إسرائيل تواصل تغيير الواقع في القدس

نقلت صحيفة "هآرتس" اليوم الاثنين (31/1/2005) عن مصادر سياسية اسرائيلية قولها ان الحكومة الاسرائيلية ستعيد النظر في قرارها بسريان مفعول "قانون املاك الغائبين" في القدس الشرقية في اعقاب ضغوط مارستها الادارة الاميركية على اسرائيل. مع ذلك استمر النشر عن مزيد من الإجراءات الإسرائيلية الرامية إلى تغيير الواقع في القدس.

يذكر ان تقريرا نشرته "هآرتس" قبل اسبوعين كشف عن ان الحكومة الاسرائيلية قررت سرا في منتصف العام الماضي سريان مفعول "قانون املاك الغائبين" في القدس الشرقية ما يعني مصادرة اراض يملكها فلسطينيون يسكنون في الضفة الغربية يصل حجمها الى نصف اراضي الفلسطينيين في القدس الشرقية.

ونقلت "هآرتس" في عددها الصادر اليوم الاثنين عن مصادر سياسية اسرائيلية ان الولايات المتحدة طالبت اسرائيل بتزويدها بايضاحات حول قرار الحكومة بخصوص تفعيل القانون المذكور.

وادعى مصدر في الحكومة الاسرائيلية في حديث للصحيفة انه يتفهمون "حساسية الموضوع" وانه "سيتم اعادة النظر في القرار". وأفادت "هآرتس" ان النص الكامل للقرار الذي حصلت الصحيفة على نسخة منه يتيح لاسرائيل بيع او تأجير املاك الفلسطينيين في القدس الشرقية الى طرف ثالث بعد مصادرتها وفقا "لقانون املاك الغائبين".

وقالت "هآرتس" ان "هذا الامر يعني انه سيكون بالامكان بناء حي يهودي على اراضي الفلسطينيين (المصادرة) في القدس الشرقية".

وفي الوقت الذي واصل فيه كبار المسؤولين في اسرائيل بث أجواء تفاؤل في شأن «واقع جديد وحقبة مغايرة» في العلاقات الفلسطينية - الاسرائيلية وإغداق المديح لرئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) على نجاحه بـ«وقف النار» و«تمنينه» بـ«خطوات لبناء الثقة» تتمثل بازالة حواجز عسكرية واعادة انتشار قوات الاحتلال حول مدن الضفة الغربية واطلاق أقل من 10 في المئة من الأسرى الفلسطينيين، يبدو مجدداً ان الممارسات على الأرض، خصوصاً في مدينة القدس المحتلة وضواحيها من هدم منازل ومصادرة أراض فلسطينية، تكشف زيف ادعاء اسرائيل بأنها سترد على جهود التهدئة بـ«بادرات حسن نية» وتكاد تؤكد ان شيئاً لم يتبدل في سياسة الاستقواء التي وضعها رئيس الحكومة أريئيل شارون.

أبلغ وزير الدفاع الاسرائيلي شاؤول موفاز زملاءه الوزراء في جلسة الحكومة الاسبوعية أمس الأحد، انه أصدر تعليماته الى قوات الاحتلال في قطاع غزة والضفة الغربية بممارسة القوة من منطلق التحلي بضبط النفس والعمل على احباط التهديدات المتمثلة بـ«قنابل موقوتة»، مؤكداً ان الجيش سيواصل عملياته العسكرية «في كل مكان حيث تقتضي الضرورة ذلك، ومع الحذر من المساس بعناصر أجهزة الأمن الفلسطينية أو مواطنين فلسطينيين غير ضالعين بالارهاب»، وعليه تم تعديل التعليمات باطلاق النار وملاءمتها مع الواقع الجديد.

واستعرض موفاز نتائج لقائه ليل الاحد - الاثنين بوزير شؤون الأمن الفلسطيني السابق محمد دحلان «الذي سادته أجواء ايجابية»، وقال انه أقر سلسلة تسهيلات للسكان الفلسطينيين مثل ازالة حواجز عسكرية واعادة فتح معابر «كارني» و«ايرز» في قطاع غزة الاسبوع المقبل، متوقعاً ان يتم نقل المسؤولية الأمنية في عدد من مدن الضفة الغربية من سلطات الاحتلال الى السلطة الفلسطينية «في غضون أيام وفور قيام السلطة بتبليغنا بأنها مستعدة لذلك».

وكان موفاز تحدث للاذاعة العبرية عن «الفرصة السانحة لبلورة واقع جديد» وعن «مؤشرات لنضج أولي في الجانب الفلسطيني»، وامتدح الخطوات الأخيرة التي قام بها الفلسطينيون «التي تنم عن اصرار القيادة الجديدة للعمل على نحو مغاير في مواجهة الارهاب»، مضيفاً ان «الخطوات لبناء الثقة» التي تعتزم اسرائيل القيام بها ستتسم بالحذر وتأخذ أولاً اعتبار أمن المواطنين في اسرائيل، مكرراً ان اسرائيل حددت هدف الانسحاب من مدن الضفة الغربية مع حلول نهاية العام الحالي.

