القادة العسكريون والسياسيون يملأون أفواههم ماء على التنكيل بالأحياء الفلسطينيين والتمثيل بجثث القتلى


يواصل جيش الاحتلال والحكومة الاسرائيلية التماس الأعذار والتبريرات للجرائم التي تقترف بحق المدنيين الفلسطينيين من قبل الجنود والضباط وسط تساؤلات متواضعة في وسائل الاعلام العبرية حيال تنامي ظاهرة التنكيل والتمثيل بالاموات الفلسطينيين عسكريين ومدنيين على حد سواء اضافة الى التنكيل بالاحياء منهم. وتعليقا على تقديم لائحة اتهام ضد الضابط الذي قتل التلميذة ايمان الهمص من رفح في الخامس من اكتوبر/ تشرين الأول الماضي وأفرغ نحو 20 رصاصة في جسدها للتثبت من موتها كرر الناطق بلسان جيش الاحتلال موقفه المدافع ضمنا عن الجريمة بالزعم ان الجنود يعملون في "ظروف معقدة".

واستنادا الى لائحة الاتهام التي قدمت في محكمة عسكرية يوم الاثنين فقد وجه المدعي العسكري ثلاث تهم لقاتل التلميذة الفلسطينية ايمان الهمص (13 عاما) وهي الاستخدام غير القانوني للسلاح ومحاولة التأثير على مجرى التحقيق والمقاضاة والشذوذ عن الصلاحية المعطاة له وتعريض حياة الاخرين للخطر، لكن لائحة الاتهام لم توجه له تهمة التثبت من موتها واكتفت بالقول "وجه سلاحه نحو الارض واطلق عشرة عيارات".

ويتضح من لائحة الاتهام ان قاتل الطفلة كان منذ الصباح الباكر في ذاك اليوم يحث جنوده على قتل كل من يتحرك حتى لو كان ابن ثلاث سنوات. وفي قاعة المحكمة علق المتهم على اتهامات المدعي العسكري باطلاق النار بعد القتل بالقول "هذا يدعى تحاشيًا للخطر". وبموجب لائحة الاتهام فإن حارس الثكنة العسكرية القريبة من محور فلادلفيا شاهد "هدفا مشتبها" على بعد مئة متر فقام القائد وجنوده باطلاق النار صوبه ولما تقدم المتهم لوحده نحوه واتضح انه طفلة لم يمنعه ذلك من اطلاق النار عليها مرتين عن قرب شديد ولاحقا قام بالضغط على جنوده باعتماد روايته للحادثة بأنه اطلق النيران نحو الارض. وقال محامو المتهم ان لائهة الاتهام لم تتهم موكلهم بالتثبت من القتل لافتين الى وجود ادلة بحوزتهم تثبت ان المتهم وقع ضحية فرية من بعض جنوده الذين يكنون له العداء لكونه "غير يهودي"، وعبروا عن قناعتهم بأن المحكمة ستبرىء ساحته. الى ذلك كانت القناة الاسرائيلية الثانية قد خصصت برنامجها الاخباري الاخير "عوفداه"(حقيقة) لهذه القضية وفيه عرضت شهادات جنود اكدوا ان اطلاق النار استهدف القتل رغم ادراكهم بانها طفلة فيما أكدوا انهم سمعوا الضابط المتهم وهو يقول "اجريت تثبتا من القتل" أكثر من مرة. كما عرض في البرنامج مقطع من تسجيل مصور للتحقيق مع الضابط المتهم وهو يقول "هكذا علموني في الجيش".

من جانبها عالجت صحيفة "هآرتس" ما قامت وسائل الاعلام الاسرائيلية بتجاهله او التقليل من أهميته فافردت كلمة عددها (الاثنين) لهذا الأمر وقالت فيها ان جيش الاحتلال الاسرائيلي "لا يختلف عن الجيوش المحتلة في العالم اما توقع غير ذلك فينبع من الجهل والتعامي عما يجري". واضافت "ان التفاخر بطهارة السلاح ومحاولة بلورة منظومة قيم عسكرية لا يعدو كونه شعارا فارغا اذا لم يقترن الامر بالفعل". واتهمت هآرتس الاحتلال بعمليات اضطهاد للاحياء والاموات الفلسطينيين الذين ينظر اليهم نظرة فوقية ويتعرضون لشيطنة مستمرة . واعتبرت "هآرتس" ان واقعا سياسيا جديدا فقط داخل الاراضي المحتلة سيمكن من اعادة الكرامة للفلسطينيين وللجنود الاسرائيليين ودعت قادة الجيش الى الاسراع باعتماد يد حديدية ضد مقترفي الجرائم بحق الفلسطينيين، مؤكدة انه بدون ذلك "لن يستعاد العمود الفقري الاخلاقي للجيش وللدولة". وأضافت "هآرتس": "كانت مجموعة من الجنود الاسرائيليين قبل حوالي نصف العام قد نظمت معرضا بعنوان "يكسرون الصمت" احتوى شهادات على اعمال تنكيل قاسية بمدنيين فلسطينيين من الخليل، غير ان رد فعل قائد اركان الجيش كان ان ارسل الشرطة العسكرية لمصادرة محتويات المعرض، وبذلك غلب الغضب من نشر الحقائق على الخجل، وحتى اليوم لا يعرف ما اذا اتخذت اجراءات بحق المعتدين".

