البناء الاستيطاني في الضفة الغربية يزدهر من خلف أكاذيب شارون

تقرير: وديع عواودة

تنظم حركة "السلام الآن"، الاربعاء، جولة للصحافيين وأعضاء الكنيست والناشطين في الاراضي الفلسطينية المحتلة أسمتها "جولة النقاط الاستيطانية- نرى كي نصدق"، تهدف الى فضح اكاذيب الحكومة الاسرائيلية في مسألة الاستيطان الذي انتعش بشكل حقيقي في عهد اريئيل شارون منذ انتخابه رئيسًا للوزراء في فبراير/ شباط2001 ، كما تؤكد الحركة. وفي حديث ل"المشهد الاسرائيلي" قال درور اتكيس، مركز مرقبة الاستيطان (الكولونيالي) في "السلام الآن"، ان هذه الجولة تندرج ضمن المساعي المتواصلة لحركته في سبيل اظهار الحقائق التي تناقض معطيات الجيش والمستوى السياسي.

تزامنا مع وصول المبعوث الميركي، إيليوت ابرامز، الاسبوع الماضي، الى المنطقة وتصريحات البيت الابيض حول "زعله" من عدم وفاء اسرائيل بتعهداتها بتفكيك نقاط استيطانية في الاراضي الفلسطينية، بادر شارون الى تعيين لجنة خاصة برئاسة محامية من مؤسسة المدعي العام، طاليا ساسون، للتحقيق في استمرار بناء هذه النقاط، تسمينها وتمويلها، وتقديم التوصيات الخاصة بكيفية اخلائها دون مخالفة القانون. ولكن الاقوال والاعمال هما امران متناقضان لدى شارون في هذه المرة ايضا، فالحقائق على الارض توحي بان الخطوة الاخيرة تأتي هي الاخرى حلقة في مسلسل مناوراته لتخفيف حدة الانتقادات والضغوطات دون القيام باخلاء فعلي للنقاط الاستيطانية، كما تدلل بشكل قاطع نتائج الرصد الميداني لحركة "السلام الآن" مؤخرا. واكد درور اتكيس، في حديثه لنا، ان المستوطنات لم تشهد ازدهارا في الكم والكيف مثلما حصل في زمن شارون، لافتا الى انه منذ ان فاز الاخير بالانتخابات العامة في فبراير / شباط عام 2001 تم بناء 60 نقطة استيطانية جديدة الى جانب 40 نقطة اخرى كانت بنيت من قبل. والى جانب ذلك هناك 145 مستوطنة في الاراضي الفلسطينية، 17 منها في قطاع غزة، يسكن فيها 230 الف مستوطن يحصلون على دعم رسمي بقيمة 2.5 مليار شيكل سنويا.

الاقوال والافعال متناقضان

وقد استمرت عملية السطو المسلح على قمم الجبال الفلسطينية وبناء النقاط الاستيطانية رغم قيام شارون، منذ الاعلان عن "خارطة الطريق" على شاطىء البحر الاحمر في يونيو/ حزيران من العام الماضي، بقطع الوعود امام الادارة الامريكية والعالم بتفكيكها ومنع اقامة اخرى جديدة.

وتفيد معطيات جديدة لحركة "السلام الان" الاسرائيلية ان 16 نقطة استيطانية بنيت منذ بدء العام الجاري وهي "عوفرة 1" و"عوفرة 2" و"طال بنيامين" و"متسبيه يتسهار" و "جفعات هتمار" و "عمونة" و"جفعات اساف" و"احياه" و"جفعات هارئيل" و" بروخين" و"بلجي مايم" و"هيوبيل" و"جفعات هروعيه" و"ايتمار777" و"كيدا" و"شلهيفت يتسهار".

