بتسيلم: خطط توسيع المستوطنات تشكل اعتبارًا ملحوظًا في عملية تخطيط مسار الجدار

أكدت منظمة "بتسيلم" (مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة)، في أحدث تقرير صادر عنها (أيلول 2005)، أن مسار الجدار الفاصل في صيغته المعدلة يحيط بـ 55 مستوطنة (يشمل 12 مستوطنة في شرقي القدس) بطريقة تفصلها عن باقي الضفة الغربية، وهو يولد تواصلاً على الأرض بينها وبين الأراضي الإسرائيلية.

وأضافت أن معاينة المقاطع ذات الصلة في خرائط مسار الجدار الفاصل تظهر أنه في معظم الحالات تم تحديد مسار الجدار الفاصل على بعد مئات الأمتار وحتى آلاف الأمتار من آخر البيوت في كل مستوطنة. كما أن مسار الجدار الفاصل الذي يحيط بالمستوطنات الـ 12 ، التي تم فحصها في إطار هذا التقرير، يتابع بهذا الشكل أو ذاك حدود كل خارطة هيكلية لهذه المستوطنات، بطريقة لا يمكن معها إنكار الصلة بينهما. وبكلمات أخرى، وعلى النقيض من الصورة البادية من موقف الدولة الإسرائيلية في المنتديات المختلفة، فإن خطط توسيع المستوطنات كانت تشكل اعتباراً ملحوظاً وسائداً جداً في عملية التخطيط لمسار الجدار الفاصل.

وجاء في التقرير:

الدفاع عن المستوطنات أو المستوطنين ليس مذكوراً في قرار الحكومة الصادر في حزيران 2002، والذي تمت من خلاله المصادقة على إقامة المرحلة أ من الجدار الفاصل. فضلاً عن ذلك، يمكن من خلال ذلك القرار أن نفهم أن إقامة الجدار الفاصل غير مرتبطة على الإطلاق بالمستوطنات أو المستوطنين. ووفقاً لهذا القرار، فإن الجدار مخصص "لغرض التقليل من تسلل الإرهابيين من يهودا والسامرة [لتنفيذ] العمليات في إسرائيل". وبنفس الروح، تصرّح وزارة الدفاع في الصفحة الرئيسية لموقع "منطقة التماس"، والذي يهدف إلى توفير المعلومات حول الجدار الفاصل، بأن "خارطة منطقة التماس تهدف إلى تقليل قدرة منفذي العمليات على التغلغل من مناطق السلطة الفلسطينية إلى الأراضي الإسرائيلية والذين ازداد عددهم منذ شهر أيلول من العام 2000 في أعقاب تعاظم ظاهرة المخربين الانتحاريين" (هكذا في الأصل).

أما النيابة العامة، في مقابل ذلك، فقد تناولت في جوابها المقدم إلى محكمة العدل العليا بصورة واضحة العلاقة بين مسار الجدار الفاصل وبين المستوطنات: "حقاً، إن قسماً من المسار قد تم تخطيطه بهدف توفير الحماية أيضاً للسكان الإسرائيليين الذين يقطنون في يهودا والسامرة والذين يعانون هم أيضاً من الهجمات الإرهابية". ويُفهم من هذه الإجابات أن المستوطنين والذين يتطلب الدفاع عنهم وحمايتهم إقامة الجدار وراء الخط الأخضر، هم المستوطنون الذين يعيشون اليوم في المستوطنات كما هي موجودة اليوم.

