إشارات إلى إرجاء العملية العسكرية الواسعة في غزة

فيما أوحت تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي شاؤول موفاز أمس الأحد 17/7/2005 بتعليق العدوان العسكري الواسع المخطط على قطاع غزة لأيام "بانتظار أن تقوم السلطة الفلسطينية بالخطوات اللازمة لوقف قصف المستوطنات"، واصل جيش الاحتلال عمليات تصفية كوادر فلسطينية فاغتال القيادي في "كتائب عزالدين القسام" سعيد عيسى صيام متوعداً بمزيد من هذه العمليات، كما قصف بصاروخ سيارة في بيت لاهيا، إلا أن رجلين على متنها نجيا من الحادث. في غضون ذلك، جرح 6 إسرائيليين في مستوطنة "نفيه دكاليم" في غزة في عمليتي إطلاق قذائف هاون تبنت إحداهما "حماس".

وكرر رئيس الحكومة الإسرائيلية ارييل شارون تهديداته للفلسطينيين بإطلاق يد الجيش "لوقف موجة الإرهاب"، وقال في مستهل جلسة الحكومة الأسبوعية انه التقى قادة الأجهزة الأمنية من جديد واصدر إليهم تعليمات "باتخاذ كل الإجراءات اللازمة ومن دون أي قيود لوضع حد لقصف الصواريخ واستهداف قادة المنظمات الإرهابية والمخربين"، مضيفاً أن إسرائيل لن تقبل بأي حال بأن يستمر الوضع الحالي وأنها معنية بالتوصل إلى تسوية سياسية "لكن ذلك يبدو مستحيلاً في وقت ينفلت الإرهاب على طول حدودنا".

وهدد وزير الدفاع بعملية عسكرية واسعة النطاق "إذا لم تقم السلطة بخطوات جدية لوقف إطلاق القذائف على البلدات الإسرائيلية". وقال إن رسالة بهذا المعنى نقلت إلى قادة السلطة عبر "قنوات مصرية وأميركية"، وإذا "لم تتوقف الاعتداءات علينا فسنوقفها نحن بعملية عسكرية متواصلة في القطاع". وتابع أن حركة "الجهاد الإسلامي" اتخذت قراراً استراتيجياً بإجهاض خطة فك الارتباط عن غزة وتعمل على إقناع حركة "حماس" بالانضمام إلى جهودها. وزاد انه على رغم التصعيد فإن إسرائيل ستنفذ الخطة وفقاً للجدول الزمني المقرر وان الانسحاب "لن يتم تحت وطأة النيران".

وأشار موفاز إلى أن ثمة "بوادر أولى لنشاط تقوم به السلطة الفلسطينية ضد حركة حماس من دون أن يتم بعد بقدر كاف من العزم"، متمنياً على حركة فتح توحيد صفوفها لمواجهة حماس.

ورأى المراقبون في مجمل تصريحات موفاز إرجاء للعملية العسكرية الواسعة التي تخطط لها إسرائيل في القطاع على رغم أقوال نائبه زئيف بويم للإذاعة العامة إن "الدبابات التي حشدت على مداخل القطاع منذ يومين ستشن حملة خلال ساعات معدودة إذا فشل رئيس السلطة الفلسطينية في اتخاذ مواقف صارمة من الفصائل الإسلامية"، مضيفاً ان العملية تتجه نحو "نطاق واسع... القوات مستعدة والخطط جاهزة".

وقالت مراسلة الاذاعة في الشؤون العسكرية إن المستويين السياسي والعسكري في اسرائيل يفضلان "في هذه المرحلة الانتظار واستنفاد الخطوات" التي شرعت السلطة الفلسطينية باتخاذها خلال الساعات الأخيرة والجهود الدولية المبذولة لاحتواء التصعيد. وزادت ان ثمة مخاوف لدى أركان الحكومة الاسرائيلية من ان تؤدي عملية عسكرية برية واسعة النطاق في القطاع الى عرقلة خطة فك الارتباط وتقويض سلطة الرئيس الفلسطيني محمود عباس "واسرائيل ليست معنية بذلك". وتابعت ان حشد آلاف الجنود والدبابات على مداخل القطاع ينقل "رسالة رادعة" للسلطة الفلسطينية والفصائل المسلحة.

