الكنيست صادق على "قانون الانتفاضة" لسلب حق الفلسطينيين في تلقي تعويضات

صادق الكنيست الإسرائيلي في آخر أيام دورته الصيفية، الأربعاء 27/7/2005 ، على "قانون الانتفاضة" الذي يهدف إلى منع الجرحى والمتضررين الفلسطينيين جراء العمليات التي ينفذها الجيش الإسرائيلي من تقديم دعاوى قضائية ضد دولة إسرائيل.

وأيد القانون 54 عضو كنيست وعارضه 15 عضوا.

ويمنع "قانون الانتفاضة" الذي طرحته الحكومة الإسرائيلية على الكنيست أي إمكانية أمام الفلسطينيين لتقديم دعاوى قضائية في مجال الأضرار بالممتلكات والأرواح ضد دولة إسرائيل باستثناء وقوع الأضرار جراء حادث سير يكون متورطًا فيه جندي يقود مركبة عسكرية أو حدوث أضرار جسدية لفلسطيني معتقل في سجن إسرائيلي.

ويقضي القانون الجديد بإلغاء كافة الدعاوى التي قدمت في الماضي للمحاكم الإسرائيلية وطالب فيها فلسطينيون بالحصول على تعويضات جراء إلحاق القوات الإسرائيلية أضرارا بهم منذ اندلاع الانتفاضة في شهر أيلول/سبتمبر 2000.

وزعمت الحكومة الإسرائيلية في تسويغها للأسباب التي دفعتها إلى تقديم مشروع "قانون الانتفاضة" انه تم خلال السنوات الماضية تقديم آلاف الدعاوى القضائية من جانب فلسطينيين ويصل مبلغ التعويضات التي طالبوا بها إلى مئات ملايين الشواقل.

وينص البند المركزي في "قانون الانتفاضة" على انه "بالرغم عما تنص عليه قوانين أخرى فإن الدولة (الإسرائيلية) غير مسؤولة عن الأضرار (اللاحقة بالفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة) الناجمة عن المواجهات وبسبب أعمال نفذتها قوات الأمن" الإسرائيلية.

وسبق لـ"المشهد الإسرائيلي" أن نشر تقريرًا موسعًا حول هذا الموضوع تحت العنوان "الهدف: سلب حق الفلسطينيين في تلقي تعويضات بأثر رجعي". وفيما يلي التقرير المذكور:

آلاف الدعاوى القضائية قدمت من قبل الفلسطينيين ضد الدولة بقيمة إجمالية تقدر بأكثر من 600 مليون شاقل. هذه الالتماسات حثت وزارتي الدفاع والعدل إلى المبادرة لإضافة تعديلات ملموسة على ما يسمى بـ"قانون الانتفاضة" وإضافة بند ذي أثر رجعي فيه. هدف التعديل هو حظر تقديم التماسات بسبب أضرار ناجمة عن الأحداث التي جرت منذ اندلاع الانتفاضة في أيلول 2000 ما عدا أحداث استثنائية.

هذا ما جاء في تقرير موسع أعده الصحافي جدعون ألون من "هآرتس" وأشار في سياقه إلى أنه تجري في الأيام الأخيرة مناقشات حول التعديل في اللجنة البرلمانية بهدف إعداده للقراءتين الثانية والثالثة.

وتابع ألون: هذه الخطوة اتخذت على الرغم من أن الكنيست كان قد صادق قبل ثلاث سنوات فقط (في حزيران 2000) بالقراءة الثانية والثالثة، وبعد مداولات مطولة ومرهقة امتدت عشر سنوات، على "قانون الانتفاضة". هذا القانون ولد بهدف تقليص الخيارات أمام الفلسطينيين لتقديم دعاوى بالتعويض ضد الدولة (القانون هدف بالأصل إلى وضع العراقيل أمام أولئك الذين أصيبوا في الانتفاضة الأولى التي امتدت من 1987 حتى 1993).

ثمة تغييران أساسيان في اقتراح القانون الجديد: الاستخدام لمصطلحات مثل "مواجهة مسلحة" و"سكان منطقة مواجهة" بدلاً من مصطلحات مثل "عملية حربية". وكذلك القرار بأن تنطبق بنود القانون بصورة رجعية من أيلول 2000 باستثناء الدعاوى التي كانت قد بدأت الإجراءات فيها في أروقة المحاكم قبل صدور القانون نهائياً.