بالإضافة إلى ذلك، فقد برّرت النيابة العامة للدولة تجاوز المسار للخط الأخضر بوجود اعتبارين إضافيين ناتجين عن المصلحة فوق الأمنية: الأول هو إيجاد "مساحة ردع" بواسطة إبعاد الجدار الفاصل عن بيوت البلدات الإسرائيلية المحاذية له، سواء كانت هذه البلدات في داخل إسرائيل أو المستوطنات. ووفقاً لإدعاءات النيابة العامة، فإن "هذه المساحة من الردع حيوية لغرض إصابة المخربين الذين قد يتجاوزون الجدار الفاصل قبل تنفيذ مخططهم". أما الاعتبار الثاني فهو ضمان "الحماية للقوات التي تحمي الجدار الفاصل عن طريق نقل مسار الجدار الفاصل إلى المساحات التي لا تقع تحت السيطرة، شرقي الجدار الفاصل". وبحكم المعطيات الطوبوغرافية التي تسود في الميدان، فإن نقل الجدار الفاصل على طول امتداد الخط الأخضر، كما تقول النيابة العامة، "لا يتيح حماية دوريات الجنود على امتداده، والذين كانوا يتواجدون في حالات كثيرة في موقع طوبوغرافي متدن. إن هذا المسار للجدار الفاصل لا يتيح حتى المراقبة باتجاه يهودا والسامرة، وكان سيبقي قوات الجيش الإسرائيلي في حالة من الدونية الميدانية مقابل المخربين الذين ينتظرون على الطرف الثاني من الجدار الفاصل".

لقد أكّد المتحدثون الرسميون باسم إسرائيل المرة تلو الأخرى أنه نظراً لكون الجدار الفاصل يُشكّل وسيلة لتوفير الحلول للتهديدات الموجودة اليوم، فإنه يُعتبر وسيلة مؤقتة من ناحية ماهيته. والدليل على ذلك، كما تدّعي النيابة العامة للدولة، أن إسرائيل قامت في السابق بتفكيك الجدران الأمنية التي كانت لها على طول الحدود مع الدول العربية في أعقاب اتفاقيات السلام والقرارات السياسية.

تجدر الإشارة إلى أنه في بعض الحالات المعدودة، وفي إطار تعاطيها مع الالتماسات المقدمة إلى محكمة العدل العليا، اضطرت الدولة إلى الاعتراف أنه في مقاطع معينة من مسار الجدار الفاصل، أُخذت في الحساب فعلاً مخططات التوسيع للمستوطنات. ومع هذا، وعلى الرغم من هذه الاعترافات، ما تزال المبررات الأساسية لمسار الجدار الفاصل وانتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة به، تتم صياغتها بمصطلحات الاعتبارات الأمنية الصافية، أي منع الدخول إلى إسرائيل وأخذ الاعتبارات العسكرية الإجرائية في الحسبان.

إن أقوال الكولونيل داني تيرزا، المسؤول عن تخطيط الجدار الفاصل في مديرية خط التماس، في المقابلة التي بُثت في حزيران 2005، في إطار الفيلم الوثائقي مع مخرج الفيلم حاييم يافين، تجسد جيداً الخط الدعائي لإسرائيل فيما يتعلق بمسار الجدار الفاصل. ورداً على السؤال الذي طرحه يافين، لماذا لم يتم نصب الجدار الفاصل فوق الخط الأخضر أو على الأقل بصورة أقرب إلى الخط الأخضر، أجاب تيرزا أنه بهذا "قد يُشكَّل خطراً فورياً على سكان إسرائيل. وعندما نتحدث عن الحقوق، فإن الحق في الحياة أقوى من الحق في الوصول إلى الأراضي الزراعية". ورداً على السؤال فيما إذا كان مسار الجدار الفاصل قد تحدد من أجل سلب الأراضي من الفلسطينيين، والتمكين من إقامة مستوطنات جديدة، أجاب تيرزا: "لم آخذ الأرض. الأرض لهم [أي للفلسطينيين] وهم يصلون إلى هذه الأرض وسوف يستمرون في الوصول إلى هذه الأرض. لم نسلب حتى متراً واحداً. إن الأرض ما تزال بملكية الأشخاص، وفي الوقت المناسب، عندما تتغير الأحوال، ستعود الأرض إلى أصحابها. الجدار لا يعطي سنتمترا واحداً للمستوطنات. يتم تخصيص المساحات المخصصة للمستوطنات عن طريق جهات أخرى على ما يبدو، وفي أماكن أخرى، وليس من خلال مسار الجدار الفاصل. توجد لدي مهمة: مطلوب مني منع دخول المخربين".