واستدركت الصحافية قائلة ان العملية العسكرية قد تبدأ في حال وقوع خسائر في الارواح في الطرف الاسرائيلي جراء استمرار اطلاق القذائف والصواريخ "في مثل هذه الحال لن يشفع للفلسطينيين التدخل الاميركي أو المصري الذي أثمر حتى الآن تعليق العملية العسكرية".

وتبارز وزراء الحكومة بمن فيهم وزراء حزب "العمل" في اطلاق الوعيد للفلسطينيين بينما دعا عدد من وزراء اليمين المتطرف شارون الى عدم الانتظار واطلاق يد الجيش.

واستبعد أبرز المعلقين الإسرائيليين في الشؤون العسكرية قيام جيش الاحتلال في الأيام الوشيكة باجتياح القطاع، ورأى أحدهم في التهديدات الإسرائيلية المتواترة "نفخ عضلات لا أكثر". وقال إن الحشود العسكرية حول القطاع "جيدة للكاميرات"، لكنها لم تتلقَ بعد الضوء الأخضر للاجتياح خشية أن يؤدي ذلك الى انهيار حكم "أبو مازن"، كما كتب آلوف بن في صحيفة "هآرتس". ورأى زميله زئيف شيف ان "النقطة الأبرز من الناحية العسكرية تكمن في فشل إسرائيل المتواصل في وقف اطلاق القذائف، ما يدفعها الى التفكير بتنفيذ اجتياح بري واسع في القطاع".

وتوقع المعلقون أن تعوّض إسرائيل عن فشلها هذا بمواصلة سياسة "الاغتيالات الموضعية" في موازاة جهودها لضمان انسحابها من القطاع، من دون نيران فلسطينية، معوّلة على التدخل الدولي لتوفير تعهد من هذا القبيل. ورجح هؤلاء أن لا تقوم اسرائيل بعدوان واسع قبل وصول وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس الى المنطقة نهاية هذا الأسبوع.

الى ذلك، أعلنت اذاعة الجيش أن الشرطة حظرت "مسيرة احتجاجية" لعشرات آلاف من المستوطنين وأنصارهم كان مقرراً أن تتوجه الى تكتل "غوش قطيف" الاستيطاني في القطاع الذي أعلنه شارون "منطقة عسكرية مغلقة". وقال قائد شرطة الجنوب إن المسيرة "غير قانونية"، فيما يصر قادة المستوطنين على القيام بها.

وندد شارون بـ"أعمال الشغب" التي قام بها غلاة المتطرفين ليل السبت - الأحد حين حاولوا الدخول عنوة الى "غوش قطيف"، ودعا الشرطة الى اتخاذ كل التدابير لمنع المستوطنين من دخول المستوطنات في القطاع.

لكن ما يزعج قيادة الجيش هو اتساع حلقة الرفض داخله لتنفيذ أوامر عسكرية، وأعلن قائده الجنرال دان حالوتس حل الفصيل الذي رفض 12 جندياً فيه أوامر باخلاء مستوطنين متظاهرين وقيام أحدهم بالمشاركة في التظاهرة. ويعوّل قادة المستوطنين على اتساع ظاهرة الرفض، علماً أنه وفقاً لاحصاءات الجيش، فإن 80 جندياً فقط رفضوا حتى الآن الانصياع لأوامر عسكرية.

وقام نحو 20 ضابطاً في الاحتياط بإعادة الأوسمة والرتب العسكرية التي حصلوا عليها خلال خدمتهم، الى إحدى دوائر التجنيد في مدينة حيفا، احتجاجاً على الانسحاب من غزة.

وساوى أحد الضباط، وهو محاضر جامعي، بين الضباط والقادة السياسيين الذين سينفذون الانسحاب وبين "مجرمي النازية"، وقال إنهم "سيقدمون للمحاكمة كما حوكم مجرمو النازية".