الحكومة لم تنشئ حتى ولو منطقة صناعية عربية واحدة، منذ العام 1998

"ميزانية الدولة والمواطنون العرب"، التقرير الاجتماعي- الاقتصادي الصادر عن مركز "مساواة" للعام 2004، يتمحور هذه السنة في مجالي العمل والتعليم العالي اللذين يعتبران، إلى جانب مخصّصات العاطلين عن العمل، الأطفال والمعاقين، الأداتين الأساسيّتين للخروج من حالة الفقر والبطالة. يستند التقرير إلى أبحاث تمّ إجراؤها ونشرها في السّنة الأخيرة، وهو يقوم بتحليلها مركِّزًا على أوضاع المواطنين العرب والسلطات المحلّية العربيّة.

إنّ سياسة وزارة المالية والحكومة تحمّل المواطنين المسؤولية عن الفقر والبطالة،كما جاء في التقرير، وتدّعي أنه يجب تقليص مخصصات البطالة لتشجيع الناس على الخروج للعمل. ولذلك فقد اتخذنا قرارًا بمواجهة هذه السياسة ومطالبة الحكومة بالقيام بواجبها عبر إيجاد أماكن عمل وتأهيل المواطنات والمواطنين العرب مهنيا في عمل لائق. إن 44% من مجمل المواطنين العرب المشاركين في سوق العمل هم ذوو درجة تعليم ثانوية وما فوق. وينضمّ، سنويًّا، إلى سوق العمل حوالي 10,000 مواطن عربي جديد.

تبيّن نتائج التقرير أن الحكومة قامت بتقليص مخصصات الأطفال ومخصصات البطالة، وعلى الرغم من أنّ هذه المخصصات لم تقدّم حلاً جذريا للفقر والضائقة اللذين يعاني منهما المواطنون العرب، إلا أنها ساعدت العائلات الفقيرة إلى حدّ ما على الأقل. بالإضافة إلى ذلك فشلت الحكومة، لا بل أفشلت، محاولات إيجاد أماكن عمل، وهي لا تطبق القانون الذي يلزمها باستيعاب موظفين عرب في وزاراتها؛ كذلك هي الحال بالنسبة للجامعات التي تحد من فرص توجّه المواطنين العرب للتعليم العالي، وهو ما كان سيتيح لهم الحِراك الاجتماعي والاقتصادي.

كشفت معطيات استطلاع الرفاه الذي أجرته دائرة الإحصاء المركزية في العام 2003 أنّ عددًا لا يستهان به من أبناء 20 عامًا وما فوق يتنازل، بسبب الضائقة الاقتصادية، عن الطعام، التدفئة، الأدوية، الملابس، علاج الأسنان وغير ذلك. وبيّن تقرير وزارة الصحّة الذي نُشر في تشرين الأول/أكتوبر 2003 أن وفيات الأطفال لدى السكان العرب ضعفا ما هي عليه لدى السكان اليهود. وقد ساء الوضع أكثر منذ ذلك الوقت.

للضائقة الحادة عاملان أساسيّان: حجم التشغيل لدى المواطنين العرب ومستوى الأجر لديهم- بعبارة أخرى، الدخل المتدنّي للفرد. وفي ما يلي استعراض لنتائج التّقرير الأساسيّة.

التشغيل

المناطق الصناعية: بالرغم عن وجود بند ملائم في الميزانية، إلا أنّ الحكومة لم تنشئ حتى ولو منطقة صناعية واحدةً، منذ العام 1998. وما زالت مدينتان عربيّتان كبيرتان – النّاصرة وأم الفحم – تواجهان التّجاهل والصّعوبات البيروقراطية في عمليّة إقامة مناطق صناعيّة. حتى أن المبادرين، في بلدة عيلوط، مثلاً، قاموا بدفع الرسوم للوزارات الحكومية المختلفة لكي تواصل هذه بدورها تطوير منطقة صناعيّة، لكن مرّ عامان حتى تمت موافقة وزارة الصّناعة على البدء بالعمل.

عرب في خدمات الدولة: أقرت الكنيست عام 2000 تعديل قانون خدمات الدولة، الذي يفرض على الحكومة تشغيل المواطنين العرب في وزارات الحكومة والشّركات الحكوميّة. لكن الواقع لم يتغيّر مع القانون: عملياً، انخفض عدد الموظّفين العرب في خدمات الدولة من 2,818 في العام 2002 إلى 2,798 في العام 2003، وبقيت نسبتهم من بين كافة موظفي الدولة حوالي 5%، على الرغم من أن حوالي 37% منهم هم ذوو شهادات جامعية. في العام 2003 تمّ استيعاب 193 موظفًا عربيًّا جديدًا في خدمات الدولة، مقابل 251 في العام 2002 و 315 في العام 2001.

لقد طرأ انخفاض، في السّنوات الأربع الأخيرة، على عدد النساء اللاتي انضممنَ إلى خدمات الدولة، أيضًا. في العام 2003 كان عددهنّ 66، مقارنةً بـ 80 في العام 2002، و 90 في العام 2001 و 93 في العام 2000. ونسبة النساء العربيات في خدمات الدولة هي نحو 31% من كافة العاملين العرب في خدمات الدولة. النسبة العامة للنساء في خدمات الدولة هي 63%.