أحقا هي اعتبارات أمنية فقط؟

إن مسار الجدار الفاصل في صيغته المعدلة يحيط بـ 55 مستوطنة (يشمل 12 مستوطنة في شرقي القدس) بطريقة تفصلها عن باقي الضفة الغربية وهو يولد تواصلاً على الأرض بينها وبين الأراضي الإسرائيلية. إن معاينة المقاطع ذات الصلة في خرائط مسار الجدار الفاصل تظهر أنه في معظم الحالات تم تحديد مسار الجدار الفاصل على بعد مئات الأمتار وحتى آلاف الأمتار من آخر البيوت في كل مستوطنة. إن مسار الجدار الفاصل الذي يحيط بالمستوطنات الـ 12 التي تم فحصها في إطار هذا التقرير يتابع بهذا الشكل أو ذاك حدود كل خارطة هيكلية لهذه المستوطنات، بطريقة لا يمكن معها إنكار الصلة بينهما. وبكلمات أخرى، وعلى النقيض من الصورة البادية من موقف الدولة في المنتديات المختلفة، فإن خطط التوسيع للمستوطنات كانت تشكل اعتباراً ملحوظاً وسائداً جداً في عملية التخطيط لمسار الجدار الفاصل.

إن انعدام الشفافية ومحاولات التمويه التي تُميّز توجه الدولة في كل ما يتعلق بالعلاقة ما بين مسار الجدار الفاصل وبين المستوطنات، يبدو واضحاً من خلال تغيير الروايات في حالة مسار الجدار الفاصل حول مستوطنة تسوفين. ففي تشرين الأول من العام 2002، قدم الفلسطينيون من سكان القريتين عزون والنبي الياس التماساً إلى محكمة العدل العليا ضد مقطع من مسار الجدار الفاصل والذي تم تحديده شرقي مستوطنة تسوفين، بحيث هددهم بالانفصال عن أراضيهم الزراعية التي يملكونها والموجودة غربي مسار الجدار الفاصل. وفي قرار الحكم الصادر عنها قبلت القاضية دوريت بينيش موقف النيابة العامة للدولة دون نقاش، والذي يفيد بأن تغلغل مسار الجدار الفاصل في عمق مساحة الضفة ضروري لإيجاد "مساحة ردع". وبناء على ذلك، ردت محكمة العدل العليا الالتماس وتم بناء الجدار في المسار الذي تم تحديده منذ البداية.

وعلى الرغم من هذا، وعلى ضوء المسّ القاسي والمستمر في القدرة على الوصول إلى أراضيهم منذ الانتهاء من بناء الجدار الفاصل في تموز 2003، تقدم سكان القريتين بالتماس إلى محكمة العدل العليا بواسطة مركز الدفاع عن حقوق الفرد، طالبين تفكيك الجدار الفاصل، أو بدلا عن ذلك إزاحته، بحيث لا يقطع عليهم طريق وصولهم إلى أراضيهم الزراعية. وبصورة مغايرة للجواب في الالتماس السابق، أكدت النيابة العامة في جوابها الجديد الحاجة إلى الجدار الفاصل في المسار الذي أُقيم فيه كوسيلة "للدفاع عن الجانب الشمالي والجانب الشرقي من بلدة تسوفين الإسرائيلية". علاوة على ذلك، لم تكتف النيابة العامة بهذا، بل اعترفت علناً بأنه في "تخطيط مسار الجدار الفاصل في المنطقة أُخذت بالحسبان وجود خطة ما تزال قيد إجراءات التنظيم، غير أنها ليست سارية المفعول الآن".

