دورة برلمانية اسرائيلية جديدة تواجه خلالها حكومة شارون متاعب "خطة الانفصال" والموازنة العامة

دورة برلمانية اسرائيلية جديدة تواجه خلالها حكومة شارون متاعب "خطة الانفصال" والموازنة العامة
"المشهد الاسرائيلي" يسأل والنواب العرب يجيبون: كيف ستتصرف الكتل العربية حيال "خطة شارون"؟

كتب برهوم جرايسي:

يعود الكنيست الاسرائيلي (البرلمان) اليوم الاثنين (11/10) الى مزاولة عمله، بعد العطلة الصيفية التي استمرت قرابة الشهرين ونصف الشهر، حاول فيها رئيس الحكومة اريئيل شارون "تنفس الصعداء"، في غياب المناورات البرلمانية التي تحاول اسقاط حكومته، كونها تفتقر للاغلبية البرلمانية (59 نائبا من اصل 120 نائبا)، وهو ما اضطره في الشهرين الأخيرين من الدورة البرلمانية للشروع بمناورات حزبية موازية، في اطار البحث عن "شريك" يوسع قاعدة حكومته الائتلافية، وهو ما فشل به شارون وما ظهر هو ان شارون نفسه لم يكن معنيا بتوسيع الائتلاف طالما ان حكومته لم تسقط.

يعود شارون الى الكنيست بعد أن انهى الاعياد العبرية، وإذا كان من المسموح لنا ان نستعين بأمثالنا الشعبية فلا نجد سوى المثل القائل "راح العيد وفرحاتو"، فشارون يقف الآن امام مهمتين صعبتين، وحتى إن اجتازهما، فإن هذا لن يحدث حسب مختلف التوقعات دون هزات جدية في حكومته تسهم في تقصير عمرها.

المطلوب من شارون في هذا الشهر ان يقر في الكنيست الاطار العام لميزانية اسرائيل للعام 2005، والأمر الثاني هو تنفيذ ما وعد به، إلا وهو اقرار قانون الانسحاب من قطاع غزة وبعض مناطق شمالي الضفة الغربية وقانون "التعويضات" للمستوطنين حتى مطلع الشهر القادم، تشرين الثاني/ نوفمبر.

مشروع الميزانية

مشروع الميزانية هو أمر قانوني لا يمكن لشارون أن يتجاوزه من ناحية العامل الزمني، وهو يواجه مشكلة اصبحت مزدوجة في الايام الأخيرة بعد قرار للمحكمة العليا الاسرائيلية. فالجانب الاول للمشكلة انه لا توجد لشارون اغلبية برلمانية تضمن له اقرار الميزانية، ولكن شارون على ما يبدو توصل الى صيغة تفاهم مع كتلة "يهدوت هتوراة" المتدينة الاصولية (5 اعضاء)، التي قد تمتنع عن التصويت، كنوع من التحييد الذي يجعل القاعدة الائتلافية ذات أغلبية امام المعارضة.

ولكن المطلوب من شارون هو دفع ثمن مالي زائد لجمهور المتدينين الاصوليين، وهو أمر من المفروض ان يثير حفيظة الشريك الأكبر لشارون في حكومته، كتلة "شينوي" العلمانية المتشددة. ولهذا فعلى شارون ان يضمن سكون "شينوي"، من منطلق "المصلحة العامة"، وتغليب "الأهم" على "المهم"، و"الأهم"، الذي سيتذرع به شارون اليوم هو خطة الانسحاب الأحادي من قطاع غزة.

إذا ما وافق شارون على تسديد الفواتير لـ "يهدوت هتوراة"، فإن هذا قد يفتح "شهية" حركة "شاس" المتدينة الاصولية (11 نائبا)، وقد يربح شارون حيادها هي الأخرى.

لقد علمت التجربة عند الاقرار الاولي للاطار العام للميزانية (التصويت بالقراءة الأولى)، انه يتم نثر الوعود شمالا ويمينا، ويتم الاتفاق على اقرار الميزانية مبدئيا، ومن ثم تبدأ مفاوضات حتى أواخر العام الحالي، تنتهي قبل الدقائق الأخيرة لموعد الاقرار النهائي للميزانية، وهو ما يعني تأجيل الأزمة، وليس حلها.

