اسرائيل تريد استثمار إطلاق النار على خيمة العزاء

استغلت المؤسسة الحاكمة الاسرائيلية بشقيها السياسي والعسكري، الى جانب وسائل الاعلام الاسرائيلية، حادث اطلاق النار على خيمة العزاء برحيل القائد الرمز الرئيس ياسر عرفات، اثناء تواجد رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية محمود عباس، لتواصل ادعاءاتها وحملتها المغرضة ضد الشعب الفلسطيني، الذي كلما اثبت وحدته أكثر، زاد الهجوم الاسرائيلي عليه.

فمنذ ان تدهورت حالة الرئيس عرفات الصحية، شرعت وسائل الاعلام الاسرائيلية بحملة اعلامية تضليلة تدعي في صلبها ما اسمته بـ "عدم اكتراث الشعب الفلسطيني"، بوضعية الرئيس عرفات، وراحت وسائل الاعلام تنثر ارقاما حول عدد الذين وفدوا الى مقر المقاطعة في الايام التي سبقت وفاة الرئيس عرفات، ولكن حين اعلن النبأ الأليم، انهارت الأكذوبة الاسرائيلية، المكشوفة اصلا، ووقعت وسائل الاعلام الاسرائيلية في حالة هستيرية مع مشاهد الجنازة الشعبية الدافئة التي حظي بها الرئيس عرفات، في الوداع الأخير، وكما قالت شخصيات فلسطينية "لو ان الرئيس عرفات كان حيا لطلب جنازة كتلك التي كانت في رام الله".

ويوم الاثنين 15/11، أغرقت الصحف الاسرائيلية نفسها من جديد في حملة تشكيك حول ما يدور في الشارع الفلسطيني وعلى مستوى القيادة، وحاول غالبية المحللين التركيز على ما اسموه بالخلافات الفلسطينية الداخلية!.

فقد خصصت صحيفة "هآرتس" مساحات شاسعة في عددها لحادث غزة، وركّز محللوها على الخلافات في الساحة الفلسطينية. فكتب أمنون رغولر قائلا: "منذ وفاة عرفات بدأت مجموعات في فتح، والتي تحمل اسمه، بالاصطدام مع مؤيدي دحلان وابو مازن، وهذه المجموعات المدعومة من جهات عليا في السلطة الفلسطينية تهدف الى زعزعة صلاحيات ابو مازن وتحركاته التي ينسقها مع دحلان".

أما داني روبنشتاين، فقد كتب: "بالامكان الافتراض ان المعارضة لابي مازن ودحلان في غزة اكثر منها في الضفة الغربية، لأن الصراع داخل حركة فتح في غزة اشد منه في الضفة، وقد كان عرفات عاملا موازنا بين الخصوم في داخل حركة فتح في غزة، ولولا عرفات لاختل التوازن في القطاع، وهذا ما يزيد الخطر، ويعاظم العنف هناك".

وقال روني شكيد، في صحيفة "يديعوت أحرونوت": "حقا ان اطلاق الرصاص في خيمة العزاء لم يكن محاولة اغتيال، ولكنه قطعا كان طلقة تحذيرية لابي مازن وقيادته الجديدة. فالاشارة من الكلاشينكوف كانت تعني ان أي شذوذ عن طريق عرفات سيؤدي في المرة القادمة الى ان يكون اطلاق النار ليس موجها الى الهواء... لقد صدق محمد دحلان حين قال ان ما جرى في خيمة العزاء كان نتيجة سلبية لاربع سنوات من الفوضى (كتب كلمة فوضى بالعربية وبأحرف عبرية وفسرها)، فمن طبخ الفوضى هو عرفات، ويأكلها الآن مجبرين ابو مازن ودحلان". ويذكر ان روني شكيد، كان من اكثر الكتاب الاسرائيليين الذين شنوا هجوما عنيفا حاقدًا على الرئيس عرفات في ايامه الأخيرة ولدى رحيله.

