ترشح عوزي لنداو لرئاسة الليكود فرض على نتنياهو الاستقالة من الحكومة

شكل إعلان زعيم الجناح اليميني المتشدد في حزب الليكود الحاكم، النائب عوزي لنداو، ترشيح نفسه لرئاسة الليكود أمام رئيس الحكومة وزعيم الحزب أريئيل شارون ضربة شبه قاضية لفرص المنافس الثالث بنيامين نتنياهو في الفوز على شارون، في الانتخابات التي ستجري خلال الأشهر القادمة، مما دفع نتنياهو للعدول عن قراره البقاء في الحكومة، والاستقالة منها مساء يوم الأحد، أول من أمس، 8/8/2005 (اقرأ مقالا منفصلا).

فقد اعتمد نتنياهو في منافسته لشارون على الجناح اليميني المتشدد، بعد أن رأى أن لا أمل له في الحصول على أصوات من اليمين "المعتدل" من منتسبي حزب الليكود، فهؤلاء سيدعمون شارون من دون أي جهد، كونهم يدعمون خطة فك الارتباط والاتجاه الذي يقوده شارون على الصعيد السياسي، وفي مركزه التخلي عن قطاع غزة من أجل التمسك بأكثر ما يمكن من الضفة الغربية.

لقد ظهرت حالة التخبط السياسي كثيرا عند نتنياهو، فقد أدرك منذ البداية كرئيس حكومة وكمن فاوض الفلسطينيين ووقع اتفاقيات معهم، أن الشارع الإسرائيلي الذي يطمح الى ان يقوده مرّة ثانية لن يستوعب معارضته للخطة، التي تندرج في مسار سياسي كان قد عمل فيه خلال توليه رئاسة الحكومة الإسرائيلية. ولكن في نفس الوقت كان في رأس نتنياهو موضوع واحد هو عودته إلى كرسي رئاسة الحكومة بأي ثمن، وبين هذا وذاك أوقع نفسه في عدة مطبات سياسية، لن تساعده على تحقيق مآربه.

فمع ظهور خطة فك الارتباط لأول مرّة لم يظهر نتنياهو رأيا واضحا بخصوصها، وحين اقترب التصويت عليها لأول مرّة في الحكومة، وبعد أن رأى التأييد الشعبي لها، قام بمناورة سياسية ومعه وزير الخارجية سيلفان شالوم ووزيرة التعليم ليمور ليفنات، إذ فرضوا شروطا على رئيس الحكومة شارون بأن لا ينص القرار المبدئي على اخلاء المستوطنات، وبالفعل فقد تم شطب هذا البند في النص الاول، على ان تقر الحكومة بعد أشهر مسألة اخلاء المستوطنات، ولكن ما بقي في ذهن الجمهور الواسع هو أن الخطة تقضي بإخلاء المستوطنات.

ومع اشتداد المعارضة اليمينية، واتساع حلقة المعارضة في داخل الليكود، سعى نتنياهو إلى كسب رضا هذا المعسكر، من خلال تبني مطالبه، مثل إجراء استفتاء عام حول الخطة، وفرض تقييدات على رئيس الحكومة في تحركه امام الفلسطينيين وغير ذلك، وخرج نتنياهو خاسرا من كل هذه المعارك.

لكن خسارة نتنياهو لم تتوقف عند الجانب السياسي، بل أيضا انسحبت على الصعيد الشخصي، فالمعسكر الذي سعى نتنياهو الى كسب رضاه هو نفس المعسكر الذي أسقطه عن الحكم في العام 1999، بسبب الاتفاقيات التي ابرمها مع منظمة التحرير الفلسطينية، وهذا المعسكر لا يشعر "بأمان" مع نتنياهو، ولهذا فقد قرر ترشيح لنداو الذي قاد معسكر المتشددين منذ بداية ظهور الخطة، و"ضحى" بمقعده الوزاري من أجل مواقفه.

وهنا رأى نتنياهو أن عليه حسم أمره إذا لا يزال يراهن على هذا المعسكر ولم ير أي مفر من ضرورة استقالته من الحكومة، التي غلّفها بموقفه السياسي المعارض لإخلاء المستوطنات، في الوقت الذي أيد الخطة، ونسج جميع قرارات البنود المالية لها، بما في ذلك تعويضات المستوطنين.

