"الشرط الأخير" للحوار: توقف سورية عن دعم "الإرهاب"

"المشهد الاسرائيلي":

يتفق الوسطان الامني والسياسي الاسرائيلي على وجوب "التريث" وعدم القفز على العرض السوري بالعودة الى مفاوضات مباشرة مع اسرائيل حول اعادة الجولان المحتل وابرام اتفاق سلام بين البلدين.

وقالت مصادر في ديوان رئيس الحكومة الاسرائيلي انها لا تزال تتعقب تصريحات الرئيس السوري، بشار الاسد كما صدرت في اكثر من مقابلة صحفية في الايام القليلة الماضية حول استعداد بلاده لتجديد المفاوضات على المسار المنقطع مع اسرائيل. وقالت هذه المصادر: "نحن نتعقب بالاساس ما يفعله الاسد، ونفحص اذا ما حان الوقت" للمضي في مفاوضات بين الجانبين الاسرائيلي والسوري. وادعت المصادر ذاتها ان "الأسد يفعل عكس ما يصرح، ولذلك يبدو ان الوقت لم يحن بعد. وإذا تغير نهجه ستكون هناك استجابة من جهتنا".

وتأتي أقوال المصادر المحيطة بشارون في الوقت الذي تناقلت فيه الصحف الاسرائيلية اقوال وزير الدفاع الاسرائيلي، شاؤول موفاز، للسيناتور الامريكي بيل نيلسون، الذي توجه الى دمشق، حيث قال موفاز: "إذهب الى الأسد واسأله، كيف يمكن التسوية بين ما يسميه مد يده للسلام وبين دعمه المتزايد للارهاب في المنطقة".

ويذكر انه في أعقاب تصريحات الرئيس السوري بأنه على استعداد للدخول في مفاوضات للتوصل الى سلام مع اسرائيل، بدون شروط مسبقة، انقسم الوزراء في حكومة شارون الى قسمين، بين مؤيد للاستجابة لدعوة الأسد وحتى "انتهاز الفرصة"، والدخول في مفاوضات وبين رافض لاية مفاوضات. ورغم هذا الانقسام فان كلا الجانبين الاسرائيليين يرفض مبدئيا الانسحاب من الاراضي السورية المحتلة، حتى وان كان ثمن الانسحاب علاقات سلمية كاملة بين سورية واسرائيل.

ونقلت صحيفة "هآرتس" عن مصادر سياسية وأمنية اسرائيلية رفيعة قولها ان اسرائيل وضعت امام سورية "شرطا اساسيا" لتجديد المفاوضات، وطالبتها "بوقف الدعم، التمويل والتوجيهات التي تنقلها لمنظمات الارهابية الفلسطينية من دمشق الى المناطق" الفلسطينية المحتلة. وقالت المصاذر ذاتها ان هناك أولوية لدى اجهزة الامن الاسرائيلية لما اسمته بـ"وقف دعم سوريا للارهاب الفلسطيني"، وأن وقف هذا الدعم ياتي بالدرجة الاولى بالنسبة لاسرائيل، "وحتى انه بدرجة اعلى من وقف تقديم المساعدة لحزب الله في اسرائيل".

وقالت المصادر انه في اجتماع لاجهزة الاستخبارات عقد في نهاية الاسبوع الماضي لتقييم الوضع، جاء ان "السلطات السورية تحظر اليوم على المنظمات الفلسطينية، مثل حماس والجهاد الاسلامي، ممارسة نشاط علني وتنظيم مؤتمرات صحفية في دمشق. غير النشاط الميداني لهذه المنظمات ما زالت على حالها، بل اضيف الى ذلك تزايد نشاط حزب الله بين الفلسطينيين".

الاسد أحرج شارون

على الرغم من الشروط المسبقة التي وضعتها اسرائيل امام تجديد المفاوضات مع سورية، وعلى الرغم من الجهود الذي يبذلها رئيس الحكومة الاسرائيلي، اريئيل شارون، فانه لم ينجح في ازالة موضوع سورية من الساحة السياسية في اسرائيل. كما لم ينصع له الوزراء في حكومته بالتزام الصمت في هذه المسألة. "فقد ابدى الاسد في الاسابيع الاخيرة حنكة كبيرة"، كما يكتب المعلق السياسي لـ"هآرتس" الوف بن: "لقد نجح الاسد في محاصرة شارون في موقف الرافض، واثارة جدل داخلي حاد في اسرائيل، وذلك دون ان يقوم بجهد كبير، وانما من خلال بضعة تصريحات لوسائل الاعلام الغربية وزيارتين الى مصر وتركيا. ولكن يتوجب هنا ابداء ملاحظة تحذيرية، وهي: ما زال من السابق لاوانه الذهاب الى عطلة وداع للجولان ولعطلة تزلج أخيرة في جبل الشيخ. فما زال تجديد المفاوضات بعيدا. والادارة الامريكية غير مسرعة لاحياء المسار السوري، وهي تفضل مواصلة ممارسة الضغوط على سوريا".