الجانب الآخر للمشكلة، هو ما يسمى بقانون التسويات، وهو قانون سنوي تفرضه الحكومة ويشمل الكثير من الاجراءات التي تضمن تطبيق القانون، ولكن هذا القانون اشكالي من الدرجة الأولى إذ يفرض الكثير من الاجراءات غير الديمقراطية، التي تأخذ طابع "قانون الطوارئ". وفي أواخر شهر ايلول/ سبتمبر الماضي اصدرت المحكمة العليا قرارا، ردا على التماس مربي الطيور، يتضمن انتقادات شديدة للحكومة لسنها هذا القانون، وطالبت المحكمة بايجاد صيغة اخرى له وحتى شطبه. وسارعت قوى سياسية وأيضا جهات رسمية في المؤسسة الحاكمة والمعارضة للقول ان على الحكومة ان تأخذ بعين الاعتبار قرار المحكمة، وإذا ما اصرت الحكومة على القانون فإنها ستضع نفسها امام مشكلة قضائية نوعا ما.

قانون الانسحاب والتعويضات

اعلن اريئيل شارون في الشهر الماضي جدولا زمنيا لتطبيق خطة الانسحاب من قطاع غزة وبعض مناطق شمالي الضفة الغربية. وحسب هذا الجدول فإنه حتى اوائل الشهر القادم، تشرين الثاني/ نوفمبر، سيكون على الكنيست اقرار قانون الانسحاب ودفع "التعويضات"، وليس من الواضح الى اي مدى سيلتزم شارون بما تعهد به من جدول زمني، خاصة في ظل الحملة العسكرية الشرسة التي شنها جيشه على قطاع غزة في الايام الأخيرة، إذ ظهرت الكثير من الاجتهادات للمحللين العسكريين التي قالت ان الحملة العسكرية ستؤجل خطة الانسحاب.

ما زال شارون يواجه معارضة واسعة داخل الليكود لخطة الانسحاب من قطاع غزة، والائتلاف الذي يسيطر عليه شارون اليوم يتألف من 59 عضوا من اصل 120 عضوا، ولكن حين سيتم طرح قانون الانسحاب، فإن قاعدته الائتلافية ستخسر بصورة أوتوماتيكية 4 اعضاء كنيست من كتلة "المفدال" الدينية اليمينية، الذين بقوا في الائتلاف بعد خروج زميليهم منه إيفي إيتام ويتسحاق ليفي، كما ان شارون لن يضمن تأييد النواب الـ 40 الذين يشكلون كتلة "الليكود"، وهنا لا شك في انه ستكون حالة تمرد، إما التصويت علنا ضد الخطة، أو الهروب من جلسة التصويت، وهي ظاهرة مألوفة في البرلمان الاسرائيلي.

وامام صورة كهذه سيكون على شارون الاستعانة بالمعارضة، وهناك شك في ان يحصل على تأييد الكتلتين الدينيتين بالكامل، وهما تضمان 16 نائبا (11 لكتلة شاس و5 لكتلة يهدوت هتوراة)، فكتلة شاس كانت قد صوتت قبل 11 عاما على اتفاق اوسلو الاول، وهناك نقاش بين الاوساط الدينية حول ما إذا كان قطاع غزة جزءًا من "ارض اسرائيل الكاملة" أم لا.

كذلك قد يكون شارون بحاجة الى تأييد من حزب "العمل" وكتل صغيرة اخرى، ولربما يقف شارون امام واقع يظهر فيه ان غالبية مؤيدي خطته للانسحاب من قطاع غزة هم من المعارضة، تماما كما جرى في اوائل شهر ايلول/ سبتمبر الماضي، حين انقذت المعارضة الحكومة في التصويت داخل اللجنة البرلمانية للشؤون المالية على تحويل ميزانية للطاقم الحكومي الذي سيشرف على الشؤون المدنية لخطة الانسحاب ومن ضمنها دفع "تعويضات" للمستوطنين.

إن ارتكاز شارون على المعارضة لتمرير برنامجه سيضعه مجددا امام سؤال حول الخيار الذي سيختاره، هل يبحث مجددا عن شريك دائم وثابت في حكومته، ام يقرر الاتفاق مع أكبر احزاب المعارضة على التوجه الى انتخابات برلمانية جديدة مبكرة؟.