الاعتبار الأمني مقابل الاعتبار "الاستيطاني"

ينبع عدم استعداد إسرائيل للاعتراف بصورة تامة بأن خطط توسيع الكثير من المستوطنات كانت تشكل اعتباراً مركزياً في تحديد مسار الجدار الفاصل، حسب ما جاء في التقرير، ضمن أشياء أخرى، من التناقضات الجوهرية القائمة بين هذا الاعتبار وبين المكونات المختلفة الخاصة بالحوار الأمني:

أولاً، الاعتراف بوجود هذا الاعتبار يسحب إلى حد كبير الإدعاء بخصوص الوجود المؤقت للجدار الفاصل، وهو أحد المكونات الأساسية في الحوار الأمني. إن تنفيذ مشروع البناء بوجود الطلب على الوحدات السكنية التي يتم بناؤها. وفي سياق البناء في المستوطنات، لا شك أن عزل المنطقة المخططة عن المحيط الفلسطيني بواسطة الجدار الفاصل، يشكّل عنصراً مركزياً في إيجاد هذا الطلب.

فضلاً عن ذلك، يمكن الافتراض، في جزء من الحالات، أن ضم المساحة المخصصة لتوسيع المستوطنة غربي الجدار الفاصل ليس بمثابة عنصر مروِّج "آخر" للمبيعات وحسب، بل شرط مركزي يترتب عليه إخراج مشروع البناء إلى حيز التنفيذ أم لا. وحتى لو تغيرت الظروف الأمنية في المستقبل، بحيث يكون من المتاح تفكيك أو إزاحة الجدار الفاصل، فمن المعقول الافتراض أن "الأحياء" الجديدة التي أُقيمت بفضل الجدار الفاصل لن يتم إخلاؤها وتفكيكها مع الجدار الفاصل. وبدلا عن ذلك، يمكننا التقدير بأن إسرائيل ستتعامل مع هذه المستوطنات على أنها حقائق مفروغ منها ولا يمكن تجاهلها والتي يمكن في أحسن الأحوال بحث مستقبلها في إطار المفاوضات على الحل الدائم.

ثانياً، إن القصد من توسيع المستوطنة في المساحة ما بين المنطقة الأمنية من المستوطنة (أو الجدار المحيط) وبين الجدار الفاصل، يناقض وجها لوجه الإدعاء القائم على أن إبعاد الجدار الفاصل إلى ناحية الشرق ينبع من الحاجة الأمنية إلى "منطقة ردع" تتيح مطاردة الذين نجحوا في تجاوز المنطقة ومطاردتهم، قبل وصولهم إلى البلدات الإسرائيلية. إن "منطقة الردع" من حيث تعريفها الأساسي هي منطقة خالية، ولهذا فإن كل محاولة لتبرير وجودها بواسطة مسار الجدار الفاصل (والمس بحقوق الإنسان المرتبطة بها) في المنطقة المخصصة للبناء، ليس سوى عملية تمويه.

ثالثاً، كلما ابتعد مسار الجدار الفاصل عن الخط الأخضر، ازدادت مساحة الأراضي الزراعية المملوكة للفلسطينيين والتي تدخل في "منطقة التماس". ومن هذا ينبع أيضاً، أنه كلما زادت مساحة هذه الأراضي، يزداد عدد الفلسطينيين الذين يستحقون الحصول على تصاريح الدخول إلى "منطقة التماس" والتي تخلو من المعوقات المجسمة ما بينها وبين الأراضي الإسرائيلية. إن مراعاة خطط توسيع المستوطنات كاعتبار في تحديد مسار الجدار الفاصل تعني إذاً زيادة عدد الفلسطينيين الذين يستحقون الحصول على تصاريح دخول إلى "منطقة التماس" والذين يقدرون، إذا ما رغبوا في ذلك، الدخول إلى الأراضي الإسرائيلية بدون مشكلة. ولهذا، فإن وجود مثل هذا الاعتبار يناقض بالضرورة الهدف الأمني للجدار الفاصل، كما تم تعريفه من قبل الحكومة، وهو تقليص دخول الفلسطينيين إلى إسرائيل دون تصريح مناسب.