بكلمات أخرى قررت الحكومة بواسطة وزارتي الدفاع والعدل تقليص قدرة الفلسطينيين المصابين خلال الانتفاضة الثانية على تقديم دعاوى تعويضات ضد الدولة إلى الحد الأدنى.

نائبة المستشار القانوني للحكومة، المحامية ساريت دانا، قالت في إحدى الجلسات التي عقدتها لجنة الدستور والقانون والقضاء حول هذه القضية أخيراً إنه "لا حاجة للحديث كثيراً عن ذلك لأن الوضع في إسرائيل قد تغيّر في أيلول 2000. إسرائيل تواجه وضعاً يتميّز بالمجابهة الجديدة التي لم نشهدها من قبل. القاعدة الشاملة للقانون هي أن المواطنين في منطقة المجابهة لا يستحقون الحصول على تعويضات من إسرائيل بسبب عملية نفّذتها قوات الأمن في المنطقة". وهي أوضحت أن لهذه القاعدة استثناءات يحق للفلسطينيين فيها أن يطالبوا بالتعويضات: في حالة الإصابة نتيجة حادثة سير أدين بها جندي سائق أو في حالة حصول ضرر جسمي للفلسطيني خلال وجوده في معتقل عسكري. كذلك يمكن لهم أن يتوجهوا للجان الاستثنائية الخاصة في وزارة الدفاع أيضاً.

المحامية تمار كلهورة، من وزارة العدل، أوضحت أن "هدف القانون هذا هو تكريس فكرة أن على كل جانب أن يتحمل الأضرار التي تلحق به خلال الحرب أو المجابهة المسلحة. الهدف بصراحة هو عدم الولوج في تفاصيل كل عملية".

بعض الضباط الكبار في الاحتياط الذين ظهروا في جلسات لجنة الدستور ذكروا كيف أنهم يضطرون بعد سنوات من العمليات العسكرية في المناطق الفلسطينية المحتلة لتحمل عناء التوجه للقضاء ومتابعة الإجراءات للإدلاء بالشهادات والخضوع للتحقيق بسبب قضايا التعويض مثلما يحدث مع "المحامي الفلسطيني الذي قد يكون هو نفسه الشخص الذي استخدم ضدنا السلاح في رام الله في السابق"، على حدّ قول أحد الضباط.

عندما ذكر ممثلو وزارة العدل أن الأمر يتعلق بتشريع بأثر رجعي من أجل سد الطريق على موجة الالتماسات الكبرى التي قدمت للمحاكم باستثناء أولئك الذين وصلوا إلى مراحل عرض الأدلة، اندلعت جلبة في المداولات.

عضو الكنيست زهافا جالئون من ميرتس ـ ياحد قالت صارخة: "منذ متى نقوم بسن قوانين بأثر رجعي؟". رئيس الائتلاف عضو الكنيست جدعون ساعر من الليكود رد عليها ساخراً: "ماذا نعمل إن لم نكن نتوقع أنهم سيشرعون في الحرب؟ نحن لسنا ملزمين بدفع الأموال للمخربين". عضو الكنيست يتسحاق ليفي (الصهيونية الدينية): "كل قضية الأثر الرجعي لم تكن لتطرح لو كانوا قد طرحوا اقتراح القانون فور المصادقة عليه بالقراءة الأولى في العام 2002". رئيس اللجنة عضو الكنيست ميخائيل إيتان (الليكود) قال إن "موقفي في قضية الأثر الرجعي هو أنه لا يوجد أي شيء مطلق. إن كنا بحاجة إلى تشريع بأثر رجعي لهدف جدير فمن الممكن تشريعه. عندما يسود وضع حرب فعلينا أن نجد نقطة التوازن الصحيحة. وكيف نكون عادلين من جهة ونحمي مصالحنا من الجهة الأخرى. ذلك أنه من المهم ألا نعطي جائزة لأولئك الذين يريدون قتلنا".

ممثلة وزارة الدفاع، البريغادير جنرال بنينا شرفيط ـ باروخ، أوردت أمثلة من دول ديمقراطية أخرى في العالم بشأن كيفية مواجهة أوضاع مشابهة. في هذا السياق قالت إن في الولايات المتحدة قانوناً يحدد بصورة مباشرة أن الدولة حصينة أمام الالتماسات بالتعويضات في كل ما يتعلق بالعمليات الحربية بما فيها تلك التي تتم خارج أراضيها. وفي بريطانيا تملك الحكومة حماية واسعة في القضايا الحربية. أما في ألمانيا فقد صدر قرار قضائي في عام 2003 في التماس قدّمه أشخاص كانوا قد أصيبوا من قصف جسر في يوغوسلافيا على يد حلف الناتو وجاء فيه أنه ليس من حقهم أن يقدموا التماساً بالتعويض وأن الأمور يجب أن تسوى بين الدول. في فرنسا يوجد قانون يقول إن الدولة ليست ملزمة بالتعويض عن أضرار الحرب. في اليابان والهند توجد سياسة مشابهة أيضاً.