الكتل الفاعلة في الوسط العربي لا تؤمن بخطة شارون

في الكنيست، وللحقيقة، هناك سد يسقط من حسابات شارون في قضايا التأييد والدعم ويتشكل من 14 نائبا، وحتى بالامكان القول من 16 نائبا، في مركزه الكتل الثلاث الفاعلة بين العرب في اسرائيل، كتلة "الجبهة الديمقراطية والعربية للتغيير"، وحزب "التجمع الوطني الديمقراطي"، و"القائمة العربية الموحدة"، وهذه الكتل الثلاث لها 8 مقاعد، يضاف اليهم 6 مقاعد من كتلة "ياحد" (ميرتس سابقا)، وهناك امكانية ايضا لضم عضوين من كتلة "عام إيحاد" (3 اعضاء بالاصل) بزعامة رئيس الهستدروت عمير بيرتس يعارضان الانضمام لحكومة شارون ودعمها في اية مسألة لأسباب اقتصادية اجتماعية.

وقد توجه "المشهد الاسرائيلي" لاستطلاع آراء الكتل الثلاث الفاعلة بين العرب حول ما يجري في الساحة البرلمانية واحتمالات تأييدهم لخطة شارون للانسحاب من قطاع غزة خلال الدورة البرلمانية القريبة.

بركة: خطة للقضاء على بناء دولة فلسطينية قادرة على الحياة

يقول عضو الكنيست محمد بركة، رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، إن الحكومة في هذه الدورة البرلمانية تقف امام امتحانين، وهما اقرار ميزانية الدولة واقرار خطة الانسحاب من قطاع غزة، وسيكون أسهل على شارون تمرير ميزانية الدولة، وسيواجه بعض الصعوبات في اقرار خطة الانسحاب من قطاع غزة.

الأمر الابرز هو ان الدورة القادمة ستكون في غالبيتها بعد الانتخابات الرئاسية الاميركية، وهناك من يعلق آمالا كثيرة على احتمال ان تكون تغيرات في السياسة الاميركية، رغم انني اعتقد ان واقع الحال يشير الى انه لن تتغير الامور الاساسية في السياسة المركزية الاميركية، وفي المواقف التي وضعها جورج بوش، وخاصة التنكر لمبادئ الحل الثابت وموضوع اللاجئين وحق العودة والقدس، التي فيها تماه كبير بين بوش وشارون. وما سيحكم الموقف الاميركي مستقبلا هو الغوص أكثر في الوحل العراقي، الذي سيفسح المجال امام الحكومة الاسرائيلية للاستمرار بما هي فيه، دون اي مؤثرات خارجية.

وحول خطة الفصل يقول بركة إن في الخطة ثلاثة مسارات موازية من ناحية الحكومة الاسرائيلية، وهي اولا الانسحاب من قطاع غزة تحت مسوغات ديمغرافية، وثانيا انجاز بناء الجدار الفاصل بشكل يضمن ضم غالبية المستوطنات والتخلص من التجمعات السكانية الفلسطينية الكبيرة، وخلق واقع يستحيل فيه اقامة دولة فلسطينية قادرة على الحياة. أما المسار الثالث فهو ان الخطة تنفذها اسرائيل من جانب واحد، لتفرض فيه واقعا تقرره لنفسها وتتجاهل فيه القيادة الفلسطينية، وهذا في سبيل القضاء على احتمالات الحل الدائم.

وحول موقف الجبهة من الخطة، قال بركة انه إذا جاء شارون واقترح الانسحاب من قطاع غزة واخلاء المستوطنات فقط، دون اية اضافات، فنحن نؤيد كل انسحاب من اي شبر ارض، ولكن اغلب الظن ان هذا لن يكون، لأن شارون يريد في اقتراح قانونه ضمان الاستيطان في الضفة الغربية وخلق واقع احتلالي جديد وهذا ما سنرفضه كليا.