مستوى مشاركة النساء في سوق العمل: يظهر حجم التشغيل المتدنّي عند معاينة المعطيات على مستوى الفرد وليس على مستوى العائلات. إنّ نسبة النساء العربيات العاملات متدنية بشكل خاصّ (17% مقابل 53% لدى النساء اليهوديات)، وهو ما يقلّل بشكل جدّي من نسبة المشاركة العامّة للمواطنين العرب في سوق العمل مقارنةً بالمعدّل العامّ في السوق: 39% مقابل 57%.

مستوى الدّخل: يحلّل استطلاع رأي أصدرته مؤسّسة التأمين الوطني في تشرين الأول/أكتوبر 2004 معدّلات الأجور والدّخل حسب البلدة ومتغيرات اقتصادية مختلفة، ويبيّن أن مستوى الأجور، في المدن العربية، بلغ، بمعدّل سنوي، حوالي 63% من معدّل مستوى الأجور في البلدات اليهودية – 3,992 مقابل 6,314 ش.ج، على التّوالي. ويتمّ الحصول على معطيات شبيهة بهذه عند معاينة معطيات معدّل الدخل الشّهري للمستقلين: في المدن العربيّة كان مستوى دخل المستقلّين حوالي 73% من مستوى دخل المستقلّين في المدن اليهودية.

التعليم العالي

التعليم العالي والتدريب المهني هما الوسائل الأفضل للحصول على عمل وللحراك الاجتماعي الأقتصادي، وقد اخترنا في هذا التقرير فحص سياسة الحكومة والجامعات في مجال التعليم العالي. وقد اتضح ما يلي:

التوجّه للتعليم: في العام 2003 إزدادت سوءًا إمكانيّة توجّه المواطنين العرب لإحدى الآليّات المركزية التي من شأنها أن تستخدم كأداة للخروج من البطالة والفقر. ألغت الجامعات ووزارة التعليم طريقة "المتسراف" كوسيلة قبول للجامعات بادّعاء أنّ المرشّحين العرب استفادوا من الطلاب اليهود. ويكشف مسح عامّ لوضع الطلاب العرب في الجامعات عن مشاركة متدنّية وعن درجة عالية من التمييز.

القبول والتسرّب: بلغت نسبة المتسجلين العرب، من بين مجمل المتسجلين للجامعات في السّنة التعليمية 2002-2003، 15.1%، بينما كانت نسبتهم بين هؤلاء الذين تمّ رفضهم 29.8%. يتضح إنّ عددا من البلدات العربية الكبيرة غائبة تمامًا تقريبًا عن خارطة التّعليم الجامعي في البلاد.

نسبة الطلاب العرب في السّنة التّعليمية الأولى هي 9.8%، وفي اللقب الأول هي 9.5%. وتنخفض نسبتهم في التّعليم للقب الثاني إلى 4.8%، وفي التعليم للقب الثالث إلى 3.2%. وتبرز ظاهرة التسرّب لدى الطلاب العرب بشكل خاصّ.

نسبة الطالبات من بين مجمل الطلاب العرب (54.1%) قريبة من نسبة الطالبات (اليهوديات والعربيات) من مجمل الطلاب (56.5%). مع ذلك، فإنّ نسبة الطالبات العربيات، من بين مجمل الطلاب العرب، تنخفض في الدّراسة للقبين الثاني والثالث.

التدريج الاجتماعي – الاقتصادي للبلدات العربية

تمرّ السلطات المحلية العربية، التي هي في معظم الحالات مزوّد الخدمات والمشغّل الأكبر في البلدات العربية، منذ العام 2003، في أزمةً حادةً ومستمرّة. أرغمتها الحكومة على تنفيذ خطط إشفاء صعبة، تمّ في إطارها تقليص الخدمات وفصل مئات العاملين (غنيّ عن القول إنّه لم يُعثر لهم على عمل آخر).

درّج المقياس الاجتماعي – الاقتصادي للمواطنين العرب في اسرائيل السلطات المحلية العربية الـ 82 في أسفل السّلم الاجتماعي - الاقتصادي. وتشكّل البلدات العربية أكثرية ساحقة في العناقيد الدّنيا: 80% من السلطات في العنقود الأول، 93% في العنقود الثاني و87% في العنقود الثالث .

تدل المعطيات على أن حوالي 45% من السلطات المحلية العربية موجودة في العنقودين الأدنيين، و97% منها في أربعة العناقيد الدنيا.

البلدات العربيّة في النقب مركّزة في العنقود الأوّل، أي أنّها موجودة في أدنى مستوى من ناحية اجتماعية – اقتصادية.

ميزانية الدولة للعام 2005

طالبت الحكومة المواطنين وخصوصا العاطلين عن العمل بالخروج إلى العمل وحمّلتهم مسؤولية البطالة والفقر. لكنها لم تلتزم، خصوصا في حالة المواطنين العرب، في خلق ظروف أساسية توفّر فرص العمل. وفي حالة المواطنين العرب، فإن الحكومة وضعت عقبات في مجال التخطيط، ومنعت تحويل الميزانيات المخصصة لإقامة مناطق صناعية وأحياء جديدة، وميّزت ضدّ البلدات العربية في منح مكانة أفضلية قومية لجذب الصناعة، ولم تعمل على تحسين شبكة المواصلات العامة لتمكين النساء والعاطلين عن العمل من الخروج إلى مراكز عمل بعيدة. إن ميزانية الدولة للعام 2005 تعكس تواصل السياسة السائدة في السنوات الأخيرة: تقليص في مصاريف الحكومة، تقليص في مخصصات التأمين الوطني، وتقليص في أعداد موظّفي الدولة وأجورهم.