"تطوير الجليل" مشروع إستيطاني جديد يهدف إلى تهويد المكان

اتهمت مجموعة من الاكاديميين والناشطين الاسرائيليين، منهم الدكتور سندي كدار، المحاضر في كلية الحقوق في جامعة حيفا، السلطات الاسرائيلية بمواصلة العمل على اقصاء المواطنين العرب في الجليل بواسطة مشروعها القديم الجديد "تطوير الجليل" ،

خلال يوم دراسي في جامعة حيفا

المحاضرون العرب: "تطوير الجليل" مشروع إستيطاني جديد يهدف إلى تهويد المكان

من وديع عواودة

اتهمت مجموعة من الاكاديميين والناشطين الاسرائيليين، منهم الدكتور سندي كدار، المحاضر في كلية الحقوق في جامعة حيفا، السلطات الاسرائيلية بمواصلة العمل على اقصاء المواطنين العرب في الجليل بواسطة مشروعها القديم الجديد "تطوير الجليل" ، الاسم "الملطف" لتهويد المكان، من خلال استقطاب المزيد من اليهود واقصاء العرب وتضييق الخناق عليهم تمهيدا لدفعهم الى مغادرته. وشدد كدار، الذي وردت اقواله في يوم دراسي نظمته جامعة حيفا والتخنيون وجمعية ابن خلدون وجمعية سيكوي بعنوان "تهويد الجليل أم تطويره من اجل رفاهية كافة سكانه"، على ان ما قامت به اسرائيل ولا تزال، يعتبر مخالفة قضائية ويتناقض بشكل صدامي مع المواثيق والقوانين الدولية التي تحظر التمييز العنصري وتكرس المساواة في تخصيص الموارد وتعتبر توزيع الاراضي قيمة معيارية جوهرية محذرا من تحولها الى نظام الابرتهايد البائد في جنوب افريقيا.

ويأتي اليوم الدراسي هذا ضمن البحث المتزايد مؤخرا في موضوعة "تطوير" أو "تهويد" الجليل في ظل شروع حكومة أريئيل شارون بمرحلة جديدة من تعزيز الاستيطان في الجليل في موازاة الاستعدادات المعلنة للانسحاب من قطاع غزة حيث اعلن الشهر الماضي ان "سلطة تطوير الجليل" الخاضعة لتوجيهات ديوان رئيس الوزراء قد باشرت في انجاز مخططها لاجتذاب 300 الف يهودي الى منطقة الجليل.

وخصصت الجلسة الاولى من اليوم الدراسي لبحث "تطوير المساواة بين اليهود والعرب في اعقاب توصيات لجنة اور"، فقدم الباحث الاقتصادي من "مساواة" امين فارس مداخلة بين فيها مسلسل الوعود الرسمية الكاذبة تجاه الوسط العربي وتطوير مرافقه وبناه التحتية. تلاه شولي ديختر، مدير مشارك في "سيكوي"، في محاضرة اكد فيها على ضرورة وقف الكذب من جانب حكومات اسرائيل والشروع في تحقيق المساواة الكاملة بدلا من تقليص الفجوات وفق خطة تستغرق عشر سنوات تعقبها عشر اخرى للمراقبة. ولفت ديختر الى ان تخصيص الميزانيات والموارد المادية للمواطنين العرب لا يكفي مشيرا الى اهمية جودة العلاقات بين الشعبين والحوار السياسي بينهما وتساءل "وهل تتضرر اسرائيل بتعريفها الحالي من المساواة التامة؟ انا اريد تحاشي الخوض في هذا السؤال هنا". واعتبر ديختر ان القضية المطروحة هي قضية مدنية وان هناك حاجة لتصحيح اثام تاريخية ضمن ممارسة ديموقراطية ليبرالية حقة واضاف "اوجه حديثي هنا الى الحكومة وانا اتمحور في المورد المادي وفي "مورد الوعي" الذي يتعلق بقيام الدولة بتنمية الانتماء لها لدى المواطنين اذا ارادت، لكنني اكتفي بالمورد الاول لان الثاني يعرقل الحكومة في انجاز المساواة الكاملة التي تحتاج الى دعم الجمهور الواسع حاجة المرء للاوكسجين ولا شك انه بعد المساواة تبقى قضايا ثقيلة اخرى مفتوحة في سياق العلاقات بين الجانبين". وتحدثت في الجلسة الناشطة هناء حمدان، مندوبة عن مركز عدالة، حول مساحة التخطيط لدى السكان العرب في لواء الشمال. وفي مداخلته "المحافظة على مستوى الوسط لدى الطلاب العرب كمعيق لتحقيق المساواة" أشار مدير مركز مكافحة العنصرية في اسرائيل، بكر عواودة، إلى أن وزارة التعليم تواصل استخدام المدرسة العربية وسيلة للسيطرة على المواطنين الفلسطينيين في اسرائيل والعمل على أسرلتهم ثقافيا وسياسيا وتكريس الفجوات بينهم وبين المواطنين اليهود من خلال الاهمال والتمييز وتعيينات المديرين والمعلمين والمناهج التدريسية الرامية الى انتاج طالب او خريج عربي متوسط في تحصيله ومهاراته. وكان عواودة قد نوه في بداية محاضرته التي تخللتها عروض للارقام والنماذج العينية الى ضرورة تسمية الولد باسمه والقول عنصرية بدلا من تمييز.