د. بشارة: من الخطأ ان نبني انفسنا على ان الخطة لن تطبق

ويقول عضو الكنيست الدكتور عزمي بشارة، رئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي، انه "منذ فترة هناك اغلبية في الشارع الاسرائيلي لصالح خطة الانسحاب التي يطرحها شارون، ولكن هذه الاغلبية لا تنعكس في الكنيست، ومشكلة شارون ليست في الاحزاب الايديولوجية، مثل "هئيحود هليئومي"، و"المفدال"، فبامكانه اقامة ائتلاف مع احزاب أخرى، ولكن مشكلة شارون هي في داخل "الليكود"، والمعارضة لشارون تنقسم الى قسمين، الاول معارضة ايديولوجية، والمعارضة الثانية هي انتهازية مثل بنيامين نتنياهو وسيلفان شالوم، ومن الاسهل لشارون التعامل مع القسم الثاني الانتهازي".

ويضيف د. بشارة قائلا إن المعركة التي اختارها شارون مربحة للجميع، فشارون يعرف ان لا مستقبل للاستيطان في قطاع غزة، وحتى المستوطنون يعرفون ذلك، ولهذا فهم يخوضون معركة الدفاع عن الاستيطان في الضفة الغربية.

إن الاغلبية السياسية هي مع شارون، حتى وإن ظهرت بعض الخلافات، وبرأيي أن شارون سينفذ، ومن الخطأ ان نبني انفسنا على ان الخطة ستفشل، بل يجب ان نبني انفسنا على اساس ان الخطة ستنفذ، وربما تضاف بعض بنود القوانين، مثل تأكيد السيادة في الضفة الغربية.

وحول موقف التجمع من خطة الانسحاب قال د. بشارة، "نحن قلنا منذ البداية ان هذه ليست خطة انسحاب من غزة، وانما انسحاب مقابل تثبيت الاستيطان في الضفة الغربية، وعلى الاغلب فإن القانون الذي سيعرض على الكنيست سيكون فيه تركيز اكبر على تأكيد السيادة في الضفة الغربية. موقفنا في التجمع يتراوح ما بين المعارضة والامتناع، ولكن ليس التأييد بأي حال، فإن جاء شارون باقتراح قانون يتضمن فقط الانسحاب من قطاع غزة وتفكيك المستوطنات، ففي هذه الحالة قد نمتنع عن التصويت، ولكن في حال تضمن القانون تثبيت الاستيطان في الضفة، فإن موقفنا سيكون معارضا للخطة".

الصانع: السؤال المطروح - ما هي صيغة خطة شارون الكاملة؟

ويقول عضو الكنيست طلب الصانع، من "القائمة العربية الموحدة"، إن الدورة البرلمانية المقبلة ستكون حاسمة على عدة مسارات، وهي بالاساس ستكشف الى اي مدى شارون صادق في نيته للانسحاب من قطاع غزة، ام ان هذه مجرد مناورة، وإذا ما أقدم شارون فعلا على الانسحاب من قطاع غزة فإن هذا دون شك سينعكس على الحلبة السياسية في اسرائيل.

ويضيف الصانع قائلا، ان الامر الهام في هذه الدورة هو ان هذه هي الميزانية الاولى التي يبدأ الاعداد لها كليا بعد توصيات لجنة أور التي حققت في احداث هبة أكتوبر في العام 2000، وتقرير اللجنة حمل الكثير من التوصيات التي تخص الوسط العربي وسنرى ما إذا كانت الحكومة سـتأخذ بعين الاعتبار توصيات اللجنة في ما يخص الميزانيات للعرب.

وحول موقف القائمة من خطة الانسحاب قال الصانع، ان السؤال المطروح هو بأية صيغة سيأتي شارون للكنيست لاقرار خطة الانسحاب، فإذا كان الأمر متوقفًا عند الانسحاب من القطاع والمستوطنات فإننا سنؤيد، أما إذا كان مرفقًا بهذا مشاريع استيطانية واحتلالية في الضفة الغربية فنحن من المؤكد سنعارض.

الدورة ستنتهي ليس كما تبدأ

على اية حال بالامكان التلخيص انه لا يمكن لهذه الدورة البرلمانية ان تنتهي في الربيع القادم كما ستبدأها في الاسبوع القادم، ولا شك اننا مقبلون على نوع من التغيير الملموس على الخارطتين البرلمانية والحزبية، وسيكون لهذا انعكاس هام على السياسة الاسرائيلية من الصعب تحديده منذ الآن، خاصة وان الكثير من المؤثرات المحلية والاقليمية والعالمية ستلعب دورا في المجريات على الحلبة الاسرائيلية الداخلية.