"لاعب تعزيز" من أميركا لمنصب محافظ بنك إسرائيل

لأول مرّة في تاريخ اسرائيل قرر رئيس الحكومة الاسرائيلية، أريئيل شارون، ووزير المالية بنيامين نتنياهو، أمس الاحد، تعيين يهودي أميركي الجنسية ولا يحمل الجنسية الاسرائيلية محافظًا لبنك اسرائيل المركزي. وهو ستانلي فيشر، الذي يعرّفه نتنياهو ووسائل الاعلام الاسرائيلية على انه واحد من كبار خبراء الاقتصاد في العالم وتولى مناصب رفيعة في صندوق النقد الدولي، ومؤسسات اقتصادية عالمية أخرى.

وأثار هذا التعيين عاصفة من التصريحات المؤيدة والمعارضة في اسرائيل، ففي حين اعتبره نتنياهو ورئيس اتحاد الصناعيين على انه مكسب هام لاسرائيل، اعتبره البعض الآخر ضربة لهيبة اسرائيل والمشروع الصهيوني.

ويشغل ستانلي فيشر (61 عاما) حاليا منصب نائب رئيس مجموعة التوظيفات العالمية "سيتي غروب"، وله فيها حصص من الأسهم المالية وتقدر ثروته بملايين الدولارات، وهو يهودي الديانة واميركي الجنسية، وهو من مواليد زامبيا، ولا يعرف اللغة العبرية إلا القليل منها، وبموجب القانون الاسرائيلي فعليه ان يهاجر الى اسرائيل وان يتنازل عن جنسيته الاميركية، وتجميد نشاطاته الاقتصادية في الخارج.

ولمحافظ بنك اسرائيل المركزي صلاحيات واسعة وأساسية في الاقتصاد الاسرائيلي، فللبنك صلاحيات كبيرة في ادارة البنوك التجارية، وهو الذي يحدد شهريا سعر الفائدة البنكية، ويسيطر على احتياطي الدولة من العملات الاجنبية. ومن المفترض ان ينهي محافظ بنك اسرائيل الحالي دافيد كلاين في الاشهر القليلة القادمة منصبه الذي تولاه قبل نحو اربع سنوات. وحسب ما نشرته وسائل الاعلام فقد تنافس العديد من كبار الاقتصاديين في اسرائيل، وايضا من كبار موظفي بنك اسرائيل المركزي، على هذا المنصب، إلا أن أحدا منهم لم يفز بموافقة شارون ونتنياهو، والمهم من ناحية نتنياهو كان عدم تمديد فترة عمل المحافظ الحالي دافيد كلاين، الذي اعترض كثيرا على سياسة نتنياهو الاقتصادية، وليس صدفة ان نتنياهو اهتم بابلاغ كلاين فور صدور القرار، ليعلمه ان ولايته قد انتهت في هذا المنصب ولن يتم تمديدها أكثر.

وتبين لاحقا ان نتنياهو كان يجري حوارا من وراء الكواليس مع فيشر منذ أسابيع طويلة في محاولة لاقناعه بتولي المنصب، الى ان قبل بهذا يوم الأحد الأخير، وحصل نتنياهو ايضا على موافقة شارون. ومن المفترض ان يمثل فيشر في الفترة القصيرة القادمة أمام لجنة التعيينات الحكومية، لجنة باخ، لفحص مدى جاهزيته وأهليته لهذا المنصب.

وكان فيشر قد تدخل في الاقتصاد الاسرائيلي في منتصف سنوات الثمانين، حين بلغ التضخم المالي السنوي 400%، وكان من بين الخبراء العالميين الذين ساعدوا في لجم التضخم، والانتقال الى اقتصاد اكثر استقرارا، كما انه عمل محاضرا في الجامعة العبرية في القدس في سنوات الثمانين الأولى، وكان مستشارا لقسم الابحاث في بنك اسرائيل.

ويعتبر بعض المراقبين والساسة في اسرائيل ان نتنياهو بحث عن الشخص الذي بامكانه ان يسهّل عليه مهمته كوزير للمالية يسعى الى أمركة الاقتصاد الاسرائيلي، ونقل اسرائيل من "دولة رفاه" تقدم المخصصات المتنوعة والمتشعبة جدا، الى دولة تعتمد على طاقات العمل وتقليص الضرائب الى جانب تصفية ما تبقى من القطاع العام وخصخصته، وهي سياسة ينتهجها بكثافة نتنياهو منذ توليه منصبه قبل نحو عامين، ويحظى بدعم من الحكومة. فقد قال نتنياهو عن هذا التعيين: "بعد ان ارتقينا الى المستوى الدولي في الاقتصاد قررنا ان ندعو لاعب تعزيز من اميركا، فستانلي فيشر هو اقتصادي معروف وله اتصالات مع جميع انحاء العالم، ودولة اسرائيل ستتبارك بمؤهلاته الكثيرة، وحقيقة ان شخصا مثله على استعداد لترك عمله في سيتي غروب للهجرة الى اسرائيل ولأن يكون محافظا لبنك اسرائيل، هو فرصة نادرة للاقتصاد الاسرائيلي..".