وخصصت الجلسة الثانية لـ"تهويد الجليل او تطويره من اجل مواطنيه اليهود والعرب" وقدمت لها الدكتورة ماري توتري فأشارت الى ان اسرائيل بنت في الجليل منذ العام 1948 50 مستوطنة لليهود اضافة الى سبع مدن على انقاض المدن والقرى الفلسطينية المنكوبة حيث اقيمت مدينتان يهوديتان في طبريا وصفد بعد ان كانتا مختلطتين فيما حولت عكا الى مدينة مختلطة. وفي العام 1974 طرحت خطة رسمية لـ"تطوير الجليل" شملت مصادرة اراض عربية واسعة ما أثار ساكنيه الاصلانيين من فلسطينيي 48 فكانت هذه مقدمة لانتفاضة يوم الارض الاول في الثلاثين من مارس/ اذار 76. ولفتت د. توتري، المحاضرة في قسم الاتصال في جامعة حيفا، الى انطلاق تهويد المكان في الجليل بقوة مع سيطرة الليكود على دفة الحكم في اسرائيل عام 1977 حيث بنيت بالتعاون بين الحكومة وبين المنظمة الصهيونية العالمية عشرات النقاط الاستيطانية في القمم الجبلية التي عرفت بـ"المناطر" بهدف التهويد المعلن ومنع "السيطرة العربية" على اراضي الدولة وردا على "المشكلة الديموغرافية". واتهمت توتري السلطات الاسرائيلية بالامعان في تهويد الجليل واقصاء العرب بما يتنافى مع ابسط الاستحقاقات الديموقراطية بغطاء "تطوير المكان ما ادى ايضا الى زيادة نسبة الازدحام السكاني حيث يعيش بالمعدل 4.7 اشخاص في الدونم الواحد مقابل 1.3 لدى اليهود".

يشار الى ان الجليل يشكل سدس مساحة الاراضي في مناطق 48، وفيه تكمن 80 بالمئة من مصادر المياه ويعيش فيه نحو مليون نسمة، 50.5 بالمئة منهم من العرب يعيشون في 72 مركزا سكنيا تشمل ثلاث مدن اكبرها مدينة الناصرة فيما تتقلص الهوة بين العرب واليهود نتيجة انخفاض نسبة الزيادة الطبيعية العربية وارتفاع نسبة الوافدين اليهود اليه. ولفتت د. توتري الى ان عدد المجمعات السكنية في اسرائيل اليوم 1200 مجمع منهم 108 للعرب جميعها قائمة من قبل النكبة عدا بعض المجمعات البدوية التي بنيت ضمن سياسة تركيز البدو منعا لسيطرتهم على الارض في الجليل والنقب، ولا يزال فلسطينيو 48 يمنعون من بناء مجمعات خاصة بهم. واوضحت توتري ان الحيز العام المفتوح في اسرائيل يخضع لسيطرة 53 مجلسًا اقليميًا اغلبيتها الساحقة يهودية وفيها يسكن 10 بالمئة من مجمل السكان وهي تسيطر على 90 بالمئة من الاراضي في الدولة العبرية.

من جانبه ادعى د. امنون فرانكل، من المركز لابحاث المدن والمنطقة في معهد العلوم التطبيقية، "التخنيون"، في محاضرته حول الخريطة الهيكلية الاخيرة لمنطقة الشمال، ان الخريطة موضوعية وتهدف لتطوير الجليل بمجمله وليس تهويده لافتا الى ان المواطنين العرب سيحققون الفوائد منها سيما في مجال البنى التحتية. وهذا ما نفته المهندسة المصممة بدرية بيرومي التي اكدت على ان مشاريع تطوير الجليل تغفل مصالح المدن والقرى العربية وتهدف بالدرجة الاولى لتهويد المكان كما ينعكس في مسألة مدينة سخنين (منطقة نفوذها 19 الف دونم) والمستوطنة المجاورة لها، مسغاف التي تتمتع بمنطقة نفوذ تبلغ 135 الف دونم. وكانت اقوال المحاضرين العرب قد اثارت حفيظة رئيس المجلس الاقليمي مسغاف، ارز كرايزلر، الذي تنكر للتمييز الرسمي وانحى باللائمة على عقم ادارة السلطات المحلية العربية.

وتناولت الجلسة الثالثة موضوع "خلق نماذج بديلة لحياة مشتركة لليهود والعرب في الجليل" وشاركت فيها مجموعة من الباحثين والمحاضرين منهم د. فيصل عزايزة ود. راسم خمايسي ود. اسعد غانم والمهندس مصطفى ابو رومي والبروفسور المهووس بـ"الخطر الديموغرافي العربي" ارنون سوفير.

وفي حديث لـ"المشهد الاسرائيلي" قال الدكتور خالد ابو عصبة، المهتم بشؤون فلسطينيي 48 وعلاقاتهم مع اسرائيل ومواطنيها اليهود، ان انجاز المساواة الحقيقية هو رهن تغييرات بنيوية تتعلق بهوية الدولة ورموزها وبديمقراطيتها المنقوصة محذرا من انفجار جديد بين المواطنين العرب وبين اسرائيل نتيجة الاستمرار في اضطهادهم وتهميشهم، تشكل هبة اكتوبر 2000 فيه مجرد "رأس الجبل الجليدي".