اطلاق الأسرى خلال لقاء عباس - شارون؟

وأضاف ان اسرائيل قد تطلق مئات من الأسرى الفلسطينيين «ممن لم تتلطخ أياديهم بدماء اسرائيلية»، رافضاً تحديد عددهم أو موعد الافراج عنهم. لكن مصادر عسكرية أفادت ان عملية الافراج قد تتم بالتزامن مع لقاء رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس الحكومة الاسرائيلية أريئيل شارون في الثامن من الشهر المقبل، كما أكدت محافل قريبة من شارون.

وقلل موفاز من أهمية فوز «حركة المقاومة الاسلامية» (حماس) في الانتخابات البلدية في القطاع. وقال ان دعم السلطة الفلسطينية دولياً وتعزيز مكانتها في الأراضي الفلسطينية وبسط نفوذها سيمنحانها ثقة أكبر في أوساط الفلسطينيين على نحو يضعف قوة «حماس» وتأثيرها. لكن صحيفة «يديعوت احرونوت» أفادت بأن اسرائيل والولايات المتحدة لم تخفيا قلقهما من «الضربة القاضية التي وجهتها حماس لحركة فتح وتمثلت بحصولها على 65 في المئة من الأصوات».

«سي آي ايه»... ودور في التنسيق الأمني

الى ذلك، ذكرت صحيفة «هآرتس» ان وكالة الاستخبارات الاميركية (سي اي ايه) ستعود للعب الدور المركزي في التنسيق الأمني بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي على رغم ان اسرائيل ليست متحمسة لذلك «لكنها ليست قادرة على رفض طلب أميركي بهذا الخصوص». وأضافت الصحيفة ان واشنطن تسعى من خلال انعاش التنسيق الأمني الأميركي- الاسرائيلي- الفلسطيني، الى الحيلولة دون حصول تصعيد في حال وقعت عمليات تفجيرية والحفاظ على العملية السياسية بين اسرائيل والفلسطينيين.

لكن في موازاة الحديث الاسرائيلي عن «واقع جديد»، تدلل الممارسات على الأرض الى ان شيئاً جوهرياً لم يتغير على السياسة الاسرائيلية، إذ كشفت صحيفة «هآرتس» اجراءين اسرائيليين متوقعين قريباً لا بد ان ينعكسا على التطورات الأخيرة سلباً، أولهما نية حكومة شارون التصديق في جلسة الحكومة المقبلة وقبل يومين من لقاء شارون - عباس، على المسار المعدل للجدار الفاصل وتحديد مسار ما يعرف بـ«غلاف القدس» في التكتل الاستيطاني المــعروف بـ«غوش عتسيون» جنوب المدينة المحتلة، اذ سيضم داخله عشرات المستوطنات وأربع قرى فلسطينية ومساحات شاسعة من أراض بملكية فلسطينيين من بيت لحم، ما سيشكل «إسفيناً» بين بيت لحم والخليل، بحسب تعبير الصحيفة.

وتكشف الصحيفة أيضاً عن مطالبة الشرطة الاسرائيلية في منطقة القدس بهدم حي كامل (حي المنطار) في بلدة صور باهر لتأمين حماية الجدار الذي يبتلع مساره مناطق واسعة من القرية. وتزعم الشرطة ان نحو 74 منزلاً في الحي المذكور أقيمت من دون ترخيص بناء وينبغي هدمها لخلق «منطقة فاصلة» بعرض 500 متر على جانبي الجدار، علماً أن المتبع في أجزاء أخرى من الجدار ان يمتد عرض «المناطق الفاصلة» بين 50 و80 متراً.

ويتزامن هذا الكشف مع تقرير رسمي وضعته المحامية طاليا ساسون وبطلب من رئيس الحكومة حول وضعية «البؤر الاستيطانية غير الشرعية» في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، أفاد بأنه منذ العام 1993 - اتفاقات أوسلو - أقام المستوطنون 125 بؤرة استيطانية من دون استئذان رسمي من الحكومة وسط غض طرف من سلطات الاحتلال وبدعم مالي غير خفي من غالبية الوزارات لاقامة البنى التحتية لهذه البؤر التي تم أخيراً وبايعاز من وزير الدفاع شاؤول موفاز، اضفاء الشرعية على معظمها ليدعي الأخير أن عدد «البؤر غير القانونية» 28 فقط. وتلفت ساسون الى حقيقة ان إغداق الموارد المالية الهائلة لهذه المستوطنات الصغيرة تم على رغم تعليمات واضحة للمستشار القضائي للحكومة، الحالي والسابق.

ثلث مستوطني الضفة مع خطة الفصل

على صلة، أشار استطلاع للرأي أجرته حركة «سلام الآن» الاسرائيلية في أوساط المستوطنين اليهود في الضفة الغربية، الى ان ثلثهم يؤيد خطة شارون «لفك الارتباط» وإخلاء مستوطنات قطاع غزة، وأن 81 في المئة يرفضون اللجوء الى العنف لمقاومة الإخلاء. وجاء في الاستطلاع أيضاً ان 67 في المئة يؤمنون بضرورة التوصل الى سلام مع الفلسطينيين، لكن 56 في المئة لا يعتقدون انه يمكن تحقيق ذلك في الفترة الحالية.