحدث عنها ألوف بن بالإمكان الاحتفاظ بها أيضا من خلال الإبقاء على احتلال القدس الشرقية، كما أن هذا لا يعني انسحاب إسرائيل من الكتل الاستيطانية الكبرى.

ويضيف بن في مقالته "إن أولمرت يؤيد خروج إسرائيل من الأحياء والضواحي العربية في القدس المحتلة، وإلا فإنها ستتعرض لعزلة دولية، ولأغلبية عربية من البحر المتوسط إلى نهر الأردن" (فلسطين التاريخية).

ويتابع بن كاتبا "إذا لم يطرأ أي تحول في مواقفه، فإن أولمرت قد يعمل على تسويق أفكاره وبرامجه بين قادة "كديما"، وستحظى بموافقة واسعة في قيادة الحزب، وإذا كان شارون يعارض خطة فك ارتباط ثانية، فإن العقبة أمام انسحاب آخر أحادي الجانب قد زالت الآن".

وينتبه بن في مقاله إلى ضرورة أن يحصل أولمرت على موافقة المؤسسة العسكرية ويقول "سيكون على أولمرت أن يجند إلى جانبه جهاز الأمن، الذي تصدر عنه في الآونة الأخيرة أصوات الندم على الانسحاب من قطاع غزة، ومن بينهم الرئيس السابق لجهاز المخابرات العامة، "الشاباك"، آفي ديختر، الذي أصبح أحد قادة "كديما"، فأولمرت يفتقر للمؤهلات العسكرية التي كانت لسلفه، وعليه أن يوظف كل مؤهلاته السياسية والحزبية ليقنع قادة المؤسسة العسكرية بآرائه، وموافقتهم ضرورية، لأن من سيخلي المستوطنين من بعض مستوطنات الضفة الغربية في نهاية الأمر سيكون الجنود أنفسهم، أما التحدي الآخر لأولمرت فهو إقناع الإدارة الأميركية بأن تقدم لإسرائيل ثمنا ملائما، هذا من جهة، ومن جهة أخرى طلب دعم دولي بأن لا يؤدي الانسحاب الآخر من الضفة الغربية إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة".

من جهته يرى محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "هآرتس"، زئيف شيف، أن على أولمرت أن يغير جدول أعمال رئيس الحكومة الذي وضعه شارون، فعليه مثلا "أن يقرر في ما إذا سيوقف الحرمان المفروض على الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، وأن يلتقي به، في الوقت الذي تتفشى فيه مظاهر الفوضى في الشارع الفلسطيني، واحتمال مشاركة حركة حماس في السلطة الفلسطينية".

ويقول شيف إن العقبة الأساسية التي تقف أمام أولمرت هي الفارق الكبير في الخبرة العسكرية بينه وبين سلفه شارون، "فالحكومة بقيت من دون شخص مجرّب وخبير في القضايا الأمنية، فحتى من لا يتفق مع شارون لا يستطيع تجاهل رؤيته الأمنية السياسية، وأن ينفي أنه أمام شخص له تجربة ضخمة في العمل الأمني السياسي"، وهذا ما يفتقر له أولمرت.

معارضة يمينية هادئة في كديما

على الرغم من أن الأمور تبدو وكأنها تسير بشكل انسيابي في حزب "كديما"، إلا أنه من الواضح أنه بدأت تتبلور ثلاثية يمينية في العشرة الأوائل في قائمة الحزب، وهم وزير الأمن شاؤول موفاز، والرئيس السابق لجهاز المخابرات العامة، "الشاباك"، آفي ديختر، والوزير من دون حقيبة تساحي هنغبي، الذين يطلقون تصريحات حادة أكثر في كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والمواجهات العسكرية.

وهذه الثلاثية ستكون الند لثلاثية أولمرت وليفني وبيريس، التي تحاول الظهور بشكل "معتدل" أكثر. ولكل ثلاثية مجموعة من الوزراء والشخصيات، ولكن جناح أولمرت هو الغالب كما يبدو، حتى الآن، لكن هذا التكتل المتبلور من شأنه أن يتطور أكثر بعد الانتخابات البرلمانية، على الرغم من أنه يجمع متنافسين أساسيين، موفاز وديختر، على حقيبة الأمن، ومنصب "الشخصية الأمنية الأولى" في الحكومة.

وارتباطا بما ذكره المحلل زئيف شيف، فإن وحدة الموقف بين الجنرالين موفاز وديختر، أمام المدني أولمرت، ستكون عقبة في الحكومة القادمة أيضا في كل ما يتعلق بالعملية السياسية أمام الفلسطينيين.

وحتى الآن فإن استطلاعات الرأي لا تزال تعطي الصدارة لـ "كديما" من دون منافس، إذ يحصل على أكثر من 40 مقعدا، من أصل 120 مقعدا في الكنيست، ومقاعد كديما هي أكثر من مقاعد "العمل" و"الليكود" مجتمعة حسب تلك التوقعات. ولكن إذا ما بدأ الخلاف بين توجهات موفاز وديختر من جهة، وأولمرت وثلاثيته من جهة أخرى يظهر على السطح أكثر، فإنه سينعكس مباشرة على تنبؤات استطلاعات الرأي القادمة، التي ستتأثر لا محالة من عدة متغيرات أخرى، ومن بينها نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية.