جدل حول فاعلية قرار إلغاء تطبيق "قانون أملاك الغائبين" في القدس المحتلة

انشغلت اسرائيل، على مدى الأسبوعين الماضيين، في مسألة الكشف عن القرار الحكومي القاضي بفرض ما يسمى بـ "قانون املاك الغائبين" على القدس المحتلة لسلب ومصادرة عشرات آلاف الدونمات والاملاك الفلسطينية في منطقة القدس والتي تعود ملكيتها لفلسطينيي الضفة الغربية (نشرنا في "المشهد الاسرائيلي" عرضًا موسعًا للتقرير الصحفي الذي نشرته صحيفة "هآرتس" بشأن القرار المذكور). وأمام الضغط الإعلامي الذي قاد الى ضغوط سياسية من طرف الإدارة الأميركية أيضًا، أعلنت الحكومة الإسرائيلية انها ستعيد النظر في مسألة اتخاذ القرار، الذي اتخذه وزيران فقط في اللجنة الوزارية "لشؤون القدس" التي تضم سبعة وزراء.

وفي اليوم التالي لاعلان الحكومة، قبل أسبوع، سارع المستشار القضائي، ميني مزوز، إلى الإعلان انه لم يشارك في اتخاذ القرار، على الرغم من انه مرّ عليه اكثر من ستة اشهر، كما اعلن هذا الموقف بعد 12 يوما من صدور التقرير. وايضا في اليوم الذي تلاه أعلن مزوز انه يوصي الحكومة بالغاء القرار، ولكن الحكومة الاسرائيلية لم تقل كلمتها الأخيرة على ما يبدو، كما أعلن ذلك وزير المالية بنيامين نتنياهو الذي ما زال يصر على تطبيق القانون العنصري المذكور.

وفيما يلي تسلسل التطورات الأخيرة المتعلقة بهذه القضية:

ذكرت مصادر اسرائيلية، الأسبوع الماضي، ان الحكومة الاسرائيلية ابلغت الادارة الاميركية بأنها ستدرس من جديد تطبيق قانون املاك الغائبين على املاك فلسطينيي الضفة الغربية في القدس المحتلة، وهذا في اعقاب طلب الادارة الاميركية توضيحات من الحكومة الاسرائيلية، بشأن القرار الذي اتخذته الحكومة الاسرائيلية سرا، في شهر تموز (يوليو) الماضي، بتزامن مع اقرار خطة الفصل، ويقضي بتطبيق القانون المذكور على املاك الفلسطينيين في القدس المحتلة.

وفي اليوم التالي اصدر المستشار القضائي للحكومة الاسرائيلية، ميني مزوز، بيانا يتنصل فيه من مسؤوليته عن اقرار الحكومة لتطبيق القرار على املاك الفلسطينيين في القدس، وهذا بعد 12 يوما على صدور التقرير الصحفي الذي كشف عن الفضيحة، وجاء فيه ان قرار الحكومة تم اتخاذه بموافقة المستشار القضائي للحكومة ورئيس الحكومة اريئيل شارون.

وبعد يوم أصدر المستشار القضائي، مزوز، مرسوما يأمر فيه الحكومة بشطب القرار الوزاري القاضي بتطبيق ما يسمى بـ " قانون املاك الغائبين". وقال مزوز في قراره "إن تطبيق صلاحيات مسؤول املاك الغائبين على املاك مواطني الضفة الغربية في القدس الشرقية سيخلق صعوبات قضائية كثيرة، بسبب الظروف هناك، وايضا بسبب التزامات اسرائيل تجاه القانون الدولي، الذي يلزم القوانين الاسرائيلية، وخاصة في ما يتعلق بحقوق مواطنين في مناطق سيطرت عليها اسرائيل في ظروف حربية"، كما جاء في القرار.

واضاف مزوز في قراره ان تطبيق القانون على املاك الفلسطينيين في القدس سيفتح جبهة على اسرائيل، فمن المؤكد انه ستكون انعكاسات دولية لهذا القرار، وهو امر يجب اخذه بعين الاعتبار، كما جرى حين تم طرح قضية الجدار الفاصل على الاسرة الدولية وقرار محكمة لاهاي في هذا المجال.

وقالت صحيفة "هآرتس" انه بعد ثلاثة اسابيع من اقرار حكومة اريئيل شارون لخطة الفصل، في شهر حزيران (يونيو) الماضي، انعقدت لجنة وزارية تعنى بشؤون القدس المحتلة، وبحضور وزيرين فقط، من اصل سبعة وزراء، هما نتان شيرانسكي وزبولون اورليف، وتقرر مصادرة عشرات آلاف الدونمات الفلسطينية واملاك أخرى، تصل قيمتها الى مئات ملايين الدولارات. وأكد تقرير صحيفة "هآرتس" أن القرار حصل على موافقة شارون نفسه والمستشار مزوز.

نتنياهو يصر على تطبيقه

وكان من المفروض ان يبحث الكنيست الموضوع في الاسبوع قبل الماضي، إلا ان الحكومة طلبت وبشكل مفاجئ وغير متبع في انظمة الكنيست تأجيل بحث الموضوع بحجة تغيب وزير المالية، ولكن كان واضحا ان ضغوطا دولية تمارس على حكومة شارون لتعديل قرارها.

وفي منتصف الاسبوع الماضي جرى بحث برلماني بمبادرة من بعض النواب العرب وحتى نواب اليمين، وقد رد على اعضاء الكنيست وزير المالية بنيامين نتنياهو بالاعلان انه سيحاول اقناع المستشار القضائي بتغيير موقفه، مع تلميحه الواضح الى ان رأي المستشار ليس ملزما للحكومة. ولعدة مرات كرّر نتنياهو في كلمته مقولة "ان ما يسري على تل ابيب وحيفا واللد والرملة وعكا يسري ايضا على القدس". وادعى نتنياهو إن قرار الحكومة هو ما كان قائما منذ العام 1967 الى العام 2000، حين قررت الحكومة برئاسة ايهود باراك، وبمبادرة من الوزير السابق يوسي بيلين، قلب القرار، وجعل اي قرار يتعلق بالتصرف بشأن الاملاك في القدس، بأيدي الحكومة.

وتناقض اقوال نتنياهو حقائق تاريخية اسرائيلية، تؤكد على ان المستشار القضائي للحكومة في العام 1967، مئير شمغار، الذي اصبح لاحقا رئيسا للمحكمة العليا وتقاعد، قد عارض تطبيق القانون الاسرائيلي على املاك الفلسطينيين في الضفة الغربية.

قرار المستشار ملزم أم لا؟

قرار المستشار القضائي من حيث المضمون لا يتعلق اطلاقا بحقوق الانسان، الانسان الفلسطيني واملاكه، وهو مؤلف من شقين، الشق الأول يتعلق بمعارضة القانون الاسرائيلي بالقانون الدولي، الذي تخرقه اسرائيل باستمرار ولحظة بلحظة في مختلف الميادين والمجالات لكونها تواصل احتلالها المناطق الفلسطينية.

اما الشق الثاني فيتعلق بضرورة "الأخذ بعين الاعتبار مكانة اسرائيل امام الاسرة الدولية، وان لا يجر الى مواجهة مع العالم وضغوط عالمية عليها".

ولكن السؤال الداخلي في اسرائيل هو ما إذا كان قرار المستشار ملزما ام لا. وقد عالج هذه المسألة محلل الشؤون القضائية والحقوقية في صحيفة "هآرتس"، زئيف سيغل، الذي نشر مقالا حول الأمر، يوم الاربعاء الماضي، انتقد فيه تأخر صدور الأمر من قبل المستشار القضائي، وقال إن هذا التأخر يستوجب تفسيرا من وزارة القضاء. وقال سيغل "على أية حال فإن تأخر الأمر (القرار) أفضل من عدمه، وقرار المستشار ملزم للحكومة، وهو ليس مجرد قرار استشاري للحكومة".

واضاف سيغل "إن أوامر المستشار تلغي عمليا قرار اللجنة الوزارية لشؤون القدس، منذ شهر حزيران (يونيو) 2004، الذي اقرته الحكومة بعد ثلاثة اسابيع، بعد ان لم يعترض احد عليه..". "ويؤكد المستشار القضائي لحكومته في قراره ان لا صلاحية للجنة الوزارية لشؤون القدس بتحليل وتفسير قوانين، تتعلق بصلاحيات "حارس الاملاك"، وليس من مهمتها تحديد سياسة وصلاحيات تتعلق باملاك الغائبين".

وحسب سيغل فإن "المستشار القضائي يصر على تطبيق صلاحيات لحارس الاملاك في القدس الشرقية فيها صعوبات قضائية، بسبب واجب الدولة في الحفاظ على املاك فلسطينيي الضفة الغربية في القدس الشرقية، تلك الاملاك التي سيطرت عليها الحكومة في ظروف حربية".

وينبه سيغل الى انه على الرغم من كل ما ذكر فإنه لا يوجد شيء بامكانه ان يمنع الحكومة من تطبيق صلاحيات حارس الاملاك على القدس الشرقية، وكل ما بوسع المستشار القضائي فعله في هذه الحالة هو ان لا يمثّل الحكومة في اية دعوى قضائية في هذا المجال.

على اية حال فإن العيون يجب ان تبقى مسلطة نحو الحكومة، فهي إن اختارت القبول بقرار وأمر المستشار، فهذا لا يعني انها لن تبحث عن وسائل أخرى للسيطرة على اراضي الفلسطينيين، خاصة وان اسرائيل قد وضعت هدفا مسبقا لسلب هذه الاراضي، وهو بناء احياء استيطانية ضخمة وجديدة، بين القدس وبيت لحم المحتلتين، بهدف ربط القدس بالتكتل الاستيطاني غوش عتصيون، وفصل جنوب الضفة الغربية كليا عن مدينة القدس المحتلة.