ولذلك، فان الحكومة الاسرائيلية قررت اتباع نهج مفاده ان على سوريا ان تظهر افعالا قبل الاقوال، متهمة سوريا بانها تمول وتدعم المقاومة الفلسطينية للاحتلال الاسرائيلي. وان عليها وقف هذا الدعم والتمويل. ويؤيد هذا التوجه كل من شارون وموفاز، اللذان يعارضان اصلا الدخول في مفاوضات مع سورية، فهما لا يريدان الانسحاب من الجولان السوري المحتل. ويؤيد هذه التوجهات ايضا قائد هيئة الاركان، موشيه يعلون، بالرغم من دعوته للاستجابة لعرض الرئيس السوري.

هذه المطالب الاسرائيلية من سورية ليست جديدة. وفي الماضي قدمت اسرائيل مثل هذه المطالب، وقف دعم سوريا للمنظمات الفلسطينية ولحزب الله، ولكنها لم تكن شرطا للمفاوضات وانما قد تكون نتيجة لها.

"اسرائيل لا تصنع السلام بل تمنحه"!

وتقول نظرية اسرائيل حيال السلام مع الدول العربية، كما عبر عنها رئيس الحكومة الاسبق ووزير المالية الحالي بنيامين نتنياهو، ان "اسرائيل لا تصنع السلام، وانما هي تمنح السلام" للدول العربية. ويرى نتنياهو ان "الاسد يحتاج الى السلام اكثر مما تحتاج اسرائيل اليه". وتستند هذه النظرية الى ان طريق اية دولة عربية لعلاقات حسنة مع الولايات المتحدة يجب ان تمر عبر اسرائيل. وكتب الصحفي تسفي بارئيل، ان السعادة تغمر اسرائيل "من الهالة التي بنتها الدول العربية حولها، والتي بموجبها السيطرة الكاملة في البيت الابيض وفي الكونغرس موجودة بايدي اللوبي الصهيوني"..

وأضاف ان "سورية لا يمكنها اقامة علاقات جديدة مع واشنطن، وازالة اسمها من قائمة الدول التي تدعم الارهاب واجتذاب المستثمرين الى دمشق، طالما انها لم على ختم الصلاحية من اسرائيل. ولذلك، فان اسرائيل اذا، هي وسيطة وحسب، وتعلم ان سورية تنوي الاحتيال عليها والاعلان عن سلام لكي تدخل الى نادي جورج بوش".

ويتابع بارئيل: "ولكن صاحب البيت (بوش) يدخل فجأة ضيفا جديدا (الى ناديه) دون ان يلحظ الشرطي الحارس (اسرائيل) ذلك. اذ عاد القذافي الى عائلة الشعوب عبر الطريق السريع... وتحدث الاسد في تركيا عن تغير كبير في العلاقات بين الدولتين. وتعرب تركيا عن استعدادها للتوسط بين اسرائيل وسورية. ولن تعارض الولايات المتحدة اذا تجددت عملية السلام بينهما، ولكن هذا بنظر اسرائيل هو جنون مطلق. ما هي الحاجة الى سلام طالما ان الحدود في الجولان هادئة الى هذه الدرجة؟".

لبيد: "على اسرائيل الا تبدو كرافضة للسلام"

وبحثت الحكومة الاسرائيلية في جلستها الاسبوعية، الاحد (11/1)، المسار السوري. وقال شارون خلال الجلسة انه "لا حاجة الى الجري والمعانقة من فحص ما يقف وراء ذلك (تصريحات الرئيس السوري) تماما. مثلما نطلب من الفلسطينيين تفكيك الارهاب قبل اجراء مفاوضات سياسية، هكذا هو الوضع تماما تجاه سورية. هذه مصلحة اسرائيل، ورغم الرغبة القوية بالسلام، فاننا سوف نصر عليها".

واضاف شارون الأسبوعية إنه طلب من وزير الخارجية، سيلفان شالوم، مواصلة المساعي السياسية مع الدول العربية، مشيرا الى أن الاساس الراسخ في هذه القضية سيكون "في مدى استعداد تلك الدول لمحاربة الإرهاب".
وأوضح شارون لحكومته: ''أعربت عن موافقتي الكاملة على هذا الموضوع. من الواضح أن إسرائيل معنية بالسلام مع سوريا، إلا أنه كما قال رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي، الأسبوع الماضي، يتعين علينا أن نذكر أن سوريا لا تزال تساعد الإرهاب ضد إسرائيل. هذه معركة كبيرة ضد من يساعد على الإرهاب''.

وقد جاءت اقوال شارون هذه ردا على ملاحظة قالها خلال الجلسة وزير العدل الاسرائيلي، يوسف لبيد، بان اسرائيل تبدو رافضة للتوجهات السلمية من جانب الرئيس السوري. وقال لبيد، الذي اعلن انه يؤيد اجراء مفاوضات مع سورية، ان "ثمة خطرا اننا نخسر المعركة على الرأي العام في العالم. اذ ان الانطباع هو اننا نتهرب من الخوض في مفاوضات مع سورية. على الحكومة الخروج باعلان مفاده اننا من اجل المفاوضات للسلام وبعد ذلك نقول اننا نشترط ذلك بوقف تقديم الدعم للارهاب".

واشار وزير الخارجية، سيلفان شالوم، الى ان الاتصالات مع سوريا توقفت في السابق بسبب تسريبات لوسائل الاعلام. وألمح شالوم إلى الاتصالات التي أجراها المدير العام لوزارة الخارجية، إيتان بن تسور، قبل عدة أشهر، مع رجال أعمال سوريين.