وكما ذكر سابقا، فقد اثار هذا التعيين تصريحات وتعليقات غاضبة، فقال مختصون دون ان يكشفوا عن هوياتهم لبعض وسائل الاعلام: "فيشر لا يتكلم اللغة العبرية بطلاقة، وهو ليس اسرائيليا، وهو ليس خبيرا بما يجري في اسرائيل واقتصادها". وقال وزير الداخلية السابق، عضو الكنيست ابراهام بوراز، المعروف عنه انه يتبنى سياسة اقتصادية رأسمالية صقرية: "ليس من المعقول ان يتم تعيين شخص ليس اسرائيليا لهذا المنصب، فهذا مس بقيم الصهيونية، وهذا النهج سيوصلنا الى تعيين رئيس حكومة ووزير مالية يأتيان الينا من الولايات المتحدة".

وقال عضو الكنيست مئير بوروش، من كتلة "يهدوت هتوراة" الدينية الاصولية، "إن ستانلي فيشر هو رأسمالي واضح، وهو سيدعم السياسة الاقتصادية المنتهجة التي ستقود الى تعميق الفجوات الاجتماعية. فيشر ونتنياهو سيتبنيان لغة مشتركة، وسيؤيدان نفس السياسة التي أدت الى تقاسم غير عادل بين الاغنياء والفقراء وبين الاقوياء والفقراء، ولهذا فهو ليس مناسبا لهذا المنصب".

أما رئيس اتحاد الصناعيين الاسرائيلي، شراغا بوروش، فقد قال "لا قلق، ففيشر سيعرف كيف سيحافظ على توازن، وتجربته العالمية ستساعده وتسهم في نجاحه". وقالت اوساط في وزارة المالية الاسرائيلية ان علاقات فيشر الدولية ستساعد اسرائيل على تحسين وضعية اعتماداتها المالية في البنوك الدولية.

فيشر: لا يوجد نمو اقتصادي من دون سلام

ونشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، اليوم الاثنين، مقاطع من مقابلة صحفية كان قد اجراها المحرر الاقتصادي للصحيفة سيفر بلوتسكر قبل نحو عامين مع فيشر، قال فيها الأخير انه لا يمكن ان يكون نمو في الاقتصاد الاسرائيلي من دون سلام.

وقال فيشر في هذه المقابلة: "إن اقتصاد اسرائيل لن ينتعش من الحضيض الموجود فيه من دون استئناف عملية السلام مع الفلسطينيين"، ولكنه في المقابل وصف الاقتصاد الاسرائيلي بأنه ذو قوة كبيرة. وقال في المقابلة: "في كل زيارة لي إلى اسرائيل أتفاجأ من التحسن ومن تعزز قاعدة الاقتصاد الاسرائيلي، وحاليا (قبل عامين) هو اقتصاد قوي، والتصدير الاسرائيلي يسجل انجازات حتى في الفترات البائسة، والشيكل يحافظ على مكانة جيدة، وفي المجمل العام فإن السياسة الاقتصادية المتبعة تعزز الاقتصاد ولا تضر به، وهذا يعتبر انجازا".

وحول استئناف العملية السلمية وأهميتها للاقتصاد يقول فيشر: "إن استئناف العملية السلمية له تأثير ضخم جدا، وفقط انهاء وضعية الحرب واستئناف العملية والحوار مع الفلسطينيين سيؤديان الى تحول في الاقتصاد الاسرائيلي، فاندماج الاقتصاد الاسرائيلي بأسواق الشرق الاوسط لم يسهم كثيرا بالناتج القومي الاسرائيلي، ولكنه كان مركبا مركزيا في نظرة العالم التفاؤلية للاقتصاد الاسرائيلي، فسياسة اقتصادية صحيحة من قبل الحكومة وبنك اسرائيل بامكانها ان تحسن الاقتصاد بشكل محدود، ولكن هذه السياسة لوحدها ليس بامكانها ان تقلب التراجع الاقتصادي الى نمو اقتصادي، فأنا اعتقد انه لولا الانتفاضة والحرب لكان الاقتصاد الاسرائيلي في نمو...".