القلق الإسرائيلي، الأمني والسياسي، من نتائج الانتخابات الفلسطينية

قبل يومين فقط من وصول المقترعين الفلسطينيين إلى صناديق الاقتراع دعا القائم بأعمال رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت عدداً من وزرائه وكبار قادة الأجهزة الأمنية لمناقشة النتائج المحتملة للانتخابات الفلسطينية. ومن الواضح أن البند الأساسي في هذا النقاش يرتبط باحتمالات فوز حماس في هذه الانتخابات أو على الأقل تحقيق نتائج هامة فيها. ويبدو أن هذه الانتخابات، أكثر من سواها، تتسم بأهمية دولية تزيد كثيراً حتى عن أهميتها المحلية والإقليمية. وثمة من يعتقد أنه ستكون لنتائج الانتخابات الفلسطينية آثار هامة على الموقفين الأميركي والإسرائيلي من العديد من القضايا.

ويبدي المستوى السياسي في إسرائيل قلقا متزايدا من المعطيات التي تشير إلى أن بوسع حركة حماس تحقيق ما يزيد عن ثلث الأصوات في الانتخابات الفلسطينية. وهذا ما تبدى في الأيام الأخيرة من انتقال النقاش في الأمر من المستوى المهني في المؤسستين الأمنية والدبلوماسية الإسرائيلية إلى المستوى الحكومي. وقد حضر النقاش إضافة إلى أولمرت كل من وزير الدفاع شاؤول موفاز ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني ووزير الأمن الداخلي جدعون عزرا.

وكان أول ما فعلته ليفني حال تسلمها وزارة الخارجية أن وجهت انتقادات للأميركيين والأوروبيين لدورهم في الضغط على إسرائيل لتمكين حماس من المشاركة في الانتخابات الفلسطينية. وقالت "إنهم في أوروبا ما كانوا ليفعلوا ذلك. فقد تعلموا الدرس من الثلاثينيات بصعود النازية، كما أن الأميركيين ما كانوا ليسمحوا لمنظمة إرهابية بالمشاركة في الانتخابات".

ورغم ما تنطوي عليه هذه التصريحات من تضليل فإن مجرد إطلاقها في هذا الوقت يعطي إشارة إلى وجود خشية من أثر الانتخابات الفلسطينية على الانتخابات الإسرائيلية. فهناك في اليمين الإسرائيلي من يتطلع بشغف لإطلاق شعاراته الجديدة بناء على نتائج الانتخابات الفلسطينية. وبين هؤلاء يقف زعيم الليكود ورئيس الحكومة الأسبق بنيامين نتنياهو الذي سبق له أن اختار شعار "بيريس سيقسم القدس" ويدور الآن حول شعار "أولمرت سيسلم القدس لحماس".

ويستمر الجدل داخل شعبة الاستخبارات العسكرية بشأن مدى نجاح حماس في الانتخابات.

وحسب الصحف الإسرائيلية فإن أجهزة الاستخبارات تبدي حذرا شديدا من الاعتماد على استطلاعات الرأي الفلسطينية المختلفة. وهي ترى أن هذه الاستطلاعات تعبر فقط عن ميول معينة داخل المجتمع الفلسطيني لا أكثر. ومن الجائز أن شعبة الاستخبارات التي لا تستبعد فوز حماس ترى أن الوضع مقبل على خطر شديد ولكن من دون ادعاء موقف حاسم من ذلك.

غير أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال دان حالوتس أعلن في خطابه أمس أمام "مؤتمر هرتسليا" أن المنطقة مقبلة على صدامات عنيفة. وهذا يعني أن الجيش الإسرائيلي لا يتوقع انفراجاً في أعقاب الانتخابات الفلسطينية. ولكن لا ينبغي أيضا الاستخلاص من ذلك أن العكس هو الصحيح. فالمؤسسة الأمنية الإسرائيلية تعمل في الغالب على البناء وفق أسوأ التقديرات لا أفضلها.

وهناك في الجيش الإسرائيلي من يعتقدون أن فوز حماس في الانتخابات يقود بالضرورة إلى تلطيف موقف هذه الحركة ويخلق لها مصالح في التهدئة والاستقرار.

وحسب حديث ضباط لصحيفة "هآرتس" فإن حماس في الأشهر القريبة سوف تلتزم بالتهدئة وسوف تكون نقطة الحسم التالية لها في شهر حزيران بعد الانتخابات في إسرائيل. ولكن آخرين يعتقدون أن العكس هو الصحيح وأن حماس لأسباب مختلفة سوف تقدم على تنفيذ سلسلة من العمليات الجديدة لإثبات أن الانتخابات لم تغير شيئا من طبيعتها الكفاحية. ويركز الأخيرون على أن الكابوس الأكبر لإسرائيل هو أن تنجح حماس في تكرار النموذج اللبناني.

ورغم كل ما تدعيه الاستخبارات الإسرائيلية من معرفة للواقع الفلسطيني فإنها في كل ما يتعلق بفرص الأطراف الفلسطينية في هذه الانتخابات لا زالت تتخبط كالآخرين. فبين خبراء التقدير في الاستخبارات من يرفض التقديرات التي تتحدث عن احتمالات حصول حماس على الأغلبية. ويصر هؤلاء في رأيهم على حقيقة ما يشاع من أن حماس نفسها لا تطمح للحصول على أغلبية. ويضيفون بأن الشارع الفلسطيني في أساسه ميال للتسوية إن أتيحت له وهذا ما أمكن استخلاصه من نتائج انتخاب الرئيس محمود عباس العام الفائت.

وفي كل حال يبدو أن مداولات هذا الأسبوع في المستويين السياسي والعسكري الإسرائيلي قادت الجميع إلى استخلاص أساسي قوامه أن على إسرائيل التريث وإبداء الحذر في الوقت الذي ينبغي فيه الاستعداد لأسوأ الاحتمالات. ولكن الجديد على الصعيد الحزبي الإسرائيلي هو أن قرب الانتخابات الفلسطينية من موعد الانتخابات العامة لديهم يدفع إلى مزيد من التشدد. وهذا ما تبين من التصعيد اللفظي مؤخرا من جانب وزراء كديما وتسريب زعيم الليكود بنيامين نتنياهو أنباء عن تبنيه برنامجا يقوم على الدعوة لبناء الجدار الفاصل في مخططه القديم. ومعروف أن المخطط القديم كان يبتلع كميات أكبر من أراضي الضفة الغربية ويضمها إلى إسرائيل.

والخلاصة أن إسرائيل التي تتدخل في الانتخابات الفلسطينية بأفظع الطرق، من التهديد إلى ممارسة القتل، تدعي صبح مساء أنها ليست في وارد التدخل فيها. كما أن العامل الفلسطيني الذي كثيراً ما كان موضوعا للتدخل الإسرائيلي صار بشكل أشد من أي وقت مضى عاملا فاعلا في الانتخابات الإسرائيلية.