رابعاً، وفقاً لإدعاء الدولة، فإن أحد الاعتبارات في تخطيط الجدار الفاصل هو حماية القوات التي تقوم بالدوريات على طول الجدار الفاصل من خلال اختيار مسار "مُسيطر" من الناحية الطوبوغرافية، قدر المستطاع. ومع هذا، فإن الطموح إلى إحاطة المناطق المخصصة لتوسيع المستوطنات بواسطة الجدار الفاصل، توجد اضطراراً نحو تقليص مساحة الاختيار ما بين المسارات البديلة للجدار الفاصل. بمعنى آخر، ربما يتم العثور على المسار المثالي من الناحية الطوبوغرافية في منطقة معينة في خط أقرب إلى المساحات المبنية في المستوطنة القائمة. وهذه بالضبط الحالة القائمة في الجدار الذي تم تحديده شرقي مستوطنة تسوفين، من خلال مراعاة خطط توسيع المستوطنة والتي قادت إلى تحديد المسار المسيطر بصورة تامة للجدار الفاصل من قرية جيوس الفلسطينية المحاذية.

أنماط من انتهاك حقوق الإنسان

إضافة إلى ذلك يؤكد التقرير أن مراعاة خطط توسيع المستوطنات في عملية التخطيط لمسار الجدار الفاصل، أدت إلى تعاظم عملية انتهاك حقوق الإنسان لسكان القرى الفلسطينية المحاذية لهذه المستوطنات، "قياساً بالمس الذي كان سيلحق بها لو كان الاعتبار في تحديد مسار الجدار الفاصل هو حماية المستوطنات كما هي موجودة اليوم". ومن الحالات التي تم تحليلها في التقرير يمكن الإشارة إلى ثلاثة أنماط من حالات الانتهاك الأساسية.

النمط الأكثر شيوعاً يحدث عندما يلتصق مسار الجدار الفاصل بالبيوت السكنية للقرى الفلسطينية، بهدف ضم المساحات المخصصة وفقاً للخرائط الهيكلية من أجل توسيع المستوطنة من الناحية الغربية للجدار الفاصل، من خلال زيادة مساحة الأراضي الزراعية التي يتم عزلها عن أصحابها الفلسطينيين. هكذا الحال مثلاً في مستوطنة تسوفين: من أجل ضم المساحات الواقعة غربي الجدار الفاصل ضمن الخارطة الهيكلية 149/2 والتي من المفترض أن تُقام عليها 1.200 وحدة سكنية جديدة (زيادة بنسبة 600 % قياساً إلى الوحدات السكنية الموجودة اليوم)، وكذلك المساحات الواقعة في خارطة 149/5، والتي من المفترض أن تُقام فوقها منطقة صناعية جديدة، تم فصل سكان قرية جيوس المجاورة عن حوالي 9.000 دونم من الأراضي الزراعية (حوالي 70 % من مجموع الأراضي الزراعية). ومن أجل الوصول إلى الأراضي الزراعية الموجودة غربي الجدار الفاصل يُشترط الحصول على تصاريح من الإدارة المدنية.