أورنا كوهن من منظمة "عدالة" والمحامي دان يكير المستشار القانوني لجمعية حقوق المواطن هاجما التعديلات على قانون الانتفاضة بشدة.

كوهن قالت إن اقتراح التعديل يخرق حقوقاً دستورية نص عليها القانون الإسرائيلي بصورة بليغة. كما أن القانون يخرق التزامات إسرائيل وتعليمات القوانين الدولية. البند الرابع في معاهدة الحقوق المدنية والسياسية يقول إن الدولة لا تستطيع أن تمارس التفرقة حتى في أوضاع الطوارئ.

المحامي يكير قال مثلها إن الصيغة المقترحة تعبر عن انفصام وزارة العدل. هذا اقتراح غير أخلاقي وغير قانوني وهو لا يهدف فقط إلى سد الطريق أمام التماسات فلسطينيين بالحصول على التعويضات، وإنما أيضاً إلى ترك جيش الدفاع من دون أي رقابة على عملياته.

تصريحاته أثارت عضو الكنيست ساعر الذي قال إننا "دولة مجنونة" إن لم نقم بتعديل القانون. دولة إسرائيل هي دولة مغفلة. كيف يمكن عموماً البرهنة انه لا يوجد أساس للادعاءات عندما تحدث في كل يوم مئات العمليات في المناطق. وهل يوجد عموماً توثيق يسمح بعد عدة سنوات بإيجاد جندي الاحتياط الذي كان هناك؟ في آخر المطاف سيأتي أحد الملتمسين ويروي حكاية فوق منصة الشهود أمام المحكمة وان لم يقم الجيش بإيجاد الجنود الذين كانوا في ذلك الحادث أو إن لم يكونوا يذكرون التفاصيل التي حدثت في ذلك الحدث بسبب كثافة الحرب فإن الدولة لن تتمكن من حماية نفسها وبذلك تتحول إلى ماكنة نقد للإرهاب الفلسطيني.

عضو الكنيست جالئون ردت بشدة على أقوال ساعر: "الحكومة التي تقدم تعديل القانون تضيف خطأ على الخطيئة. ليس فقط أنها لا تقوم بالتحقيق في كيفية قتل آلاف الفلسطينيين خلال المجابهة وإصابة عشرات الآلاف منهم في الوقت الذي كان الكثيرون منهم غير ضالعين في الإرهاب عموماً، وإنما تقوم الآن أيضاً بمنعهم من الحصول على التعويضات. في هذا الاقتراح مصادرة جارفة لحقوق إنسانية أولية. ليس من حقنا أن نلوي ذراع كل المعايير وكل القوانين بسبب عدم قدرتنا على المواجهة في أروقة المحاكم مع الدعاوى القضائية المطروحة".

تجدر الإشارة إلى أنه وفق الإحصائيات الإسرائيلية، تم في العام 1997 تقديم 517 دعوى للحصول على تعويضات من قبل فلسطينيين إلى وزارة الدفاع الإسرائيلية. وفي العام 1998 تم تقديم 421 دعوى، وفي العام 1999 قدمت 359 دعوى، وفي العام 2000 قدمت 329 دعوى. أما في العام 2001 وفي أعقاب اندلاع انتفاضة الأقصى، فقد تم تقديم 709 التماسات، وفي العام 2002 قدمت 614 دعوى، وفي العام 2003 قدمت 1025 دعوى، وفي العام 2004 قدمت 1835 دعوى. أما هذه السنة فتم حتى شهر نيسان تقديم 514 دعوى للحصول على تعويضات.

على الصعيد المالي للدعاوى طرأ أيضاً ارتفاع جوهري خلال السنوات الأخيرة، من 7180 مليون شاقل في العام 2001 إلى 177240 مليون حتى الآن.

وبالإجمال تبلغ القيمة المالية الإجمالية للدعاوى التي قدمت منذ 2001 حتى نهاية نيسان 2005، نحو 622 مليون شاقل، أي نحو مليون ونصف دولار.