انتصار اللا مفر لشارون في حزب الليكود لا ينقذه من أزمة الائتلاف الحادة

* لم يستطع رئيس الحكومة أريئيل شارون ترشيح أي من انصاره للمناصب الهامة في حزب الليكود، فاختار من معارضيه من هم أكثر انضباطا وليتغلب شكليا على "معسكر المتمردين" * شارون بات يعترف بواقع أزمته، وأصبح مقربوه يتحدثون عن انتخابات قريبة * بات من الممكن القول ان الانتخابات البرلمانية في اسرائيل أمست على الأبواب أكثر من اي وقت مضى، وإن كان من السابق لأوانه جدا الحديث عن انقلاب سياسي في أية انتخابات مقبلة في هذه المرحلة

كتب برهوم جرايسي:

لم يكن بامكان رئيس الحكومة اريئيل شارون الاعراب عن فرحه بـ"انتصار" مرشحيه للمناصب الهامة جدا في حزبه، في الانتخابات التي جرت مطلع الاسبوع الماضي في حزب الليكود، كما لم يكن بامكانه اعتبار هذا "الانتصار" دلالة على تعزز مكانته في الحزب، او انه سيكون بامكانه استخراج قرارات تتطابق مع خططه السياسية، فقد كان نجاح شارون نجاحا محدودا امام مجموعة المتمردين في حزبه.

وقد دلت نتائج الانتخابات لأهم الوظائف الادارية في حزب الليكود، التي ظهرت فجر الاثنين من الاسبوع الماضي، على فوز مرشحي شارون الثلاثة في هذه الوظائف، وهي رئيس مركز الحزب، وهو اهم منصب بعد رئيس الحزب، ورئيس السكرتارية ورئيس المكتب السياسي. وفاز في هذه المناصب ثلاثة وزراء، هم على التوالي تساحي هنغبي ويسرائيل كاتس وداني نافيه، وجميعهم من المعارضين لخطة الفصل في الحكومة، إلا انهم التزموا بالقرار الحكومي ودعموها في الكنيست.

وعمليا فإن شارون لم يتجرأ إطلاقا على ترشيح أي من الوزراء المؤيدين لخطه السياسي وخطته، بشكل مطلق، بل اختار من المعارضين المنضبطين، ليتغلب بذلك على المعارضين المتمردين. وهذا يعكس تماما مدى الأزمة التي يواجهها شارون في داخل حزبه، وعجزه الكامل عن بلورة معسكر له في داخل اللجنة المركزية للحزب، يكون قادرا على تحقيق أية اغلبية يريدها شارون، ففي الاشهر الأخيرة تم اتخاذ سلسلة من القرارات في مركز الحزب التي عارضها شارون. وبالامكان انه لم يكن امام شارون سوى هذا "الانتصار"، إنتصار اللامفر.

أما بنيامين نتنياهو، المنافس الأكبر وشبه الوحيد لشارون، فقد كان غائبا عن المنافسة الأخيرة في داخل الليكود. ويعود هذا إلى عدة أسباب، لعل أهمها ان المنافسة جرت عمليا داخل المعسكر المعارض لسياسة شارون وخطته للانسحاب، وهذا المعسكر هو الملعب الذي يبني عليه نتنياهو منافسته القادمة امام اريئيل شارون، وبالتالي فإن تأييده لأي واحد من المتنافسين سيتسبب في خسارته لمجموعات كبيرة داخل الحزب بالامكان ان تكون من معسكره لاحقا.

الأمر الآخر هو ان نتنياهو تلقى ضربة قاصمة في الشهر الأخير في مناوراته حيال شارون، وقد أثر هذا على مكانته وجعله في موضع السخرية في الحلبتين السياسية والاعلامية، كونه سارع في القفز بين المواقف المختلفة، لا لشيء وانما فقط للانتقاص من مكانة شارون داخل الحزب، لتسهيل المنافسة عليه، والمقصود هنا كل تحركات نتنياهو عند التصويت في الكنيست على خطة الفصل، والتي عالجها "المشهد الاسرائيلي" في عدده قبل الأخير. وأمام وضعية كهذه فإن نتنياهو يحتاج الى فترة زمنية يعيد فيها حساباته ويحدد بالضبط ملعبه داخل الليكود.