وتشهد هذه المواقع، منذ مطلع العام الجاري، اعمال تطوير واضافة ابنية ثابتة وكرفانات ووضع بنى تحتية وزيادة عدد المستوطنين فيها وشق شوارع لها ابرزها شارع بطول عشرات الكيلومترات يربط بين شمال ووسط الضفة الغربية وبين منطقة الاغوار. هذا علاوة على شق شوارع التفافية وخدماتية في النقاط الاستيطانية : ايتمار، جفعات اساف، يتسهار، متسبيه لخيش، متسبيه اشتموع، افيجال وغيرها. كذلك تم تسمين النقاط الاستيطانية بالمزيد من الكرافانات والمستوطنين: جفعات اساف-2 كرافان، نوفي نحاميا-6 كرافانات، رحليم الجنوب-3 كرافانات، جفعات هارئيل-5 كرافانات ووضع اساسات لاخرى جديدة. ليس هذا فحسب اذ تشهد هذه النقاط بناء بيوت ثابتة حيث بنيت اربعة منازل دائمة في عمونة- عوفرة، و16 منزلا في بروخين والبدء في بناء عشرة منازل جديدة، و10 منازل في بلجي مايم، و9 منازل في يتسهار.

واكد داعية السلام اوري افنيري، من "كتلة السلام"، ل"لمشهد الاسرائيلي"، ان المستوطنات والنقاط الاستيطانية "المرشحة" رسميا للاخلاء تشهد طفرة واضحة في تثبيتها على ارض الواقع، معربا عن شكوكه القوية في نوايا شارون حول نيته الانسحاب الاحادي من قطاع غزة . واوضح افنيري انه لو كان القول والفعل لدى اريئيل شارون متناغمين لفتح المجال امام انتخابات فلسطينية وأمام مباشرة التفاوض مع الشريك الفلسطيني.

وزاد افنيري ان الحكومة الراهنة والتي سبقتها لم تخل سوى "طال بنيامين" و"جينوت ارييه" و"متسبيه يتسهار"، غير ان المستوطنين عاودوا بناءها في مناطق مجاورة معتبرًا ان الحكومة الاسرائيلية بتشجيعها لبناء النقاط تذر الرماد في عيون الاسرائيليين وتضطرهم الى دفع اثمان سياسية ومالية وامنية باهظة يوميا. ويرى مراقبون ان بناء هذه النقاط الاستيطانية في قمم الجبال الفلسطينية، والتي كان شارون ابوها الروحاني والمادي منذ اشغل وزارات عديدة في الحكومات السابقة، يرمي الى امتلاك ورقة مساومة للحفاظ على المستوطنات الكبيرة وحمايتها من مخاطر الاخلاء في التسويات المطروحة اضافة الى تأكيد المستوطنين بواسطتها لنيتهم بالرفض القاطع لاخلاء مستوطناتهم في الاراضي المحتلة سيما بعد الاعلان عن خارطة الطريق.

وقالت "كتلة السلام"، في بيان اصدرته عقب لقاء وفد عنها الرئيس ياسر عرفات في مكتبه المحاصر في رام الله: "هذا جزء من سلسلة طويلة من أعمال التضليل وأنصاف الحقائق والأكاذيب، تعرضها الحكومة الإسرائيلية أمام مواطنيها وأمام الأميركيين".


يُذكر أن وزير الخارجية الإسرائيلي، سيلفان شالوم، أوضح لنظيره الأميركي، كولن باول، الشهر الفائت، أن "إسرائيل ملتزمة بإزالة المواقع الاستيطانية غير القانونية، كما تنصّ عليه خارطة الطريق". وأبلغ شالوم باول أن إسرائيل أزالت حتى الآن 81 موقعًا استيطانيًا، كما أزالت 80 حاجزًا مروريًا من المناطق التي انتهت فيها أعمال بناء الجدار الفاصل، مشيرا الى أنه "بقي 28 موقعًا فقط، عملية إزالتها مرهونة بانتهاء الإجراءات القضائية بشأنها". وهذا ما تعتبره حركات السلام الاسرائيلية كذبا منظما ولاثبات ذلك بادرت "السلام الآن" الى جولة النقاط الاستيطانية غدا.