ويحدث النمط الثاني عندما يستلزم ضم المناطق المخصصة لتوسيع المستوطنات سجن قرى فلسطينية بأكملها في جيوب تقع ما بين الجدار الفاصل وبين الخط الأخضر، من خلال فصلها عن باقي مناطق الضفة الغربية. وهذه هي الحال مثلاً في حالة مستوطنة ألفي منشيه: من اجل الإبقاء على المساحات التي تدخل في الخارطة الهيكلية 115/8 ("جفعات طال") في الطرف الإسرائيلي من الجدار الفاصل، والتي من المقرر فيها إقامة حوالي 1.400 وحدة سكنية جديدة، وكذلك المساحات الخاصة بخارطة 115/9 ("ايلانيت") والتي من المقرر فيها مستقبلا بناء حوالي 240 وحدة سكنية جديدة فيها، تم ادخال القريتين راس الطيرة والدبعة (حوالي 650 مواطنًا) في جيب. نتيجة لذلك، فقد لحق الضرر البالغ بنمط الحياة العادية لسكان القريتين في كافة مناحي الحياة. ونظراً لكونها قرى صغيرة، فإن السكان متعلقون بالوصول إلى البلدات الفلسطينية المجاورة من أجل الحصول على الخدمات والتزود بالمؤن والمردودات الزراعية. غير أنه بعد إقامة الجدار، فإن الحركة إلى هذه البلدات ستتم من خلال إحدى البوابات المقامة فيه، وبطبيعة الأحوال ستكون مشروطة بتقديم تصريح، فحص بدني والانتظار في الدور، وستكون خاضعة لمواعيد فتح البوابات. إن وصول سيارة الإسعاف من قلقيلية إلى إحدى القرى المجاورة في الحالات الطارئة، يتطلب تنسيقاُ خاصاً بواسطة مكتب التنسيق والارتباط، الأمر الذي يستغرق وقتاً طويلاً وقد يشكل خطراً على حياة المرضى. كما أن الضرر القاسي يلحق بقدرة سكان هذه القرى على الاسترزاق. هكذا على سبيل المثال، ونتيجة لعزل المواطنين عن المراعي التي تقع وراء الجدار، فإنهم يُضطرون إلى شراء الغذاء الجاهز لإطعام المواشي الأمر الذي يُلحق الضرر بجدوى الاحتفاظ بها. وقد اضطر جزء من المواطنين إلى بيع مواشيهم بأسعار بخسة وخاسرة.

ويحدث النمط الثالث عندما يتم إلصاق الجدار بالبيوت الفلسطينية من أجل ضم المساحات المخصصة لتوسيع المستوطنات، ما يؤدي إلى الحيلولة دون التطور البلدي لهذه البلدات. وهذا هو الحال مثلاً في حالة توسيع مستوطنة جفعات بنيامين (ادم). المستوطنة ذاتها، كما هي اليوم، بقيت خارج مسار الجدار الفاصل (أي شرقي الجدار الفاصل). ومع هذا، فإن جزءا من منطقة نفوذها غربي المساحات المبنية، يدخل في الجانب "الإسرائيلي" من الجدار، بتواصل كامل مع مستوطنة ("حي" وفق المصطلح الإسرائيلي) نفي يعقوب الموجودة في شرقي القدس. وهذا بهدف الإبقاء على التواصل المستمر ما بين المساحات الموجودة في الخارطة الهيكلية 240/3 والتي من المقرر فيها مستقبلاً بناء حي للطائفة الدينية اليهودية تضم حوالي 1200 وحدة سكنية، مع الحي الديني اليهودي القائم اليوم في نفي يعقوب. إن إحاطة هذه الأراضي بالجدار تحول دون الإمكانية الوحيدة التي بقيت للبلدة الفلسطينية المجاورة، الرام للتطور، بعد أن حوصرت من كل ناحية بواسطة الحدود البلدية للقدس، وبواسطة شارع رقم 45 الذي شقته إسرائيل. إن هذا الحصار يمس بصورة بالغة بحقوق التنظيم لسكان الرام.

مسار غير قانوني وفقاً للقانون الدولي

إن المستوطنات التي أقامتها إسرائيل في الضفة الغربية ليست قانونية وتشكل خرقاً للقانون الإنساني والدولي. والسبب الرئيسي في هذا يكمن في الحظر الذي تفرضه اتفاقية جنيف الرابعة على الدولة المحتلة في نقل السكان من مناطقها إلى المناطق القابعة تحت احتلالها. بالإضافة إلى ذلك، فإن المستوطنات تسبب سلسلة طويلة من انتهاكات حقوق الإنسان المقننة في القوانين الدولية لحقوق الإنسان، ومن بينها الحق في المساواة، الملكية وحرية الحركة.

