وسائل الإعلام العبرية: "تصريحات شارون مؤشر حقيقي إلى نية فتح صفحة جديدة مع الفلسطينيين"

كتب أسعد تلحمي:

أجمعت وسائل الاعلام العبرية على اعتبار تصريحات رئيس الوزراء الاسرائيلي اريئيل شارون مساء الأربعاء 18/11، التي طالب فيها القيادة الفلسطينية الجديدة بوقف الحملة الدعائية المناوئة لاسرائيل في وسائل الاعلام والجهاز التعليمي شرطاً لاستئناف المفاوضات السياسية، مؤشراً حقيقياً الى نيته فتح صفحة جديدة مع الفلسطينيين وتوجهاً براغماتياً يقوم على المصالحة والتفاوض. ورأت ان خفض سقف الشروط الاسرائيلية للعودة الى المسار التفاوضي هو استمرار للهجة تحمل شيئاً مختلفاً بدأت بمـــوافقة شارون على اشراك فلسطينيي القدس المـــحتلة في الانتخابات الرئاسية المقررة بعد اقل من شهرين، ثم التلميح بإمــــكان تنسيق خطته للفصل الاحادي مع السلطة الفلـــسطينية، انتهاءً بعدوله عن شروط «وقف الارهاب وتفكيك المنظمات الارهابية واجراء اصلاحات في السلطة».

وابرزت صحف الجمعة 19/11 تصريحات شارون في عناوينها الرئيسية. وكتبت «يديعوت احرونوت»: «تنازل اول من شارون لأبو مازن... للمرة الاولى شارون لا يشترط استئناف المفاوضات بوقف الارهاب، انما بمعالجة فورية للتحريض». وجاء في «معاريف»: «رئيس الحكومة يقول للفلسطينيين: مفاوضات الآن... لا اعتزم اضاعة الوقت». وكتبت «هآرتس»: «شرط شارون لاستئناف المفاوضات: وقف التحريض وليس تفكيك المنظمات».

وكان شارون فاجأ ناشطي حزبه "الليكود" في تل ابيب وعموم الاسرائيليين في قوله انه لا يطرح على القيادة الفلسطينية الجديدة مطالب امنية متشددة ولا يتوقع منها تفكيك «المنظمات الارهابية» فوراً انما يطالبها بوقف التحريض وتغيير الاتجاه في الجهاز التعليمي الفلسطيني «وهما مطلبان يمكن تحقيقهما قبل الخوض في المرحلة الاولى من خريطة الطريق». وقال ان الوجه الحقيقي للقيادة الفلسطينية ونياتها "ستتضح وتُمتحن بناء على تنفيذ مطلبين او عدمه: وقف الدعاية المسمومة والتحريض المتواصل في وسائل الاعلام الفلسطينية وتغيير التوجهات في الجهاز التعليمي، والتوقف عن التحريض على اسرائيل واليهود وشيطنتهم". ودعا الى تغيير الكتب المدرسية والكف عن المسرحيات والفعاليات التي تحرّض على اسرائيل «لان هذه الدعاية المسمومة هي الجذور والاساس لاتساع ظاهرة الارهاب والانتحاريين»، معتبراً الدعاية الفلسطينية اخطر على اسرائيل من الاسلحة الفلسطينية.

وتابع شارون أن قيام القيادة الفلسطينية بوقف التحريض لا يستدعي أية مواجهة مع المنظمات الفلسطينية، مضيفاً ان إسرائيل لا تتنازل عن مطالبها من السلطة الفلسطينية بجمع الأسلحة ونزعها عن «المنظمات الإرهابية»، مقراً في الوقت ذاته أن العملية معقدة لا يمكن أن تتم بين ليلة وضحاها، ومضيفاً انه جاد في نيته اجراء اتصالات مع القيادة الفلسطينية الجديدة في حال تجاوبت فوراً مع طلبه وقف التحريض في الإعلام والجهاز التربوي. وختم مؤكداً إصراره على مواصلة تطبيق خطة الفصل الأحادي الجانب عن قطاع غزة وشمال الضفة الغربية «لأن التنازل عنها وبالتالي عن انجازات الاتفاق مع الرئيس جورج بوش (رسالة الضمانات) سيكون عملاً غير مسؤول».