شارون بات يعترف بأزمته

ونعود لنجاح شارون المحدود للقول انه لم يساهم في توسيع حلقة التأييد لطروحاته، ومن بينها المطروح حاليا بشأن ضم حزب "العمل"، اكبر احزاب المعارضة بزعامة شمعون بيريس. فقد ثبت في يوم الانتخابات، الأحد قبل الماضي، ان المعارضة لهذه الخطوة تعززت أكثر، فلم يكن بامكان المرشحين الثلاثة، الذين دعمهم شارون، إلا الاسراع في اطلاق بيانات توضح رأيهم المعارض ضم حزب "العمل" للحكومة، لكي لا يزيد هذا الحزب الضغط على شارون "للتوغل أكثر في العملية السياسية امام الفلسطينيين وتقديم تنازلات أكثر"، على حد زعم المعارضين. ويقف هذا القرار عائقا جديا امام شارون في توسيع ائتلافه، وقد صرح به شارون لزعيم حزب "العمل" في الاسبوع الماضي، الامر الذي اثار غضب بيريس، الذي اعلن ان حزبه سيلغي شبكة الأمان التي منحها لحكومة شارون في اعقاب اقرار خطة الفصل، وان "العمل" سيعود لمزاولة نشاطه كمعارضة في كل شيء.

لم يكن بامكان شارون مصارحة شمعون بيريس بأزمته، إلا إذا كان شارون قد حسم أمره في مسألة تقديم موعد الانتخابات، وهذا ثبت بالفعل في اليوم التالي للقاء شارون وبيريس، في اوائل الاسبوع الماضي. فقد قال مقربون من شارون انه بدأ التفكير في موعد الانتخابات المقبلة، وإن همه الآن هو تمرير ميزانية الدولة للعام المقبل 2005، التي كان من المفروض ان يقرها الكنيست في اواخر شهر تشرين الاول/ اكتوبر الماضي بالقراءة الأولى، وان تكون في هذه الايام في مراحل متقدمة في تحضيرها للقراءتين الثانية والثالثة في الكنيست، بمعنى اقرارها نهائيا. ولكن الميزانية ما زالت تنتظر ان تقر بالقراءة الاولى، وقد اقرت اغلبية بسيطة جدا في الكنيست في الاسبوع الماضي السماح للجنة الشؤون المالية البرلمانية بمعالجة الميزانية ولكن هذه المعالجة ستبقى من دون قيمة طالما ان الكنيست لم يقرها في القراءة الاولى.

وينص القانون الاسرائيلي على أنه يجب إقرار الميزانية العامة حتى اليوم الأخير من السنة الميلادية، ولكن إن عجزت الحكومة عن ذلك فإن القانون يمنحها مهلة ثلاثة اشهر، اي حتى اليوم الأخير من شهر آذار/ مارس من كل عام. وخلال فترة الاشهر الثلاثة يكون بامكان الحكومة ان تصرف على نفقات الدولة حسب ميزانية العام المنتهي، وليس حسب الميزانية المقترحة. وإذا لم تنجح الحكومة في اقرار الميزانية في نهاية الفترة الاضافية فهذا يعني نهاية ولايتها، ولا حاجة هنا للتصويت على حجب الثقة، وتتوجه البلاد الى انتخابات برلمانية خلال 90 يوما، بمعنى حتى نهاية حزيران/ يونيو.

حتى الآن لم يحدث هذا السيناريو ولم تسقط اي من حكومات اسرائيل بسبب الميزانية، ولكن موعد اقرار الميزانية، ونظرا لضخامة المشروع، هو مناسبة لطرح كل الأمور على الطاولة، ولهذا فإن الأزمات الائتلافية تشتد عادة في نهاية كل عام تقريبا، وهذا ما يحدث الآن، مع مراعاة أن أزمة شارون الائتلافية ليست وليدة ميزانية، فهي قائمة منذ ستة اشهر وتشتد الآن بشكل كبير.

احتدام الأزمة

تسربت الى وسائل الاعلام في الايام الأخيرة تفاصيل اجتماع لمجموعة في حزب الليكود بحضور اريئيل شارون، وكان شارون فيه متوترا وغاضبا حتى أنه انفجر بالحاضرين طالبا منهم السكوت والكف عن طرح المشاكل والعقبات في وجهه واعترف انه لم يعد قادرا على الاحتمال أكثر. ومشهد كهذا يعتبر من النوادر، إلا انه يعكس مدى الأزمة التي يعيشها شارون.