من هو عوزي لنداو

يعتبر عوزي لنداو، بموجب مصطلحات الخارطة السياسية في إسرائيل، من "أمراء الليكود". ومصطلح أمير يطلق على أبناء السياسيين الأوائل الذين يتحولون هم ايضا لشخصيات سياسية، فهو نجل حاييم لنداو، الذي كان أحد قادة حزب حيروت اليميني المتشدد بزعامة بنيامين بيغن، قبل ان يصبح اسم الحزب "ليكود"، وكان عضو كنيست منذ العام 1948 وحتى العام 1977، في المعارضة اليمينية المتشددة.

وتولى حاييم لنداو منصب وزير التطوير في حكومة التكتل القومي التي قادت عدوان 1967، ثم تولى منصبا وزاريا من دون حقيبة في أول حكومة يشكلها الليكود في العام 1977، رغم انه لم يكن عضوا في الكنيست.

أما نجله عوزي لنداو، موضوعنا هنا، فقد دخل لأول مرّة إلى الكنيست عضوا عن الليكود في العام 1984 بعد وفاة والده بثلاث سنوات، ولكنه لم يأت من فراغ سياسي، بل هو أيضا من اعضاء حزب "حيروت" ومن ثم الليكود. وهو من مواليد 1943، وولد في مدينة حيفا وحاصل على شهادات جامعية من جامعات اسرائيلية وأميركية في موضوع الهندسة التكنولوجية، وتبوأ مراكز قيادية في شركات حكومية في موضوع تخصصه.

وأصبح عوزي لنداو، لأول مرة، وزيرا في حكومة اريئيل شارون الأولى التي شكلها في العام 2001 بعد هزيمة رئيس الحكومة ايهود باراك، وتولى لنداو منصب وزير الأمن الداخلي، ولكن في الحكومة الثانية التي شكلها شارون بعد انتخابات العام 2003 بقي لنداو وزيرا من دون حقيبة كونه لم يصل في انتخابات الليكود الداخلية الى مراتب متقدمة، كما انه لم يكن بهذه الدرجة من القربى الى رئيس الحكومة شارون.

طوال سنوات حياته السياسية التزم لنداو بالخط اليميني المتشدد في حزب الليكود، وهو ايضا الخط الايديولوجي لحركة حيروت المتطرفة، هذا الخط الذي نما عليه لنداو في بيته حين كان والده في العصابات الصهيونية، وقد وقف لنداو طيلة الوقت ضد كافة المفاوضات مع الفلسطينيين، بدءا من مؤتمر مدريد مرورا بأوسلو وحتى اليوم.

إلا أن لنداو لم يخرج من الحزب حين وقعت حكومة حزبه برئاسة نتنياهو في العام 1997 على اتفاق الخليل وعلى اتفاقية واي بلانتيشين، على غرار ما فعله زميله في الحزب بنيامين بيغن، نجل مناحيم بيغن.

ويقود عوزي لنداو اليوم التيار اليميني المتشدد في الحزب، وقد برزت قيادته لهذا التيار بعد ان عارض خطة فك الارتباط وصوّت ضدها في كافة المراحل ومن ضمنها التصويت في الكنيست، وهذا ما قاد الى فصله من الحكومة على يد رئيسها شارون، وهو أمر تحتمه أنظمة الحكومة الإسرائيلية. وقد برز تمرد لنداو حين لم يسر على خطاه وزراء آخرون في الليكود عارضوا الخطة، من أمثال يسرائيل كاتس وداني نافيه، والى حد ما وزير الخارجية سيلفان شالوم ووزيرة التعليم ليمور ليفنات، وحتى بنيامين نتنياهو.

بعد خروجه من الحكومة بلور لنداو مجموعة نواب الليكود المتمردين على شارون، وتعد نواتهم الصلبة 13 نائبا من أصل 40 نائبا في كتلة الليكود، وأحيانا يستطيع هؤلاء زيادة عددهم في بعض عمليات التصويت في الكنيست.

وتشكل هذه المجموعة أزمة في أروقة البرلمان ولجان الكنيست، فهم يشكلون غالبية نواب الليكود في لجان الكنيست، لأن القانون يحظر عضوية الوزراء ونوابهم في لجان الكنيست، وفي هذه الحالة فقد اصبحت مجموعة الـ 13 غالبية من بين نواب الليكود في اللجان البرلمانية، ولهذا فهم يخلقون مصاعب جمّة في جميع التشريعات التي تخص خطة فك الارتباط.

