لقاء عباس - شارون دار في مناخ من تفويت الفرصة

أدى حادث القطار المروّع في إسرائيل بصحيفتي "يديعوت أحرونوت" و"معاريف"، يوم الأربعاء 22/6/2005، إلى نشر تعليقاتهما على اللقاء بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) ورئيس الوزراء الإسرائيلي، أريئيل شارون، غداة انعقاده في القدس، في الصفحات الداخلية في حين انفردت صحيفة "هآرتس" بنشر الموضوع كخبر رئيسي على الصفحة الأولى.

وفي تعليق كتبه المحلل السياسي لهذه الصحيفة الأخيرة، ألوف بن ، قال إن اللقاء جسّد بالضبط الوضع الحالي للعلاقات بين إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية، حيث أن الطرفين مأسوران بادعاءات الدجاجة والبيضة بشأن الأسبقية.

ونقل بن عن مصادر مقربة من شارون قولها إنه لا جدوى من تعزيز قوة عباس "لأنه لا يسيطر على ما يحدث في الميدان ولأن ضعفه يترجم حالا إلى زيادة في عمليات الإرهاب". ونسب إلى أحد المسؤولين الإسرائيليين القول إن كل ما طلبه عباس ولا يتعلق بالأمن تمت الموافقة عليه، ولكن المشكلة أن غالبية مطالب عباس تتصل بالأمن.

كما نقل عن مصدر آخر قوله إن قرار عباس تأجيل الانتخابات التشريعية دلل أكثر شيء على ضآلة قوته.

وفي رأي بن فإن الأميركيين أيضا منزعجون من ضعف عباس. وهذا هو الانطباع الذي رافق جولة وزيرة الخارجية الأميركية كونداليسا رايس. وأضاف أن الأميركيين محتارون فيما إذا كان ينبغي الاستمرار في تقديم المساعدات لعباس أم أن الوقت حان لفهم أن أي شيء لن يساعده وأنه إذا ما أعطي مساعدات إضافية فإنه لا يستطيع تقديم شيء مقابلها.

من جهته وصف بن كسبيت، المعلق السياسي في "معاريف"، لقاء عباس- شارون بأنه دار في مناخ من تفويت الفرصة.

وأضاف أنه من الآن فصاعدًا بدأت الأيام الرهيبة واقتربت ساعة الحسم مؤكدًا أن الطريق التي ستنفذ بواسطتها خطة الانفصال، هذا إذا لم تصل إلى باب مسدود حتى الموعد المقرّر لتنفيذها، هي التي ستقرر استمرار العملية.

أما "يديعوت أحرونوت" فقد نشرت على لسان معلقها السياسي شمعون شيفر، المقرّب جدًا من مصادر رئيس الوزراء الإسرائيلي، أن شارون ينوي الاستجابة لطلب الرئيس عباس والتوصية بإطلاق سراح عدد من الأسرى الفلسطينيين ممن ينطبق عليهم توصيف "الملطخة أيديهم بالدماء".

وأضاف شيفر أن المقصود بذلك هم أسرى قدامى حكم عليهم بالسجن المؤبد وأمضوا أكثر من 20 عاما في السجن. وسيكون المبرّر لإطلاق سراحهم إنساني يتعلق بسنهم ووضعهم الصحي الذي" لن يسمح لهم بالعودة لارتكاب عمليات ضد إسرائيل ".

وحسب مصادر مقربة من شارون فإن العدد الذي سيوصي به هو أقل من عشرة أسرى كهؤلاء، وليس 20 كما طلب الرئيس عباس.

كما أكدت هذه المصادر أن شارون وافق على نقل المسؤولية عن مدينتي بيت لحم وقلقيلية إلى السلطة الوطنية الفلسطينية في غضون الأسابيع القليلة القادمة كما وافق على إتاحة المجال أمام المطلوبين الذين طردوا من بيت لحم إلى أوروبا للعودة إليها.

وإلى جانب ذلك نشرت "يديعوت أحرونوت " بعضا من وقائع اللقاء والحوار الذي دار فيه بين الطرفين.

شارون رفض غالبية مطالب رايس

وكان شمعون شيفر نفسه سبق أن كتب، يوم الاثنين، أن الغاية الرئيسية لزيارة وزيرة الخارجية الأميركية كونداليسا رايس في المنطقة كانت ضمان ألا يذهب "الاستثمار الأميركي في خطة الانفصال الشارونية سُدًى". غير أن شارون لم يجعل الأمر سهلاً ورفض غالبية المطالب المتعلقة بالفلسطينيين..

وأضاف شيفر أن إدارة بوش تعوّل كثيراً على خطة الانفصال، إذ يؤمن الأميركيون أن إخلاء المستوطنين سيؤدي إلى هزة أرضية في المنطقة وربما يؤشر إلى بداية نهاية النزاع. ومن جهتها تأمل رايس بأن يحصل اختراق في الشرق الأوسط على ضوء تدهور الأوضاع في العراق.

لكن شيفر يؤكد أن شارون "لم يسهل الأمر كثيراً على رايس". وقد عاد (شارون) وحذّر من أن الفلسطينيين قد يخسرون فرصة إضافية للوصول إلى إقامة دولة خاصة بهم إذا ما استمرت الفوضى في مناطق السلطة الوطنية. أما رايس فقد واصلت الخط الذي انتهجه الرئيس الأميركي جورج بوش خلال زيارة الرئيس محمود عباس (أبو مازن) في واشنطن واصفة إياه بأنه قائد سلام ومطالبة شارون بتقديم المساعدة له.

وكشف شيفر أن القسم الأعظم من طلبات رايس التي وجهتها لشارون في هذا الشأن جوبهت بالرفض التام، مثلاً الطلب بمنح سلاح خفيف لقوات الأمن الفلسطينية، حيث أكد وزير الدفاع شاؤول موفاز أن "لا شيء يطلق منه النار سيسلم أو يُباع لأجهزة الأمن الفلسطينية" حتى إشعار آخر.

وبالنسبة لطلب البدء بأعمال تأهيل المطار قال شارون وموفاز إن الأمر سيبحث فقط بعد تنفيذ الانفصال. كما رفض شارون طلب إطلاق سراح أسرى فلسطينيين.

"وهكذا، يقول شيفر، فإن الاتفاق الوحيد الذي تم التوصل إليه بين رايس وشارون هو هدم بيوت المستوطنين في غزة".

من جهتها أبرزت صحيفة "معاريف"، ضمن أشياء أخرى، تصريح رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) يوفال ديسكين لدى لقائه رايس ومؤداه أن الرئيس أبو مازن "يخاف أن يحارب الإرهاب ولا يبقي لنا خياراً".

أما صحيفة "هآرتس" فقد أبرزت تشديد رايس على أهمية أن يمّر تنفيذ خطة الانفصال بهدوء.

كما أبرزت مشاعر خيبة الأمل في السلطة الوطنية الفلسطينية من زيارة رايس "التي لم تُثمر عن أي جديد يُذكر"، منوِّهة بأن رايس تعاطت فقط مع الجوانب التقنية للانسحاب المزمع من قطاع غزة ومن بعض أجزاء شمال الضفة الغربية. وكأن ذلك لا يكفي لتعزيز خيبة الأمل، فقد وجهت رايس إلى الفلسطينيين سلسلة طويلة من الأسئلة حول قدرتهم على تنظيم الأجهزة الأمنية في القطاع حتى موعد الانسحاب وحول عجزهم عن منع الجهاد الإسلامي وعناصر من فتح من إطلاق قذائف وصواريخ باتجاه أهداف إسرائيلية حتى موعد الانفصال.