صفقات الأسلحة الإسرائيلية مع الصين ستترتب عليها ترسبات أمنية قاسية

توقعت مصادر أمنية إسرائيلية أن يتوصل طاقما مفاوضات أميركي وإسرائيلي إلى صياغة اتفاق تسوية خلال الأسبوع الجاري لإنهاء الأزمة في العلاقات بين وزارتي الدفاع لدى الجانبين حول صفقة الأسلحة الإسرائيلية- الصينية. إلا انه "حتى عندما يتم التوصل إلى حل ستبقى هناك ترسبات قاسية ستنعكس على العلاقات مع الصناعات الأمنية الأميركية وعلى الموظفين في البنتاغون".

يذكر أن الأزمة الأمنية الحاصلة بين وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) ووزارة الدفاع الإسرائيلية كانت قد نشبت في أعقاب الكشف عن صفقة بيع إسرائيل طائرات استطلاع صغيرة بدون طيار من طراز "هارفي" للصين في العام 1999 واتهام الولايات المتحدة إسرائيل بأنها أبرمت هذه الصفقة "من وراء ظهرها" وخلافا للموقف الأميركي.

وقالت صحيفة "معاريف"، التي أوردت ذلك يوم الاثنين 11/7/2005 في نبأ رئيسي لمراسلها السياسي بن كسبيت، إنه سيتم إرساء الاتفاق من خلال مذكرة تفاهم "تدعمها رسالة يوجهها رئيس الوزراء (الإسرائيلي) أريئيل شارون إلى الوزراء ذوي العلاقة في إسرائيل".

وينص اتفاق التسوية لإنهاء الأزمة على أن يعلن مدير عام وزارة الدفاع الإسرائيلي، عاموس يارون، عن اعتزاله من منصبه في الفترة القريبة القادمة لكنه سيقوم في أعقاب ذلك بزيارة رسمية إلى واشنطن وسيستقبل هناك باحترام من أجل "إزالة الغيمة الماثلة فوقه".

ويحمل البنتاغون يارون ومسؤولين آخرين في جهاز الأمن الإسرائيلي مسؤولية إبرام صفقات بيع طائرات تجسس متطورة إلى الصين من دون تبليغ البنتاغون كما تنص الاتفاقيات المبرمة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

وقال "معاريف" إن رئيس الطاقم الإسرائيلي في المفاوضات مع البنتاغون، قائد سلاح الجو الأسبق هرتسل بودينغر، توجه يوم السبت الماضي إلى واشنطن ومن المتوقع أن يكون التقى نظراءه الأميركيين وبينهم ليسا برونسون التي وصفتها الصحيفة الإسرائيلية بأنها "رقم 3 في البنتاغون" ليعرض أمامهم مذكرة التفاهم بين الجانبين.

يشار إلى أن شارون وجه قبل أسبوعين رسائل رسمية إلى الوزراء في حكومته الضالعين في هذه القضية وهم وزير الدفاع، شاؤول موفاز والقائم بأعمال رئيس الوزراء ووزير التجارة والصناعة، إيهود أولمرت ووزير الخارجية، سيلفان شالوم.

وأمر شارون الوزراء الثلاثة من خلال الرسالة التي جاءت تحت عنوان "إصلاحات في مجال مراقبة التصدير الأمني والثنائي الاستخدام" بأن يعدوا مشروع قانون "ينظم مراقبة تصدير المعدات الأمنية والثنائية الاستخدام". وتقضي حيثيات مشروع القانون المقترح أن تكون هناك رقابة من جانب الحكومة الإسرائيلية على تصدير العتاد والتكنولوجيا العسكرية.

ويفترض تقديم مشروع القانون إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي حتى موعد أقصاه شهر آذار/مارس من العام 2006 القادم وان يتم إنهاء سن القانون في غضون سنة من اليوم، وذلك بموجب طلب أميركي.

كذلك طلب المسؤولون في البنتاغون من إسرائيل تحديد الصادرات التكنولوجية العسكرية من خلال سن قانون مستقل وليس من خلال أنظمة ثانوية كما هو متبع في إسرائيل الآن.

وبحسب "معاريف" فإن إسرائيل رفضت مطلبا أميركيا بإخراج المراقبة على التصدير التكنولوجي العسكري من أيدي وزارة الدفاع وإيداعها في أيدي جسم غير حكومي. وأضافت الصحيفة أن الأميركيين تنازلوا عن هذا المطلب.

كذلك رفضت إسرائيل مطلبا أميركيا آخر بإعفاء مسؤولين لهم علاقة بإبرام صفقات أسلحة مع الصين من مهامهم.

لكن "معاريف" أشارت إلى أن قضية إنهاء يارون لمهامه "هي الأصعب" بسبب المقاطعة التي فرضها البنتاغون عليه.

يشار إلى أن محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "هآرتس"، زئيف شيف، أفاد في تقرير من واشنطن نشره قبل شهر بأن "الأزمة بين إسرائيل والولايات المتحدة حول بيع طائرات بدون طيار إلى الصين قد تعمقت".

وأضاف أن الولايات المتحدة تفرض في الآونة الأخيرة "عقوبات قاسية" على إسرائيل تسببت في إلحاق أضرار بصفقات أمنية وبمشاريع مشتركة وبتبادل المعلومات بين الدولتين في مجال الأسلحة المتطورة.