وتابعت: "ومن فوجىء من الشهادات المروعة التي نشرها تحقيق يديعوت احرونوت يوم الجمعة حول التقاط الصور مع جثث الفلسطينيين فهو مقتنع على ما يبدو ان الجيش الاسرائيلي هو الجيش الاكثر اخلاقية في العالم. الا ان الجيش الاسرائيلي هو كسائر الجيوش المحتلة . وبموجب الشهادات في تحقيق يديعوت احرونوت فان الحديث لا يجري عن وحدة عسكرية واحدة انما عن ظاهرة واسعة منتشرة لدى الكثير من الوحدات القتالية الخاصة. ان التثبت من القتل يعني احيانا متقاربة قتل فلسطينيين جرحى والتمثيل بجثثهم وتعليق رؤوس القتلى على الاعمدة والتقاط الصور معها، وكل ذلك يحدث في جيش الدفاع الاسرائيلي. ويبدو ان الجمهور يفضل ان لا يعرف عما يجري من اجل عدم المساس بالجيش وسمعته، غير ان مثل هذه الشهادات المنشورة بوسعها ان تنقذ الجيش والمجتمع من عاهة اخلاقية كبيرة". الى ذلك كان الصحفي عوفر شيلح من يديعوت احرونوت قد نشر مقالا يوم الاحد بعنوان "ليست نباتات ضارة" حمل فيه على الجيش ازاء تفشي ظاهرة التنكيل بالفلسطينيين وقال فيه "منذ مدة طويلة يشعر قادة الجيش ان استمرارية الصراع في المناطق تتسبب بتآكل المعايير الاخلاقية والقضائية لدى الجنود، وقد بدأ ذلك بالاعتبار الذي لم يعلن رسميا ومفاده اننا في خضم حرب وعلينا التحقيق بما يجري فيما بعد ولاحقا باعتبار ان هذه "حرب على البيت" وينبغي عدم التوقف عند صغائر الامور فيها. واكثر من ذلك قام كبار المسؤولين وعلى رأسهم قائد هيئة الاركان باشاعة اجواء يجد فيها كل من يشكك بأحقية عمليات الجيش نفسه يتعرض الى تهمة المس بامن الدولة. ان رد فعل المؤسسة العسكرية وضعف المعايير الاخلاقية لدى الجمهور الواسع قد أديا الى جعل الحوادث الشاذة أمرًا جوهريًا. والمرة الوحيدة التي بدا فيها كأن قائد اركان الجيش يعلون قد تدخل واضعا كل ثقله كانت عندما اتهم الجنرال شموئيل زكاي قائد قطاع غزة بتسريب معلومات الى الصحافة .

وفي سائر الحالات بما في ذلك قضية قتل الطفلة ايمان الهمص والتمثيل بجثتها (الحادثة التي تبنى فيها يعلون إستنتاجات التحقيق الذي اجراه زكاي قبل استقالته كاستنتاجات سليمة مئة بالمئة قبل اسابيع من اتهامه بالادلاء باقوال كاذبة) اقتصر رد يعلون الفوري على ان الجيش سيحقق، ما يعني انه قلق دائما من تحدث شخص معين اكثر من اللزوم لوسائل الاعلام". واوضح شيلح انه على خلفية ما يحدث لا عجب أن تحدث امور غريبة مثل تدخل محكمة العدل العليا ومطالبتها الجنرال حلوتس، قائد سلاح الجو السابق، بتفسير تصريحاته عقب اغتيال القائد العسكري لحركة حماس و15 مدنيا معه والتي قال فيها انه "يخلد للنوم بضمير مرتاح بعد تصفية (صلاح) شحادة".

يشار الى ان قائد اركان جيش الاحتلال موشيه يعلون كان قد كذب في البداية تورط الضابط المتهم بقتل التلميذة والتنكيل بجسدها مدعيا انه اعتمد تقريرًا جديًا حقق في ملابسات القضية لكنه عاد وتراجع امام تسريبات وشهادات جنود كانوا في الموقع ساعة إقتراف الجريمة.

(من وديع عواودة)