وفي الأسبوع الماضي عاد لنداو من جولة في الولايات المتحدة، وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أنه نجح في تجنيد تبرعات لحملته الانتخابية في داخل الليكود، وعلى ما يبدو فإن مصدر هذه الأموال هي الجهات اليهودية اليمينية المتطرفة في الولايات المتحدة.

ويسعى لنداو مع مجموعته في حزب الليكود الى عقد اجتماع سريع للجنة المركزية للحزب (مركز الحزب) لاتخاذ قرار يقضي بإجراء انتخابات لرئاسة الحزب خلال ستين يوما، إلا أن رئيس مركز الحزب، الوزير من دون حقيبة تساحي هنغبي، يرفض عقد جلسة كهذه، بعد ان اتضح أن جناح اليمين المتشدد قرر حشد مؤيديه في اللجنة لتمرير مثل هذا القرار، إذ أنه ليس مضمونا أن يتجند المعسكر الآخر لاسقاط هذا المشروع.

فرص لنداو

في الحقيقة من الصعب حتى الآن معرفة النسبة التي بامكان عوزي لنداو ان يحققها في الانتخابات أمام شارون، وهذا مرتبط أولا بتشكيلة المنتسبين الجدد لحزب الليكود، وإذا ما قرر بنيامين نتنياهو ترشيح نفسه فإن هذا يعني انقساما في المعسكر المقابل لشارون، مما يعزز فرص فوز الأخير.

لكن المنافسة الجدية قد تكون بالاساس بين لنداو ونتنياهو حول منصب الشخصية الثانية في الحزب، أو من الذي سينافس شارون في الجولة الثانية للانتخابات، إذا لم يتجاوز أي من المرشحين نسبة 40% من الأصوات، وفوز لنداو بمنصب الرجل الثاني سيعني بشكل حاسم نهاية الحياة السياسية لبنيامين نتنياهو كشخص يحارب من أجل استعادة الحكم ليديه، وفوز لنداو في المركز الثاني بعد شارون، قد يقلل احتمالات حدوث انشقاق في الليكود بين يمين متشدد ويمين أقل تشددا أو "معتدل"، كون لنداو لن يسارع في التخلي عن هذا المنصب الرفيع الذي يفسح له المجال لأن يتبوأ أرفع المناصب الوزارية في أية حكومة يشكلها شارون مستقبلا بعد الانتخابات البرلمانية القادمة.

ولكن شارون كان قد اعلن في السابق انه يستصعب العمل في حزب واحد مع لنداو، مما يؤكد ان الخلاف السياسي في الليكود لن يبقى في اطار المماحكات والمناورات بين الاجنحة المختلفة، وانما قد يكون مقدمة إلى انشقاق فعلي، وهذا مرتبط بحد كبير بنتائج الانتخابات الداخلية لليكود.

يذكر أن هذه ليست المرّة الأولى التي يواجه فيها الليكود أزمة سياسية كهذه، فقد شهدنا مثلها في فترة حكومة نتنياهو، في النصف الثاني من سنوات التسعين حين تزعم الجناح اليميني المتشدد بنيامين بيغن، الذي قرر الانشقاق عن حزب والده في العام 1999، وشكل حزبا جديدا من المنشقين معه من الليكود، وخاض الانتخابات وحصل على اربعة مقاعد فاعتبر النتيجة فشلا شخصيا واعتزل الحياة السياسية الى اليوم.

في المجمل العام فإن ترشيح لنداو حوّله من شخص في الصف الثاني بين قادة اسرائيل الى الصف الاول، وقلب الكثير من الاوراق وخلق بلبلة في حسابات نتنياهو، ولكن أيضا في المعسكر نفسه الذي يقوده لنداو.

الكرة في ملعب لنداو واليمين المتشدد

يبقى السؤال الآن هو كيف سيتعامل اليمين المتشدد مع نتنياهو، فهل سيمنحه الثقة من جديد، وهل سيضغط على لنداو للتراجع عن استقالته وإعطاء فرصة أخرى لنتنياهو في سبيل الوحدة أمام شارون، إن هذا سؤال تحكم إجابته الكثير من الدوافع الشخصية والتطورات السياسية، والصورة ستتضح خلال أسابيع قليلة جدا.