لقد احتدمت الأزمة في حكومة شارون، أول من أمس الأحد، وبات المشهد امام انفجار وشيك، واقرب من اي وقت مضى. فقد انتهى اللقاء بين شارون ويوسيف لبيد، رئيس حركة شينوي، الكتلة البرلمانية الوحيدة الباقية في ائتلافه وتضم 14 نائبا، بانفجار بين الاثنين، إذ رفض لبيد مطلب شارون الموافقة على نقل 290 مليون شيكل (66 مليون دولار) لجمهور المتدينين الاصوليين "الحريديم" من اتباع كتلة "يهدوت هتوراة" الدينية، التي لها خمسة اعضاء، وايضا 130 مليون شيكل ( اقل من 30 مليون دولار) للمتدينين الصهيونيين، وهو الجمهور الذي يسيطر على غالبيته حزب "المفدال" الديني اليميني الخارج من الائتلاف الحكومي لتوه، ويضم 6 اعضاء (حزب منشق: اربعة مقابل اثنين)، ليضمن تأييد خمسة نواب "يهدوت هتوراة" واربعة نواب "المفدال" للميزانية العامة لاسرائيل للعام القادم.

وقال لبيد لشارون ان حركته العلمانية (المتشددة) ترفض تحويل اموال للحريديم، فقد انتخبت للكنيست من اجل محاربة هذه التحويلات. ومن جهته فقد حمل شارون لبيد مسؤولية انهيار الحكومة الذي "سيؤدي الى وقف تطبيق خطة الانفصال وعدم الانسحاب من قطاع غزة"، على حد قوله. وقد رفض لبيد هذا، واعتبر ان أزمة الائتلاف ناجمة عن الأزمة في الليكود ورفض حزب الليكود بزعامة شارون ضم حزب "العمل" للحكومة. وطالب لبيد مجددا بضم "العمل" الى الحكومة لتثبيت الائتلاف.

ولكن شارون يعرف تماما ان ضم 19 نائبا من حزب "العمل" الى حكومته سيخسره أكثر من 20 نائبا من كتلة حزب "الليكود" البرلمانية، بمعنى ان ضم "العمل" لن يحل له الأزمة.

وعمليا لم يبق امام شارون سوى التوجه الى ائتلاف اليمين المتطرف ليوقف كل شيء وليعيد لحكومته كتل اليمين والمتدينين. ولكن ثمن هذا لن يكون تجميد مشروعه السياسي وانما الغاءه كليا.

بقي ان نذكر ان من شبكة الامان التي منحه اياها حزب "العمل" والغاها بقيت شبكة امان صغيرة جدا من حزب "ياحد" (ميرتس سابقا)، وله ستة نواب، والذي رفض الانضمام الى حزب "العمل" في انتقاله كليا الى المعارضة.

ولكن حزب "ياحد" بات هو الآخر يعاني من أزمة جديدة، وتظهر فيه علامات التخبط السياسي. فعلى الرغم من تصريح بعض قادته ان الكتلة البرلمانية ستواصل حماية حكومة شارون من السقوط لفسح المجال لها بتطبيق خطة الانفصال، فقد سمعنا رئيسة الكتلة، النائبة زهافا غلؤون، تدعو الى ان تصوت الكتلة ضد ميزانية الدولة للعام القادم. وزميلها البارز يوسي سريد، رئيس الحزب السابق، لم ينتظر قرار الحزب الذي كان يقوده، فقد اعلن انه سيصوت ضد الميزانية في كل مرحلة من مراحل اقرارها. وسنعالج الأزمة في هذا الحزب في عدد قادم.

يبقى أن على شارون أن يعود الآن للاطلاع على جدول أعمال رئيس الحكومة السابق ايهود باراك، الذي واجه نفس الأزمة تقريبا قبل نحو اربعة اعوام، هذه الأزمة التي اسقطت باراك وأحضرت اريئيل شارون الى سدة الحكم، بسرعة لم يكن احد يتوقعها. اليوم شارون في ورطة، وقد قفز من جديد الى الحلبة السياسية ايهود باراك، ولكن من السابق لأوانه القول ان العجلة ستعود على نفسها، فالعقبات باتت أكثر، واسرائيل قبل سنوات ليست اسرائيل اليوم، وكذا الأمر بالنسبة لكل اللاعبين في هذه الحلبة من شارون وحزبه وايهود باراك وحزبه.

على أية حال فقد بات من الممكن القول ان الانتخابات البرلمانية في اسرائيل أمست على الابواب أكثر من اي وقت مضى، وإن كان من السابق لأوانه جدا الحديث عن انقلاب سياسي في أية انتخابات مقبلة في هذه المرحلة.