وكانت إسرائيل قد ألغت في العام 2000 صفقة بيع طائرات تجسس من نوع "فالكون" للصين في أعقاب ضغوط مارستها الولايات المتحدة عليها.

وفي أعقاب الكشف عن صفقة بيع إسرائيل طائرات "فالكون" لأغراض التجسس للصين نشبت "أزمة ثقة" بصورة شخصية بين نائب وزير الدفاع الأميركي داغ فيث ومدير عام وزارة الدفاع الإسرائيلية عاموس يارون.

والجدير بالذكر أن إسرائيل كانت قد وقعت عقدا مع الصين لبيعها طائرات "فالكون" لكن هذه العقد لم يخرج إلى حيّز التنفيذ في أعقاب ضغوط كبيرة مارسها الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون على رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك لمنع تنفيذ الصفقة.

لكن الأزمة الحالية تعمقت مؤخرا بين الدولتين، بحسب شيف، لتشمل "مجالات أمنية أخرى من شأنها أن تؤدي إلى إحداث أضرار بالغة لإسرائيل".

وكشفت الأزمة بين الدولتين حجم صفقات الأسلحة الكبيرة التي أبرمتها إسرائيل مع الصين وان عدد الصفقات الأمنية مع الصين في السنوات الأخيرة الماضية بلغ 60 صفقة أمنية.

وتطالب الولايات المتحدة إسرائيل بتسليمها كافة التفاصيل المتعلقة بهذه الصفقات "لتتمكن الولايات المتحدة من حصر الأضرار التي لحقت بأمنها، في حال وجود أضرار".

وعلى أثر ذلك عين وزير الدفاع الإسرائيلي، شاؤول موفاز، قائد سلاح الجو الأسبق، هرتسل بودينغر "لتوضيح الصورة حول الصفقات الأمنية الإسرائيلية الصينية للولايات المتحدة".

كذلك طالبت الولايات المتحدة بإجراء فحص دقيق لجهاز الرقابة الإسرائيلي على بيع عتاد عسكري مع التركيز على كيفية نشوء "ثقوب" في جهاز الرقابة والعقوبات التي تفرضها إسرائيل على من يخرق أنظمة الرقابة على بيع الأسلحة لدولة ثالثة.

وطالبت الولايات المتحدة أيضا بمعرفة الأسباب التي تحول دون ضلوع الحكومة الإسرائيلية بالإشراف مباشرة على هذه الرقابة.

من جهة أخرى أفادت تقارير صحفية بأن الولايات المتحدة طالبت إسرائيل بإقالة أربعة من كبار المسؤولين في وزارة الدفاع الإسرائيلي.

والمسؤولون الأربعة هم مدير عام وزارة الدفاع عاموس يارون ورئيس بعثة شراء الأسلحة كوتي مور ورئيس شعبة المساعدات والصادرات الأمنية يوسي بن حنان والمسؤول عن الأمن في الوزارة يحيئيل حوريف.

ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في الشهر الماضي عن مصادر في البنتاغون قولها إن إقالة المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين الأربعة "ليس جزءا من الحل الأميركي الرسمي للأزمة العميقة، بل إن الولايات المتحدة ترفض التعامل معهم".

وقد صادق كل من وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد ووزيرة الخارجية كوندوليسا رايس على فرض العقوبات المذكورة على إسرائيل منذ سبعة شهور وتم إبلاغ مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي، ستيف هادلي، بالأمر.

ولفتت "هآرتس" إلى أن الخطوات الأميركية ضد وزارة الدفاع الإسرائيلية تأتي خلافا لتوقعات الأخيرة بان الأزمة بين الطرفين ستنتهي بمجرد مغادرة المسؤولين في البنتاغون الذين نشبت الخلافات معهم لمناصبهم.

يشار إلى أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة تتعلق بجميع الصناعات العسكرية الإسرائيلية وليس بالمصانع ذات العلاقات بصفقات بيع الطائرات إلى الصين وحسب.

ومن بين الشركات الإسرائيلية التي لحق بها ضرر كبير جراء العقوبات شركة "إلبيت للصناعات الألكترونية" والتي دخلت مؤخرا في مناقصة في الولايات المتحدة لتزويد عتاد الكتروني متطور لطائرات إف-22 . وتخشى إسرائيل أن تفقد إلبيت هذه المناقصة في حال استمرت الأزمة بين الطرفين.

وقالت "هآرتس" انه نتيجة لنشوب هذه الأزمة فقد تشوشت أيضا الاتصالات بين مسؤولين أمنيين من كلا الجانبين وحتى أن "الأميركيين لا يستجيبون لتوجهات هاتفية من جانب الإسرائيليين".

وأضافت الصحيفة أنه على الرغم من وجود "بوادر" لحل الخلاف وموافقة الولايات المتحدة على عدم وقف كافة الصفقات الأمنية بين إسرائيل والصين إلا انه "حتى عندما يتم التوصل إلى حل ستبقى هناك ترسبات قاسية ستنعكس على العلاقات مع الصناعات الأمنية الأميركية وعلى الموظفين في البنتاغون".