أما عميت كوهين في صحيفة "معاريف" فقد قال "إن حادث أمس هو تحد للجهاز الحاكم برمته، وليس فقط ضد ابو مازن ومحمد دحلان. لقد تواجد في الخيمة مساء أمس كل قادة اجهزة الأمن، الخصوم والاصدقاء، معا. وكل واحد منهم كان من الممكن ان يصاب، وعلى الرغم من هذا، فإن مسلحي فتح كانوا على استعداد للمخاطرة بهذا. وحقيقة ان قادة الاجهزة الامنية لم يعلنوا عن حالة طوارئ امس في غزة، كما تمنى الكثيرون في السلطة الفلسطينية ان يكون، فإن هذا يثبت ان المراهنة على القيادات الميدانية كان صحيحا".

واضاف كوهين قائلا "إن قصر اليد في غزة أرضى ايضا كتائب شهداء الاقصى في يهودا والسامرة (الضفة الغربية المحتلة)، العرض الذي قدمه زملاؤهم الغزيون رفع اثمان نشيطي الميدان في جميع المناطق، فمن يريد هدوءا عليه ان يدفع مبالغ، أو وظائف أو كليهما، ففي الايام الاخيرة جرت اتصالات بين القيادة المتبلورة، إذا حقا كانت كذلك، وبين قادة خلايا التنظيم، من اجل حل البنية التحتية للارهاب. ومنذ امس ستجري هذه المفاوضات من منطلقات قوة القادة الميدانيين".

أما على الصعيد الرسمي فإن اسرائيل الرسمية ابتعدت عن التعليق مباشرة على حادث اطلاق النار في غزة، واكتفت بنقل تصريحات على لسان "مصادر اسرائيلية"، لوسائل الاعلام الاسرائيلية. وقد قالت "المصادر" انها تتخوف من ان اطلاق النار في غزة على مقربة من ابو مازن، هو بداية لفوضى عارمة في الضفة الغربية وقطاع غزة. واضافت المصادر قائلة إن رئيس الحكومة كان قد طلب من أجهزة المخابرات المختلفة اعداد سيناريوهات حول احتمالات التطورات على الساحة الفلسطينية في اعقاب رحيل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وانه "على ما يبدو فإن ما حصل في غزة، هو بداية لاحد هذه السيناريوهات"، على حد تعبير المصادر الاسرائيلية.

أما الجيش الاسرائيلي، فقد صرح على لسان "مصادر عسكرية"، بأنه "لا يرى تغيرا في حالة الفوضى بين الفصائل المختلفة، ومن الممكن حتى ان الحديث يجري عن تصعيد في الاحداث". وقال جيش الاحتلال الاسرائيلي انه يتابع التطورات في السلطة الفلسطينية بعد رحيل عرفات، "وان الفوضى بدأت قبل عدة أشهر، وان الجيش بطبيعة الحال لم يتدخل، ولكنه فهم ان هدف القتال الداخلي في السلطة الفلسطينية هو كسب السيطرة بعد رحيل الجيش الاسرائيلي من قطاع غزة".

ولكن بعيدا عن التعليقات، فقد أكد مراقبون ومحللون على أن اسرائيل ستستثمر باقصى ما يمكن حادث خيمة العزاء على الحلبة الدولية من خلال رسم صورة انفلات في الشارع الفلسطيني، وستدعي انه "امام انفلات كهذا ليس بامكانها إلا ان تتدخل وبقوة في داخل الشارع الفلسطيني لئلا تتأثر هي بهذا الانفلات"، وليس صدفة انه في ساعة متأخرة من مساء يوم الأحد صدرت تصريحات أمنية من مستويات عليا تقول ان اسرائيل الغت كافة "التسهيلات" و"التفاهمات" الامنية التي "منحتها" للفلسطينيين، مع رحيل الرئيس عرفات واستمرت اربعة ايام، وانها ستعود ابتداء من صباح امس الاثنين الى ممارساتها العادية والمألوفة، ومن بينها الدخول الى قلب المدن الفلسطينية.