ولفتت إذاعة الجيش الإسرائيلي إلى أن شارون كتب خطابه بنفسه «ليكون في غاية الوضوح والحزم»، وليؤكد أن ثمة نغمة جديدة في حديثه «شرط أن يقوم الفلسطينيون بعمل ما». وتابعت ان رئيس الوزراء الإسرائيلي يدرك جيداً أن الشرق الأوسط أمام منعطف تاريخي وحاسم يتطلب مزيداً من البراغماتية والمصالحة بعيداً عن الشروط المتشددة بوقف الإرهاب. وأضافت ان شارون يريد تجنب الظهور على الحلبة الدولية كمن يعرقل عملية السلام في المنطقة، خصوصاً بعد تأكيد الرئيس بوش على عزمه اقامة دولة فلسطينية خلال ولايته الثانية «وشارون يريد أن يكون المؤسس (الإسرائيلي) لهذه الدولة».

قلق في "الليكود"

وقال وزير الزراعة، يسرائيل كاتس، للاذاعة العامة ان «رئيس الوزراء رسم علناً نهجاً جديداً بعدوله عن شرطه الاساسي القضاء على البنى التحتية للارهاب».

واعلن نائب وزير التجارة والصناعة ميخائيل راتسون ان «رئيس الوزراء يميل الى اليسار. لقد اكد دائماً انه سيشن حرباً من دون تسويات ضد الارهاب، وها هو يتراجع، وما كان عيه القيام بذلك مطلقاً».

وكتب المعلق السياسي في صحيفة «معاريف»، بن كسبيت، ان شارون قال في خطابه مساء الأربعاء، وبصوت جليّ، إن ثمة حياة بعد موت الرئيس ياسر عرفات أو «على الأقل هناك أمل بالحياة». وتابع ان شارون يدعو الآن القيادة الفلسطينية الجديدة إلى مفاوضات سياسية «الآن وفوراً من دون القضاء على الإرهاب ومن دون اعتقال الإرهابيين ومن دون تنفيذ المطالب المتشددة الواردة في المرحلة الأولى من خريطة الطريق».

ويرى الكاتب أن التغيير في توجه شارون يؤكد «استكماله صيرورة نضوجه السياسي الواقعي» لعدم رغبته في تفويت فرصة «قبل أن يجف التراب عن القبر في المقاطعة». ويضيف ان اتصالات مباشرة وغير مباشرة تجري منذ فترة بين مكتبي شارون ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) فضلاً عن التنسيق الأمني الآخذ في التحسن بين الجانبين.

ويختتم كسبيت تعليقه قائلاً ان شارون يعي جيداً ان ابو مازن ليس قادراً، في هذه المرحلة، على فعل الكثير او اعتقال اي فلسطيني «لكنه قادر على وقف التحريض ليتسنى بدء الحوار... ويعرف شارون انه يحظر عليه عناق ابو مازن او مغازلته بل تجب الصلاة من اجل سلامته... لقد اعتبر مما حصل اثناء تولي ابو مازن رئاسة الحكومة... انه يستعد ايضاً لمجيء كوندوليزا رايس... وهو لا يؤمن حقاً انه بالامكان التوصل الى تسوية دائمة لكنه يريد ان يكون لديه العذر فيعطي الفرصة».

شارون يستعيد شعبيته

وتزامنت تصريحات شارون، التي يتوقع ان تلقى معارضة في أوساط صقور حزبه، مع استطلاعات للرأي نشرتها كبرى الصحف افادت بتحليق شعبية رئيس الوزراء على نحو غير مسبوق منذ فترة طويلة، اذ قال 61 في المئة من الاسرائيليين (استطلاع «يديعوت احرونوت») ان شارون ذو صدقية في مقابل 36 في المئة قالوا انهم لا يثقون به ومنح 68 في المئة علامة «جيد» لاداء شارون في مقابل 31 في المئة رأوا انه «غير جيد». واعرب 48 في المئة من المشاركين في استطلاع «معاريف» عن رضاهم عن اداء شارون، وهي اعلى نسبة يحصل عليها منذ اعادة انتخابه رئيساً للحكومة مطلع العام الماضي. واجمعت الاستطلاعات على تفضيل الاسرائيليين شارون رئيساً للحكومة على اي منافس آخر.

الى ذلك، قال 46 في المئة من الاسرائيليين انهم لا يثقون بـ«ابو مازن» فيما رأى 44 في المئة عكس ذلك، لكن 59 في المئة قالوا ان ثمة احتمالاً معقولاً بالتوصل الى حل مع القيادة الفلسطينية الجديدة على رغم ان 66 في المئة استبعدوا ان تحارب هذه القيادة «الارهاب».