عمليات خنق القدس على الأرض أضعاف المعلن عنها

خلافا لكل الالتزامات في خريطة الطريق وشرم الشيخ والقوانين الدولية تواصل إسرائيل في اعتماد سياسة الأمر الواقع التقليدية وفرض الحقائق الناجزة على الأرض سيما في مجال قضم الأرض وبناء المستعمرات وتسمينها.

وفي مدينة القدس يسابق الاحتلال الزمن ليس بهدف عزلها عن محيطها الفلسطيني في الضفة الغربية فحسب، وإنما أيضًا من أجل إنهاء قضية القدس وتحديد مستقبلها قبل أية مفاوضات قد تحصل بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

ولفت المعلق السياسي في صحيفة "هآرتس"، الوف بن، مطلع الأسبوع الى أن الحكومة الإسرائيلية تقوم بالتنسيق مع الولايات المتحدة بهذا الخصوص بما وصفه بـ"الغموض البناء"، ما يعني اشاعة الدخان الساتر للحقيقة وتطبيق عكس ما تصرح به لافتا أن الأميركيين يفضلون في الواقع غض الطرف عن عمليات تسمين المستعمرات وخنق القدس العربية على ان يتم ذلك خلسة. وما يجري في مستعمرة "معاليه ادوميم" هو نموذج عملي للممارسات الإسرائيلية التي حرمتها اتفاقية روما الرابعة ولازدواجية المواقف الأميركية الرسمية حيث أعلن أخيرا عن خطة لاقامة 3500 وحدة سكنية تعرف بـ"a 1 " تهدف إلى خلق التواصل الجغرافي بينها وبين القدس المحتلة لاستكمال خنقها وتقطيع أوصال الوطن الفلسطيني وجعل فكرة الدولة الفلسطينية القابلة للحياة مجرد كلام.

بعد زيارة المكان يظهر تحقيقنا بشكل قاطع ان ما يجري على أرض الواقع اكبر واخطر مما يعلن، فبموازاة الحديث الإعلامي عن خطة a.1فإن المستعمرة تشهد الآن عمليات تسمين غير مسبوقة من خلال بناء مئات كثيرة من الشقق السكنية في الأحياء الشرقية والشمالية منها. ويبدو أن توسيع مستعمرة معاليه ادوميم التي تبعد نحو 8 كيلومترات شرق القدس المحتلة وتعد 40 الف نسمة يتم بموجب برنامج "الخطوة خطوة" . وبحسب ما يجري هناك لا تبنى أحياء جديدة تجتذب الأضواء إنما تقام أحزمة من العمارات السكنية على طول الحدود العمرانية القائمة في المستعمرة صفا بعد صف. ليس هذا فحسب بل يشارف الاحتلال على الانتهاء من بناء كلية عسكرية ضخمة جدا للطيران والفضاء على بعد كيلومترين من "معاليه ادوميم" شرقا في المنطقة الجميلة المطلة على البحر الميت وهي جزء من صحراء الخليل على ان يتم لاحقا ملء الفراغ بينها وبين المستعمرة الأم على ما يبدو.

وتتم عمليات بناء المنشآت الاستعمارية بواسطة مقاولين يهود يشغلون عمالا يهود فيما تجري عمليات تسويق الشقق قبل استكمال بنائها من خلال لافتات كبيرة في الموقع ونشر الإعلانات في الصحف.

حركة "السلام الآن"، التي ستنظم جولة في مستعمرة معاليه ادوميم بعد غد الاربعاء لاطلاع الاعلاميين على اعمال التسمين الضخمة الجارية هناك، كان سكرتيرها العام درور اوبنهايمر قد اصدر بيانا صحفيا قال فيه إن حكومة إسرائيل تعاني من انفصام في الشخصية فيما يقوم رئيسها اريئيل شارون بالاستخفاف بالتزامات الحكومة بتجميد البناء في المستعمرات وفق خريطة الطريق ويواصل تعميق الاحتلال في الضفة الغربية. وهاجم اوبنهايمر حزب العمل المشارك في الائتلاف الحكومي. واضاف "يجرؤ وزراء العمل على المصادقة على أعمال بناء في المستوطنات بأحجام اكبر من تلك التي صادق عليها وزراء اليمين المتطرفون أمثال شيرانسكي وايتام. ولا شك ان الخطة "a 1" تعني الإجهاز على فكرة دولتين لشعبين". يشار إلى أن الحكومة الإسرائيلية نشرت أخيرًا لأول مرة منذ سبعة شهور عطاء في الصحف لبناء عشر وحدات سكن في مستعمرة اريئيل.

وبموازاة عملية تسمين المستعمرة تتم عمليات "تزيين" ميادينها العامة بزراعة أشجار زيتون ضخمة عمرها بعمر تاريخ فلسطين وتعرف بالزيتون "الروماني" كونها زرعت في العهد الروماني تقتلع من كروم الفلاحين الفلسطينيين خلال أعمال التجريف الجارية تمهيدا لبناء الحيطان. وأظهر تحقيقنا أن الأشجار التي يبلغ قطرها 4-5 أمتار يتم ابتياعها من المدن الإسرائيلية، طبريا ونتانيا والعفولة، بواحد وعشرين الف شيكل (5 الاف دولار) حيث تقوم الشركات التي تنفذ أعمال التجريف الخاصة بالجدار بتنظيم معارض لبيع أعداد كثيرة من أشجار الزيتون الفلسطينية. وافادنا المواطن عدنان هرشي من قرية قفين قضاء طولكرم التي التهم الجدار 6300 دونم من أراضيها أن الاحتلال كان اقتلع أعدادا هائلة من أشجار الزيتون التي شكلت عماد الاقتصاد المحلي للأهالي منها ألف شجرة امتلكتها اسرته. واضاف "لم تتوقف عملية السطو على الزيتون بعد بناء الجدار اذ قاموا بمنع الأهالي من دخول أراضيهم غرب الجدران واقتلعوا الأشجار التي كنت أشاهد عشرات الشاحنات وهي تنقلها يوميا عبر مستوطنة ميتسر داخل الخط الاخضر حيث أعمل".