إن انتهاك القانون الدولي النابع من وجود المستوطنات هو انتهاك مستمر، وليس فقط ثمرة لعمل محظور وقع في وقت ما في الماضي (عند إقامتها). وبناء على ذلك، فإن الأعمال التي تهدف إلى تخليد المستوطنات أو إتاحة وجودها في المستقبل، هي أفعال، من واقع تعريفها، تُشكل انتهاكاً للقانون الدولي. إن اختيار مسار الجدار الفاصل الذي يفصل مناطق المستوطنات عن باقي الضفة الغربية، والذي يولّد تواصلاً على الأرض بينها وبين أراضي إسرائيل، يهدف بصورة صارخة إلى تحقيق هذا الهدف، ولهذا فهو اختيار تشوبه عدم القانونية.

فضلاً عن ذلك، حتى لو كانت تلك المقاطع من الجدار المحيط بالمستوطنات لا تمس بصورة مباشرة حقوق السكان الفلسطينيين، فلا يمكن تبريرها من خلال التعاطي مع وجود الحاجة العسكرية، إذ أن الحظر المفروض في اتفاقية جنيف الرابعة على نقل المواطنين إلى الأراضي المحتلة هو حظر تام ولا يعترف بأي حالات استثنائية، بما في ذلك الحاجة العسكرية.

إن هذا الاستنتاج لا يعني منع إسرائيل من الدفاع عن المستوطنين؛ بل العكس تماماً، حيث يفرض القانون الدولي على إسرائيل واجب حماية النظام العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها الفعلية، بما في ذلك حماية حياة كل شخص موجود في هذه المنطقة، بغض النظر عن قانونية وجوده هناك. غير أن تشكيلة الوسائل المسموح لإسرائيل باستعمالها من أجل القيام بهذا الواجب، من ناحية، محدود قياساً بالوسائل التي كان من الممكن اتخاذها لو كانت هناك حاجة عسكرية مشروعة. ومن الناحية الثانية، نظراً لكون المستوطنين ليسوا مواطنين "محميين"، كما هو تعريف هذا المصطلح في اتفاقية جنيف الرابعة، يحق لإسرائيل، من أجل حمايتهم، استعمال الوسائل التي ما كانت تستطيع استعمالها لو كان الحديث يدور عن "المحميين" . هكذا على سبيل المثال، تستطيع إسرائيل منع دخول مواطنيها إلى الأراضي المحتلة إذا كانت تعتقد أن مثل هذا الدخول يشكل خطراً عليهم، وقد استعملت إسرائيل هذه الصلاحية فعلياً بصورة جارية منذ بدء الاحتلال. علاوة على ذلك، توجد لإسرائيل صلاحية في إخلاء المواطنين من الأراضي المحتلة ونقلهم إيابا إلى إسرائيل، كما فعلت حقاً في إطار تطبيق خطة الانفصال.

وبكلمات أخرى، على الرغم من أن حماية حياة المستوطنين هي هدف مشروع لذاته، فإن الوصول إلى هذا الهدف بواسطة مسار الجدار الفاصل الذي يخلّد وجود المستوطنات أو المرتبط بأعمال محظورة بصورة واضحة مثل إتلاف الممتلكات الشخصية، ليست قانونية. وتبدو عدم القانونية أكثر وضوحاً وصراحة، من باب أولى، عندما يكون الهدف المركزي الذي من أجله أقيم مسار الجدار الفاصل بحد ذاته غير قانوني: توسيع المستوطنات وحماية المصالح الاقتصادية للشركات الإسرائيلية للعقارات غير المنقولة.