خبير في علم الإجرام:ما يعيشه ويجربه الجنود في خدمتهم العسكرية ينتقل إلى الحياة المدنية

حجبت موجة الجريمة والعنف التي تعصف بإسرائيل في الأسابيع الأخيرة بشكل غير مسبوق، الأضواء عن سائر القضايا السياسية المشتعلة، فكرست الحكومة جلستها الأسبوعية يوم الخامس من حزيران الجاري لدرس سبل التصدي لهذه «الآفة والأمر الفظيع الذي يحصل يومياً» على ما قال رئيس الحكومة أريئيل شارون، فيما حفلت وسائل الإعلام العبرية ولا تزال بسيل من نداءات استغاثة أطلقتها أمهات فتيان وقعوا ضحية للجريمة، ليناشدن أركان الدولة العبرية «مواجهة هذا الكابوس قبل فوات الأوان» وطرح القضية على رأس «جدول الأعمال الوطني».

وقررت الحكومة تشكيل لجنة وزارية خاصة برئاسة وزير الأمن الداخلي جدعون عزرا لتبت في التوصيات التي قدمها القائد العام للشرطة الجنرال موشيه كرادي ووزارتا القضاء والرفاه الاجتماعي، للمجلس الوزاري وفي مقدمها إلغاء مخطط وزارة المال فصل 2700 شرطي عن العمل، ضمن خطة التقشف الاقتصادية.

وكان عزرا عزا استفحال الجريمة إلى انشغال خمسة آلاف من عناصر الشرطة في التهيئة لتنفيذ خطة فك الارتباط عن قطاع غزة، وطالب بتغيير سلم الأولويات على أن يتصدره الإجرام المستفحل في أوساط الشبيبة والعنف الأسري، فيما دعا الجنرال كرادي إلى اعتبار محاربة الجريمة «هدفاً قومياً مفضلاً»، وان تأخذ وزارتا التعليم والرفاه الاجتماعي دورهما في هذه الحرب.

وأعاد بعض الوزراء استشراء جرائم القتل في النوادي الليلية التي يؤمها فتيان، إلى التهاون الذي تبديه المحاكم تجاه المجرمين والجانحين والى العقوبات الخفيفة التي تفرضها عليهم.

ووفقا للمعلومات التي قدمها قائد الشرطة، فإن 71 جريمة قتل وقعت في إسرائيل منذ بداية العام الجاري، مقابل 49 جريمة في الفترة نفسها من العام الماضي، أي ارتفاع بنسبة 43 في المئة. كما سجل ارتفاع بنسبة 1.5 في المئة في حالات العنف داخل العائلة وبنسبة 14 في المئة في سرقة السيارات وبـ61 في المئة في عدد الفتيان الذين ضبطت في حوزتهم سكاكين لدى دخولهم النوادي الليلية.

وتضاعف مرتين عدد الفتية الأحداث الذين تم توجيههم إلى دائرة مراقبة سلوك الأحداث في السنوات الأربع الأخيرة. وفي المجمل طرأ ارتفاع بنسبة 69 في المئة في حوادث العنف في صفوف الشبيبة خلال العام الماضي.

وفي تحليله لتفاقم الظاهرة رأى الخبير في علم الإجرام عميد كلية علم الاجتماع في جامعة حيفا، البروفسور اريه رطنر، أنها تعود إلى عوامل عدة، أبرزها الأوضاع الاقتصادية والأمنية في إسرائيل وسلوك قادتها وثقافة سياقة السيارات وعدم احترام قواعد سلوكية أساسية، مضيفاً انه ليس متفائلاً لجهة إيجاد حلول لاحتواء الأزمة «طالما لم يتم حل المشاكل المختلفة التي تعيشها إسرائيل. هذا هو الواقع وهذه هي الحقيقة وزيادة عدد أفراد الشرطة لن تأتي بالحل المنشود».

وأضاف رطنر، لموقع صحيفة «يديعوت أحرونوت» على الانترنت، أن الضائقة الاقتصادية التي تضرب المجتمع الإسرائيلي في السنوات الأخيرة تؤدي إلى تعميق الفجوات الاجتماعية: «فالبطالة تعتبر ظاهرة مرتبطة بتفاقم العنف إذ أنها تتسبب في حصول أزمة لدى العاطل عن العمل وأفراد عائلته ومحيطه، وانه عامل مساعد في زيادة الإحباط وتراكم الغضب والضغوط التي لا بد وأن تنفجر».

وتابع الأستاذ الجامعي متطرقاً إلى تأثير الأوضاع الأمنية ليجزم بأن ثمة صلة وثيقة بين الانتفاضة الفلسطينية والحرب في لبنان من جهة وموجة العنف ويقول: «جزء مما يعيشه ويجربه الجنود في خدمتهم العسكرية ينتقل إلى الحياة المدنية. إنهم ينقلون أنماطاً سلوكية عنيفة من ساحة المعركة إلى بيوتهم... إذ اعتادوا على حل المشاكل بالعنف، وهذا ما يتم تصديره للمجتمع... هذا ما حصل للمجتمع الأميركي إبان الحرب في فيتنام».

ويلفت الخبير في علم الإجرام إلى تأثير القيادة السياسية على المجتمع ويقول: «الفساد المنسوب للسياسيين ينعكس على المجتمع. السرقة ومخالفة القانون أصبحتا أمراً عادياً. الحدود بين المسموح والمحظور طمست. لقد فقدنا قدرتنا على الحكم على أخلاقيات رجالات السياسة. نرى ظواهر خطيرة من العنف الكلامي والبذاءة والتهديدات، وإذا تصرف المنتخبون من جانب الجمهور على هذا النحو وانتهجوا العنف الكلامي والجسدي، فما بالكم بالجمهور العادي البسيط. لقد تآكلت الفرامل الأخلاقية».