"اثمان الاستيطان باهظة للاسرائيليين ايضا"

وتعقيبا على تأكيد حركات السلام بأن إسرائيل تدفع ثمنـًا سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا باهظـًا، ليس لشيء، وإنما لأنها تواصل الإبقاء على هذه المواقع في الضفة الغربية، زعم مجلس المستوطنات الإسرائيلية في الضفة والقطاع أن "جميع المستوطنات قانونية، وينبغي عدم إزالة أي موقع. المشكلة ليست المواقع، وإنما البنادق التي زوّد بها اليسار المتطرف عرفات".

الى ذلك عقبت مصادر أمنية إسرائيلية على تأكيدات حركة "السلام الآن" بقولها: "الأجهزة الأمنية تقوم بتحديد المواقع الاستيطانية بشكل دائم. هناك علاقة مباشرة مع الأميركيين من أجل مقارنة الأرقام المتعلقة بعدد المواقع المتبقية، وحتى يكون هناك تنسيق دائم بيننا. هذا الاسبوع فقط، قام العميد (احتياط) باروخ شبيغِل بتسليم السفير الأمريكي لدى إسرائيل، دان كيرتسر، خرائط مفصلة لجميع المواقع الاستيطانية غير القانونية المتبقية. لا أساس من الصحة للادّعاء بأن إسرائيل تضلل الأميركيين، العكس هو الصحيح. إننا نعمل من خلال تنسيق دائم وتامّ معهم، ونقوم بتزويدهم بكل المعلومات التي لدينا". وأضافت مصادر أمنية أخرى: "إنه لمن المثير كيف تقوم حركة "السلام الآن" بإحصاء المواقع الاستيطانية. يبدو أنها تقوم بإحصاء حافلات ركاب فارغة أو حاويات".

سريد: "شارون لن ينسحب حتى من غزة"

وكان النائب يوسي سريد، من حزب "ميرتس- ياحد"، قد سخر في حديث للاذاعة العامة من تعيين الحكومة لطاقم جديد لفحص واقع النقاط الاستيطانية متهما الحكومة بعدم الرغبة باخلاء النقاط الاستيطانية في الضفة الغربية وبعدم الرغبة حتى باخلاء قطاع غزة. ودعا سريد الى الشروع الفوري في تفكيكها بدلا من تعيين اللجان والطواقم الفاحصة تطبيقا لقرار رسمي سابق. كما كانت الاذاعة قد سألت الوزير غدعون عزرا عن قدرة حكومته على اخلاء قطاع غزة طالما انها تفشل في اخلاء نقطتين استيطانيتين صغيرتين فقال مبررا ان هناك "مشكلة قانونية" في عملية اخلاء المواقع الاستيطانية. واضاف "في المقابل ايضا لم ينفذ الفلسطينيون ايا من التزاماتهم، ما ادى الى وصولنا الى هنا".

"ملح الارض"

وفي المجال القضائي يشار الى ان اعمال البناء والتسمين للنقاط الاستيطانية متواصلة رغم اصدار الحكومة اوامر اخلاء ضد بعضها ورغم مصادقة محكمة العدل العليا على عدم قانونيتها. واقتصرت عملية الاخلاء على نقاط صغيرة جدا او اجزاء نقاط غير مأهولة. وتلفت معطيات الحركات السلامية الاسرائيلية، التي تعتمد محققين وموظفين مهنيين في الميدان بشكل دائم اضافة الى قيامها بالتقاط صور جوية للاراضي المحتلة باستمرار، ان 95 نقطة من بين 100 نقطة استيطانية مسكونة من قبل المستوطنين.

ويذكر ان اريئيل شارون قام طيلة اشغاله كافة المناصب العسكرية والسياسية منذ العام 1967 برعاية مشروع الاستيطان وفرض الحقائق على الارض الفلسطينية بكافة الوسائل ولم يتورع عن دعوة جمهور المستوطنين إلى ممارسة امور غير قانونية لتعزيز مستوطناتهم كما حصل في نهاية العام 2000 ، يوم دعاهم الى تسلق الجبال والسيطرة على قممها والاقامة فيها واصفا اياهم ب "وطنيين اعزاء" و "ملح الارض".. فهل تغيرت مذاقات شارون بعد اعتلائه دفة الحكم؟.